فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      كوكبة من علماءٌ السّنة .. الظاهرين على الحق

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      كما نوّهنا في مقالنا السابق الموسوم ب "ثلاثة علماءٍ أفاضل .. ظاهرين على الحقّ"، حيث قلت إننى "ما تناولت هؤلاء الثلاثة الأفاضل، إلا لأدل على معنى، هو أن أهل الحقّ لا يزالون ظاهرين عليه في زمن الفتنة هذا"، كما قلت "وأحبّ أن أوصى الشباب بشيوخٍ ثلاثة". وفي النصين، دليلٌ على أن الأفاضل الثلاثة إنما هم زمرة من كوكبةِ علماء السنة الذين هم، كما كانوا دائماً، الأكثرية الظاهرة على الحق. ذلك أننى قد استعملت في النص الأول إستثناءاً بعد النفي ليفيد الحصر، كما يعلم من له علم بالأصول اللغوية، ، أى أن ذكرى لهؤلاء الثلاثة الأفاضل ليس له دلالة إلا كمجرد مثالٍ على أهل السنة، وهو ما أكده عدم استعمالى هذا الأسلوب في النصّ الثاني، حين أوصيت الشباب بهم، إذ لو قلت "لا أنصح الشباب إلا بالثلاثة" لكان غرضى الحصر فيهم، كما أن "لا إله إلا الله" تحصُر الألوهية في الله سبحانه، ولو قال تعالى "الله إله" لقيل، نسَلّم بهذا ولكن يمكن ان يكون معه غيره إذن، إذ النص ليس للحصر! فإنتبه أيها القارئ الحبيب لهذه الطُرف البسيطة التى لا تخفى على أمثالك، ولتقرأ كلماتي بصبرٍ وأناة. ثم أخرى أوجه النظر لها، وهو أنّ توجيهي الشباب لهؤلاء الأفاضل لا يعنى إتفاقى معهم في كلّ جزئية بأي حالٍ، فإن هذا الإتفاق ليس من طبائع البشر، على إختلاف أقدارهم في الفهم والعلم، وتصور الواقع، والمِزاج الخَاص، والتجارب الشخصية وغير ذلك من العوامل التي يستحيل معها أن يتفق الناس على كل جزئيات الدين والدنيا.

      وقد ذكرت في مقالي السَابق بعض القواعد التي يجب أن يَنظر اليها طَالب العِلم فيمن يسأل، إن أراد عِلماً بالأحكام، أو فتوى في واقعٍ مُعاش، ولا أريد تكرار ما ذكرت سابقاً. إلا إننى أود أن أقرر هنا أنّ منهج التلقي على العلماء لم يكن، في عصرٍ من العصور، يقتصرُ على من لم يقع في خطأ، او من لم يكن له مخالف، فإن هذا لا يقع عادة ولا عقلاً، فليس هناك مَعصومٌ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك يجب أن يهيئ طلبة العلم أنفسهم على قبول اقوال ممن قد يختلفون معهم في جزئية أو أكثر، على شريطة أن لا تكون هذه الجزئيات كثيرة ومحورية ليتكوّن منها فرقة بذاتها، وأن لا تكون مُخالفة بشكل صَريح لمعلومٍ مقرّر في منهج أهل السّنة والجَماعة.

      ثم يجب التنبيه على أمر، وهو أنه حين يصف أحدٌ موقفاً بأنه جبنً أو سوءٌ أو أي من هذه الأوصاف، فهذا لا يعنى أن صاحب الموقف جبان أو سيئ، أو متصفٌ بهذه الأوصاف بعينه، بل يعنى أن هذا موقفٌ جبانٌ لا أكثر. فإن رأينا رجلاً بعينه يقف مواقف الجبن في مواضع عدة، كان "جباناً" بعينه، وهو مقتضى التواتر المعنوى، وبه ثبت كرم حاتم، وهو معنى الإجماع، والإستقراء، كما هو معروف في الأصول.

      وإذ قرّرنا هذا، فإننا نقرر في ضوئه أنه حتى أولئك المشايخ من "السلفيين" الداعين الى الخِذلان والتثبيط، والإستسلام للطغيان ايّا كان، والمُصابين بجراثيم المرجئة والظاهرية، لا ندعو إلى نبذهم والغضّ من علمهم النظريّ في مجال من مجالات العلم الشرعيّ البحت، وهو ما متعَهم الله به، بل وتفوق بعضهم فيه، كالسؤال عن بعض الأسانيد أو المسانيد. لكن ما نحذّر منه الشباب بخصوص هؤلاء، أن يلتزموا الحَذر معهم حين يكون الأمر أمر استفتاءٍ في واقع مُعاشٍ خاصٍ بالتفاعل مع الحَاضر بمشكلاته، وقديما قال الزهري رحمه الله "ليس كلّ شيئ نجد فيه الإسناد"، وهو عين ما قصدنا اليه في مقالنا السابق عن أوصاف من نراهم جديرين بأن يُسْتفتوا. إذ إن هؤلاء "السلفيون" قد فشلوا في استنباط مذهب أهل السنة في التعامل مع الحاكم الظالم والكافر. فيصِحُ أن يتلقى طلبة العلم على ايديهم ما يحسِنون، طالما لا يمسّ هذه النقطة التى تجاوزوا فيها الحق، وجاروا على الصواب. ولنا في هذا سابقة من فعل السلف الصالح من أهل الحديث الذين سمحوا بنقل الحديث عمّن عرفت عنه بدعة الخروج، إلا فيما يتعلق بطرفيّ الفتنة، لأن مذهبهم لا يقر الكذب، خلافاً للرافضة الذين يرون الكذبَ على أهل السنة ديناً. ثم يبقى كُلّ من هؤلاء فرد بذاته، له ما له وعليه ما عليه، وفاقاً وخلافاً لمنهج أهل السنة الخُلّص.

      أما عن كوكبة العُلماء الصادقين، منهم المُجتهد العَلامَة، ومنهم الداعية البحّاثة، ومنهم الخطيب المُفوّه، ممن عاش في زماننا هذا، وعاصَرنا بعض عمره أو كلِّه، فإننا نذكر على سبيل المثال لا الحصر:

      الشيخ محمد بن إبراهيم، الشيخ محمد الدوسرى، الشيخ الأمين الشنقيطي، الشيخ عبد العزيز بن باز، إلا في بعض فتاواه في موضوع الوجود الغربي في الجزيرة، الشيخ صالح بن عثيمين، الشيخ بكر أبو زيد، الشيخ عبد الله الغديّان، الشيخ عبد الرحمن البراك، الشيخان أحمد ومحمود شاكر، الشيخ ناصر الدين الألباني إلا في مسائل الإيمان، رحمهم الله تعالى جميعاً، والشيخ يوسف الغفيص وهو من أكابر من قعّد لمذهب أهل السنة في النظر، والشيخ د هاني السباعي والشيخ وجدى غنيم، والشيخ رفاعة سرور الذي عرفته في نهاية السبعينيات والشيخ جمال عبد الهادى والذي عرفته كذلك في مقتبل إقباله على الدعوة بنهاية السبعينيات، وغيرهم كثيرٌ ممن لا يتسع المكان لسرد أسمائهم، رحم الله من قضى مِنهم، وباركّ الله في أعمار من هم لا يزال ينتظر.

      وأعيدُ التأكيد على أنّ لكلٍ ما يؤخذ أو يؤاخذ عليه، لكن هؤلاء الأعلام الأفاضل هم ممن تُقالُ عَثراتِهم، كما يقول الشاطبيّ، ولنا في سلفنا الصالح كإمام أهل السنة أحمد ابن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام بن القيم والإمام محمد بن عبد الوهاب وغيرهم ممن استشهد بالكثير من أئمة الإسلام، الذين نقدوهم ولم يأخذوا بأقوالهم في بعض المَسائل الفقهية أو العَقدية. ومن هؤلاء الإئمة، على سبيل المِثال لا الحَصر، الإمام الجوينيّ والإمام النووى والإمام بن حجر وغيرهم كثيرٌ ممن عُرف عنهم بعض أقوال في نصرة مذهب الأشاعرة في الصفات أو بعض التوجّهات الصوفية من غير غُلاتها، مع ما عندهم من علمٍ غزير، لا يُنكرُه إلا جاهل ولا يَلحق به إلا صَفوة الأفاضل.

      وفق الله علماء السنة والجماعة إلى الحق، وجمعهم عليه، آميــن.