فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      هل يقال لمبتدع .. علاّمة!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

      وبعد:

      تقدمة:

      يقول الله تعالى في محكم التنزيل:

       (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)المائدة آية رقم 8.

      وصل الى مسامعنا من منتسبي مركز  المقريزي ما ورد في المنتديات في الأيام القليلة الماضية ورجاءهم مني  ان أرد على الموضوع وهذا هو ردنا وبكل بساطة نوجهه إلى رجالات أهل السنة وشبيبتهم ونسائهم الغيورين على دينهم ،وإلى كل من يطلب الحق من ذوي البصائر.

      وقبل أن أستعرض الرد على هذا القول أود أن أضيف أنني سأرد أيضاً على ما يثيره أحد المعترضين بغير حق! عن سبب حصولي على درجتي الماجستير والدكتوراة من الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية التي يشرف على إدارتها أساتذة شيعة! وهناك شبهة يرددها البعض ويعيدونها وهي عن ظهوري ومشاركتي العام المنصرم في محطة الكوثر الشيعية! وسيكون ذلك خلال استعراضي لموضوع الدكتور عباس مهاجراني! ورغم علمي أن قساة القلب لا يردعهم ردي ولا ينفعهم نصحي كما قال القائل:

      إذا قسا القلبُ لم تنفعه موعظةٌ *** كالأرض إنْ سُبخت لم ينفع المطرُ

       أما عن وصفي لرجل شيعي بالعلامة! فليس غريباً ولا بدعاً من القول للأسباب التالية:

       أولاً: إن مثل هذه الألقاب والسمات العلمية كعلامة وعالم كبير وحبر وعظيم وغيرها لا علاقة لها بصحة أو عدم  صحة اعتقاد وصلاح أو عدم صلاح الشخص الموسوم بهذا اللقب سواء كان هذا الشخص مسلماً صالحاً، أو طالحاً، أو كافراً كفراً أصلياً ، أو مرتداً!!

       ثانياً: إذا قلنا عن شخص ما أنه علامة أو عالم كبير! حتى ولو كان كافراً! فإنه مفهوم بداهة أنه علامة نابغ بارع في العلم الذي يتقنه بغض النظر عن قناعتي بهذا العلم من الناحية العقدية أو حتى المعرفية وهذا معلوم لمن يقرأ في كتب السلف والخلف! فقد يكون الرجل معظماً وكبيراً وحبراً لدى بني جلدته وقومه! ومن ثم لا حرج بمخاطبته بعظيم القوم وكبيرهم أو حبرهم.

       فقد روى البخاري في كتاب الاستئذان في صحيحه: "عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّأْمِ ، فَأَتَوْهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ « بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ ، السَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ، أَمَّا بَعْدُ » . أهـ (البخاري الحديث رقم 6260).

      وذكر البخاري أيضاً في كتاب التفسير من صحيحه:

      عَنْ عَبْدِ اللَّهِ  بن مسعود- رضى الله عنه - قَالَ جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ ، وَسَائِرَ الْخَلاَئِقِ عَلَى إِصْبَعٍ ، فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ . فَضَحِكَ النَّبِىُّ  صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم  (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ). أهـ (البخاري الحديث رقم 4812).

      وجاء في صحيح مسلم  في كتاب الحيض من رواية ثوبان مولى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه حبر من أحبار اليهود:: " قَالَ كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ. فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا فَقَالَ لِمَ تَدْفَعُنِى فَقُلْتُ أَلاَ تَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ الْيَهُودِىُّ إِنَّمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِى سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اسْمِى مُحَمَّدٌ الَّذِى سَمَّانِى بِهِ أَهْلِى ». فَقَالَ الْيَهُودِىُّ جِئْتُ أسألك" أهـ (مسلم: الحديث رقم 742)

       أقول: الشاهد قوله (حبر من أحبار اليهود)! وكلمة حبر معناها العالم بتحبير الكلام والعلم وتحسينه؛ قال القرطبي في تفسير قول الله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) الآية 31من سورة التوبة: " الأحبار جمع حبر، وهو الذي يحسن القول وينظمه ويتقنه بحسن البيان عنه. ومنه ثوب محبر أي جمع الزينة.. والحبر بالفتح العالم" أهـ  بتصرف يسير.(القرطبي: الجامع لأحكام القرآن الكريم: تحقيق الدكتورمحمد إبراهيم الحفناوي والدكتور محمود حامد عثمان/ دار الحديث بالقاهرة طبعة ثانية 1416هـ مج 7ـ8 ج 8 ص 113).).

       ثالثا: يدهش المرء من طرح بعضهم مثل هذا الاعتراض الشكلي! (وصفنا لرجل شيعي بالعلامة)!

      أقول:  إن الدكتور عباس مهاجراني علامة بمعنى هذه الكلمة وقد قدم لي كتابي (القصاص)، (وإثبات جريمة القتل العمد)، وليس كتاب القصاص فقط!

      فهذان الكتابان قد تم إرسالهما إلى العديد من طلبة الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراة) في العالم الإسلامي التي بها جامعات عربية وإسلامية عريقة! بناء على طلباتهم التي أرسلوها لنا عبر البريد الإلكتروني فعلى سبيل المثال: من المغرب سبعة من دارسي الماجستير والدكتوراة، والجزائر ثلاثة، وليبيا طالب ماجستير، والسودان أربعة (ماجستير ودكتوراة، وتنزانيا اثنين أحدهما يدرس في جامعة زنجبار، وجنوب أفريقيا طالب واحد ماجستير، ومصر بلد الأزهر! 12 نسخة لطلبة ماجستير ودكتوراة، واليمن أكثر من خمسة من دارسي الماجستير والدكتوراة!

       وحتى أرض الحرمين التي بها الجامعات الإسلامية والمعاهد المتخصصة تم إرسال إلى (جدة ومكة) أربع نسخ (طالب واحد دكتوراة وثلاثة ماجستير)! ومعظم دول الخليج الكويت وقطر والبحرين والإمارات لكل دولة طالب واحد على الأقل! وأيضاً سلطنة عمان رغم مذهبهم الإباضي (طالبان للماجستير)! ومنذ ستة أشهر تقريباً أرسل لنا أحد الدارسين لدرجة الدكتوراة وهو في نفس الوقت يعمل في جامعة بجمهورية (قيرغيزستان) فأرسلنا له نسخة من كل كتاب وشكرنا على تلبية طلبه! والحمد لله! هذا احصاء فقط لطلبة الماجستير والدكتوراة الذين أرسلنا لهم الكتابين كهدية!

      أما عن الطلبة العاديين، والقراء والباحثين فما أكثرهم! والكتابان مطبوعان ومتوافران في المكتبات بالمملكة المتحدة! وأيضاً على موقع المقريزي وبعض المواقع الأخرى!  وليعلم المعترض علينا أن كتابنا (القصاص) يدرس لطلبة مسلمين بالصين بناء على طلب جمعية إسلامية هناك. ولله الحمد والمنة!

       لماذا تم اختيار الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية؟

       أما لماذا التحقتُ بالجامعة العالمية للعلوم الإسلامية بلندن؟! فقد أجبت على هذا التشويش والشغب غير السديد المتكرر في محاضرات في غرفة الأنصار بالبالتوك! ولكن لا بأس من التوضيح لعل الذي في قلبه مرض يرتاح ويشفيه الله من هذا المرض العضال!

       أقول: هذا التساؤل قد يكون مستساغاً لو أنه وجه إلى شخص يعيش مرتاحاً في أرض إسلامية وأراد أن يترك أرض الحرمين أو مصر أو المغرب أو أي دولة عربية أخرى مثلاً  وسافر إلى لندن أو أي دولة غربية بغية نيل درجة الماجستير والدكتوراة في العلوم الشرعية أو اللغة العربية!

      رغم أني قابلت بعض الشباب هنا في لندن ولا سيما من أرض الحرمين وكنت متعجباً لأنهم جاءوا بريطانيا مختارين لنيل درجة الماجستير والدكتوراة في الفقه الإسلامي وبعضهم في التاريخ والأدب العربي! وكنت أسألهم أولاً هل هم من المضطهدين في بلادهم أو من طالبي اللجوء السياسي! يجيبون بالنفي! ويؤكدون على أنهم يترددون على بلادهم عدة مرات في السنة وجاءوا على نفقتهم الخاصة!! أقول لهم سبحان الله! تتركون أرض الحرمين والأزهر والجامعات العربية والإسلامية لتدرسوا الفقه الإسلامي واللغة العربية والتاريخ هنا في لندن؟! لكنهم يجيبون أجوبة غير مقنعة مثل قولهم إن الدراسة هنا أكثر تنظيماً وجدية!! ثم أنصحهم قائلاً لو كنت مكانكم ولدي حرية الاختيار والأمان في بلادي ما جئت هنا إلى بريطانيا ولم أكن لأدرس الفقه الإسلامي أو مقاصد الشريعة أو اللغة العربية وآدابها أو التاريخ الإسلامي وخلافه من علوم نظرية ممكن تحصيلها بكفاءة في بلاد المسلمين!

       حط الرحال في عاصمة الضباب!

       المهم أنني منذ قدومي إلى لندن قبل خمس عشرة سنة وأنا في بحث دائب في طلب العلم فلا  أرغب في تضييع الوقت فكنت أدرس اللغة الإنجليزية في كلية قريبة من سكني مع القيام بواجبات الاهتمام بالأولاد ذهاباً وإياباً إلى مدارسهم!

      وفي نفس الوقت كنت أكتب لبعض المجلات الإسلامية بل كنت أراجع وأحرر كثيراً من المقالات والنصوص وأكتب أحياناً بعض الافتتاحيات والتحليلات السياسية لبعض المجلات مع السلاسل التاريخية التي كنت أكتبها أسبوعيا!

      وحاولت البحث عن جامعة أكمل فيها دراستي العليا حتى وجدت في ذلك الوقت جامعة الدراسات الشرقية والإفريقية؛ وهي جامعة عريقة تخرج فيها كثير من المستشرقين وبعض الدارسين في العالم العربي والإسلامي لأنها متخصصة في الدراسات الشرقية الآسيوية والإفريقية والعربية والإسلامية! فأرسلت إدارتها لي كتاباً بكيفية التسجيل والعلوم التي لديهم! علمت أن مصاريف التسجيل كبيرة نسبياً ولا تناسبني كما أنهم لا يقسطون ثمن رسوم التسجيل!

      لكنني وجدتها فرصة للتردد على مكتبتها المفعمة بأمهات الكتب العربية والإسلامية المختلفة! فكنت أذهب إليها يومياً؛ أوصل الأولاد إلى المدرسة ثم أظل في المكتبة حتى موعد خروج الأولاد من مدارسهم! وكنت أقضي وقتاً طيباً في تلكم المكتبة؛ أكتب وأدون وأصور بعض المعلومات التي كنت أستخدمها في كتابة المقالات الأسبوعية لأنني لم يكن لدي مكتبة عندما فررت من مصر بصحبة زوجتي وأولادي في رحلةٍ ـ الله يعلم ـ كم كانت مرهقة وشاقة حتى وصلنا إلى لندن والحمد لله!

       محاولة التسجيل في جامعة أكسفورد:

       وأذكر أنه في ذلك الوقت أن ذهبنا أنا وأخي الشيخ أبو قتادة الفلسطيني فك الله أسره، وبعض الإخوة إلى مدينة أكسفورد للتعرف على جامعة أكسفورد الشهيرة والتسجيل في قسم الدراسات العليا لديهم واجتمعنا مع مسئول قسم الدراسات في جامعة أكسفورد ورحب بنا وكان الدكتور بسام الساعي حسب ما أذكر وهو أستاذ سوري معروف مؤرخ وشاعر كان يدرّس في نفس الجامعة! لكننا فوجئنا بمصاريف باهظة التكاليف في السنة الواحدة لأن أكسفورد وكامبريدج من أغلى الجامعات في بريطانيا وعلى مستوى العالم تقريباً! واصطحبنا شخص يعمل في الجامعة إلى مكتبة جامعة أكسفورد وتحتوي على عدد كبير لا بأس به من كتب إسلامية وعربية في علوم مختلف فصلينا هناك ثم عدنا إلى لندن!

       أما لماذا لم أسجل في الجامعة الإسلامية الأمريكية المفتوحة رغم أنها سنية:

        للإجابة على هذا الاستفسار بكل بساطة أن الجامعة الإسلامية الأمريكية تم تأسيسها في ديسمبر سنة 1999م  وظهرت للعلن في عام 2000م! وأنا أتكلم عن الوقت الذي جئت فيه بريطانيا لاجئاً قي شهر مايو سنة 1994م فلم تكن هذه الجامعة من الأصل موجودة! وحتى الجامعة الأمريكية العالمية التي يشرف عليها أساتذة من أهل السنة من المغرب الإسلامي ومقرها أمريكا أسست سنة 2003م! أما الجامعة الأمريكية المفتوحة فقد ظهرت عام 1996م ولم تكن مشهورة في ذلك الوقت! وبعد أن علمت بوجودها اتصلت بالمنتدى الإسلامي في لندن مستفسراً عن وجود فرع للجامعة الأمريكية المفتوحة في لندن أو غيرها من المدن! قالوا للأسف لا. فسألت وكيف يتم اللقاء مع المشرف لو سجلت قالوا عن طريق المراسلة والهاتف! وكانت الاتصالات الهاتفية في ذلك الوقت غالية حتى بين الدول الأوروبية وأمريكا! ولم يكن الإنترنت بهذه السرعة ولا بهذه السهولة اليوم! فقلت هذه طريقة صعبة ولا بد من الجلوس مع المشرف ولقائه شهرياً كلما أنجزت جزءاً من الرسالة! بالإضافة إلى أن  لقاء المشرف والتعامل معه عن قرب وجهاً لوجه أفضل وأنفع وكما قيل قديما: (العيون مغارف العلم)!

       التسجيل في جامعة ويستمنستر بلندن:

       وفي ذلك الوقت نصحني أحد الإخوة بالتسجيل في جامعة ويستمنستر لأن رسوم التسجيل أقل كثيراً من رسوم جامعة أكسفورد وغيرها! ويقبلون أيضاً التقسيط! وفعلاً ذهبت إلى جامعة(ويستمنستر) وقابلت الدكتور محمد فريد الشيال وهو ابن المؤرخ المصري الشهير الدكتور جمال الدين الشيال صاحب التحقيقات الشهيرة كالمحاسن اليوسفية للقاضي ابن شداد! وغيرها من كتب تاريخية نافعة! فتقدمت بعمل خطة للبحث باللغة الإنجليزية وكان الموضوع حول واضع اللبنات الأولى للعلمانية في العالم العربي والإسلامي الشيخ الأزهري رفاعة الطهطاوي! وهو أصل كتابي  (دور رفاعة الطهطاوي في تخريب الهوية الإسلامية) الذي طبع منه ألف نسخة نفذت معظمها والحمد لله! وموجود في موقع المقريزي ومواقع أخرى وتم تنزيل الكتاب أكثر من عشرين ألف مرة!

      وهكذا تم عرض الموضوع على إدارة الجامعة وانتظرت مدة طويلة نسبياً! لدرجة أني كتبت خطة البحث لنيل درجة الماجستير مرة ثانية بعد أن علمت أن سبب التأخير يرجع إلى أن المشرف قد ضيع ملف خطة البحث!  فكتبته مرة أخرى وفي النهاية استلمت موافقتهم وطلبهم مني أن أقوم بتسديد الرسوم الأولية ففعلت!

       ظهور الجامعة العالمية الإسلامية على الخط:

       وفي ذلك الوقت أي خلال تأخير رد جامعة ويستمنستر على! سمعت في إذاعة (إسبكتروم) العربية وهي إذاعة محلية فقط للعرب المقيمين في لندن تهتم بشئونهم الحياتية فسمعت من أحد المتداخلين أن هناك جامعة تدرس باللغتين العربية والإنجليزية وهي (الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية)!  فاتصلت بهم في اليوم التالي مباشرة وأرسلوا لي كتاباً صغيراً للتعريف بالجامعة ونشاطها! فاتصلت برئيس قسم الدراسات العليا وأعطاني موعداً فاجتمعت به فعلمت أن إدارة الجامعة من الشيعة العرب! وأن لديهم طلبة وباحثين من أهل السنة! كما أنهم لا يفرضون مذهبهم وعقيدتهم وآراءهم على الطلبة والدارسين لأن ذلك غير مقبول أصلاً في المملكة المتحدة وإلا أغلقوها لهم! كما علمت أن الذي يشرف على الجامعة هيئة التعاليم العالي بالمملكة المتحدة وأساتذة من جامعة أكسفورد، وأنهم معترف بهم من جامعة الأزهر والكويت وسوريا ومعظم الدول العربية الأخرى وباكستان وماليزيا وأندونيسا ولهم فروع في هذه الدول وبعض الدول الإفريقية! وطلبت تقسيط الرسوم فوافقوا! ووجدت مكتبتهم تحتوي على معظم كتب أهل السنة في العقيدة ومعظم كتب شيخ الإسلام ابن تيمية! والتفسير والفقه على جميع المذاهب السنية وكتب التاريخ والتراجم والسير بالإضافة إلى كتبهم التي لم تكن معروفة لدينا في مصر ولم تكن بهذه الشهرة! مع التأكيد أنني أتكلم عن فترة قبل انتشار الأنترنت!

      المهم أنهم عرضوا علي عدة موضوعات لنيل درجة الماجستير كان من ضمنها (نظرية القصاص في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي)! فاخترت هذا الموضوع وعينوا لي مشرفاً! كان هذا المشرف هو الدكتور عباس مهاجراني الذي أشرف على رسالتي (الماجستير) و(الدكتوراة).

       الاعتقال وعملية التحدي:

       وفي ذلك الوقت وصلتني رسالة من جامعة ويستمنستر توافق على موضوع بحثي حول الطهطاوي! فقلت هذا خير وبركة نجمع بين الاثنين (الطهطاوي) في ويستمنستر! و(القصاص) في الجامعة العالمية! لكن لم تأت الرياح بما تشتهيه السفن!

      فقد اقتحمت شرطة سكوتلاند يارد! بيتي بعدة صلاة الفجر على طريقة زوار الفجر في بلادنا! فقد قرأوا على شيطان واحد! حيث حطموا باب الشقة وروعوا الأطفال واعتقلوني في عملية أطلقوا عليها (التحدي)، وذلك عقب تفجيرات نيروبي ودار السلام سنة 1998م! فضاعت أوراق البحث والبطاقات المسجل عليها معلومات البحث! أخذوا كل هذا ولم يردوها إلي رغم أنها معلومات أكاديمية بحتة!

      وتم ترحيلي مع بعض الإخوة؛ سبعة مصريين (إبراهيم عيدروس رحمه الله الذي توفي بالسرطان العام الماضي، وسيد عوض الذي تم ترحيله فيما بعد إلى ألمانيا وآخرين)، وأخ من أرض الحرمين الشيخ (خالد فواز) المعتقل حالياً في بريطانيا منذ عام 1998م بغية ترحيله إلى أمريكا! فك الله أسره وإخوانه!

      وفي السجن قمت بفضل الله بالحصول بعض الشهادات في الحاسوب! وبعد رحلة السجن المريرة ورغم استماتة المجرم توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق في ترحيلي إلى مصر بأية ضمانات! تم إطلاق سراحي! لأن القضاء البريطاني رفض هذا الأمر! خشية أن أحاكم محاكمة غير عادلة أو أعذب خاصة أنني  محكوم علي من محكمة عسكرية زوراً وبهتاناً بالحكم المؤبد في القضية المطلق عليها إعلامياً (العائدون من ألبانيا)! 

      ثم تابعت ذلك بعد خروجي من السجن فحصلت على دبلوم ترجمة من كلية شمال غرب لندن! وفي أثناء فترة اعتقالي أرسلت جامعة ويستمنستر رسالة مفادها أنني إذا لم أحضر في الموعد المحدد فسأفقد فرصتي في الدراسة لديهم! ونفذوا تهديدهم!

      فهنا قلت لنفسي بعد الخروج من السجن الوقت ليس في صالحي وأنا مهدد بالسجن أو الترحيل في أي وقت فمن الأفضل أن أختار الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية رغم أن القائمين عليها شيعة! لأنها ستوفر علي وقت ترجمة (القصاص) لأنها تقبل الدراسة باللغة العربية!

      فقابلت رئيس قسم الدراسات العليا وقلت له بكل صراحة أنني كنت معتقلاً وأحضرت بعض الصحف البريطانية التي كتبت عني وذكرتني بالاسم! فتفهم الأمر  ولم أر فيه تعصباً ضد أهل السنة منذ لقائي به أول مرة وحتى نهاية الدراسة! وقال لي طالما لا توجد قضية جنائية مخلة بالشرف فهذا لا شئ فيه! ورحب بي!

      وبعد أحداث 2001م كانت محطة الجزيرة تتصل بي لأقوم ببعض التحليلات والتعليقات والمشاركة في بعض البرامج! وإدارة الجامعة كانوا يشاهدونني! ويعلمون توجهي ودفاعي عن أسود أهل السنة في كل مكان!

      وكنت أكرر على مسامعهم أثناء دعوتي للمشاركة في مناقشة بعض الأبحاث العلمية التي يقدمها بعض الدراسين في الجامعة! أقول أمام الجميع بصوت عال: أنا سني للنخاع! وأفتخر بذلك! هكذا ورب البرية! كنت أكررها وأترضى عن سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه علانية رغم علمي بامتعاضهم من تصرفي! لكنني لم أجد أية معارضة منهم! والله على ما أقول شهيد!

      المهم أنني كنت في سباق مع الزمن فكنت أبحث وأتعلم وأعلم وأخطب الجمعة وألقي المحاضرات وأخوض معارك للدفاع عن الإسلام في المحطات الفضائية كالجزيرة وغيرها! حتى أنجزت بفضل الله تعالى رسالتي الماجستير والدكتوراة! وكان ذلك كله بتوفيق الله تعالى!.

       الظهور في قناة الكوثر الشيعية:

       أما عن مشاركتي وظهوري في قناة الكوثر الشيعية! فقد رددت على هذا الشغب غير المبرر في محاضراتي في البالتوك وأرسلتها كتابة للأخ المشرف على موقع المقريزي لينشرها في بعض المنتديات! لكن للأسف الشديد لا يزال هناك نفر ممن تربوا على موائد الأنظمة المرتدة في العالم الإسلامي خاصة تلاميذ آل سعود في المنتديات الإسلامية الذين يكررون ويثيرون هذه السخافات التي يزين لهم شيطانهم القابع في أضابير أمن الدولة! ليحجبوا نور الشمس بالغربال!

       وإلى هؤلاء العبابيد المناكيد! أردد قول الشاعر:

       إن تحسدوني فإني لا ألومكم *** قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا

      أنا   الذي  تجدوني  في  حلوقكم *** لا  أرتقي  صُعُداً  فيها ولا أردُ

       وعلى أية حال سأجيب باختصار للإخوة الذين قد يخيل إليهم أن شبهات المرجفين لها آثارة من حقيقة!

      أقول:  لقد وصلني عبر البريد الإلكتروني بفضل الله تعالى عشرات الرسائل من إخوة أفاضل ليس بيني وبينهم معرفة سابقة من أهل السنة من بلوشستان ومن أهل الأحواز يباركون ويثنون على مشاركاتي في قناة الكوثر الشيعية! رغم بغضهم لها! لا سيما عندما رأوني وأنا أدافع عن عقيدة أهل السنة، وأترضى على الصحابة الكرام!  وهم يرون تميز المذيع والضيوف غيظاً! وأنا أقول معاوية رضي الله عنه! لأن هؤلاء الروافض أخزاهم الله! قد يترضون على إبليس ولا يذكرون الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان بأية كلمة مدح أو إنصاف!

      ويذكر هؤلاء الإخوة ثناءهم الذي أسأل الله أن أكون عند حسن ظنهم! أن ردي على شبهاتهم في تاريخ الدولة الأموية وأسباب سقوطها و قيام الدولة العباسية! ومحاولة قناة الكوثر إسقاط كل أحداث التاريخ على حادثة السقيفة وردي الحاسم عليهم أثر إيجابياً على كثير من الشباب في بلوشستان والأحواز! ويذكر هؤلاء دمغي للزنديق المدعو حسن فرحان المالكي؛ وهو للأسف من سكان أهل الجزيرة ويزعم هذا الأفاك أنه من أهل السنة! ويذكرون تفنيدي لشبهاته حول طعنه في الإمام البخاري وصحيحه! وقولتي الشهيرة لهم في معرض ردي عليهم في التركيز على بعض الأحاديث التي لايطعنون فيها كأحاديث تتعلق بالأسماء والصفات وحديث لطم نبي الله موسى عليه السلام ملك الموت وغير ذلك!

      وقولي لهم: البخاري سيظل شوكة في حلوقكم! هذا بخارينا نحن أهل السنة! ونحن أفهم الناس لعباراته ولأحاديثه فلم التمحك وكثرة التشنيع عليه! حسبكم الكافي المفعم بالخرافات وثلث كتابكم أحاديث موضوعة وضعيفة على منهجكم!

      فالمعترض الذي يعارض مشاركتي في قناة الكوثر وكانت عبارة عن إحدى عشرة حلقة أو ما يزيد قليلاً ثم انتهت لما يئسوا مني وعلموا أن مشاركتي قد تؤثرعلى أتباعهم الذين تعودوا أن يسمعوا الباطل والدجل!

      فما الباطل الذي قلته وأنا أدافع عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم! قد يقول قائل: أنت تشارك في برنامج (حقائق تاريخية) كانت عن الدولة الأموية والعباسية!

      أقول: من يقول ذلك لم يتابع الحلقات جيداً! القوم يستعرضون تاريخ الدولة الأموية والعباسية وغيرها! بغية الطعن في الصحابة ومنهج أهل السنة! لأنهم في حواراتهم كانوا يرجعون دائماً لحادثة السقيفة! ويسلطون الضوء على قضايا منتقاة بعناية لشيطنة الصحابة وأهل السنة!

      يعيني  يريدون أن يقولوا أخزاهم الله! وقد قالوا فعلاً بصريح العبارة: الدولتان السنيتان الأموية والعباسية قتلت أهل البيت واغتصبت السلطة منهم! كما اغتصبها أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم! هذا ما يسوقونه! أي لا يوجد تاريخ مشرف لأهل السنة بل إن أحد خبثائهم! وما أكثرهم! وما أجهلهم!  شكك في الفتوحات الإسلامية وقال كانت من أجل الدنيا والغنائم! ولم تكن لوجه الله! فانبريت لهم وقضيت على هذه السموم بترياق الحق الذي أعتز به عند أهل السنة!

       وإلى المعترض المشاغب! أن يأتي بباطل تكلمت فيه!

       إني أُحبُّ أبا حفصٍ وشيعتَهُ *** كما أحب عَتيقاً صاحبَ الغارِ

      وقد رضيتُ علياً قدوةً علماً *** وما رضيتُ بقتل الشيخ في الدارِ

      كلُّ الصحابة ساداتي ومعتقدي *** فهل عليّ بهذا القول من عارِ

        وليأتنا من يعترض على أمور شكلية في كتبنا بقضية شرعية في صلب موضوع الدراسات التي تناولتها! أو الباطل الذي قلته في قناة الكوثر وغيرها!

      وعلى المعترضين من خفافيش آل سعود! أن ينشغلوا قليلاً بمحطات آل سعود أعني المحطات التي تقدم وجبة إسلامية! هذه المحطات التي تزعم أنها على مذهب أهل السنة والجماعة! ليعلموا كيف يحارب أهل التوحيد من أهل السنة والجماعة في هذه المحطات التي تسبح بحمد جلالة الملك المفدى خادم الحرمين!! نفس هذه المحطات وأخواتها تضع اسم العبد الضعيف كأحد محظوراتها!

       أبو محمد المكي وعرضه المغري:

       وأذكر بهذه المناسبة بعد أن طبعت كتابي سنة 2002م (الصراع بين المؤسسات الدينية والأنظمة الحاكمة) الذي يتناول المؤسستين الدينيتين في (مصر والسعودية) كأنموذجين للصراع بين العلماء والسلطة! واحتواء السلطة لهما عبر محطات تاريخية إلى وقت قريب!  ولما نشر الكتاب غضب أذناب آل سعود!

      ثم فوجئت فيما بعد بشخص يتصل بي ويعرفني بنفسه أن اسمه أبو محمد المكي! باحث في الدراسات الإسلامية! حسب قوله! وكان قد حصل على هاتفي من أحد الأشخاص في مسجد المنتدى الإسلامي بلندن عندما سأله عني! فعرفني بنفسه وطفق يثني علي بطريقة غريبة وعلى كتاباتي الجادة حسب وصفه!  فأعطيته موعداً أمام مكتبة الساقي بلندن ثم ذهبنا إلى مبنى (وايت ليز)، وهو مكان به محلات ومطاعم! فجلسنا وكان يرتدي قميصاً طويلاً ويتردي الغترة الشهيرة في الحرمين والخليج! ومظهره يوحي بالتدين فقد كان ملتحياً! المهم أني سألته عن سبب طلبه لقائي وهل حقاً يريد أن ينقاشني في بعض ما أكتب!

      قال: ليس كذلك! إنه يبحث عن مكان يستأجره ليفتتحه كمركز للأبحاث والدراسات التي تهم المسلمين خاصة لمن يعيشون في الغرب وهمومهم! فقلت له: تستطيع أن تسأل أصحاب التجارب هنا كالمنتدى الإسلامي أو المسجد المركزي!

      قال: أنا أعرف ذلك لكن أريد أشخاصاً مستقلين ولما كنت متابعاً مقالاتك ومداخلاتك في قناة الجزيرة ولبعض المقالات التي كانت تنشر لك في جريدة القدس العربي! أراك ولا أزكيك على الله أنك جاد في طرحك! حسب قوله! ومستقل في رأيك! فلم لا نتعاون نحن وأنت في هذا الأمر! قلت له: نحن! من أنتم! قال لي: هناك بعض المحسنين في المملكة! يقصد مملكة آل سعود! أوفدوني لأبحث عن أشخاص مستقلين مثلك للإشراف على هذه المسئولية! فقلت له وماذا تستفيدون مني! فأنا شخصي لدي مشاكل أمنية قد تكون ضد توجهكم ولا تستطيعون تحملها!

      قال لي المسألة بسيطة نحن نعلم ذلك! قلت كيف! قال: أن تغير من لهجتك الشديدة الحادة في انتقاد الأنظمة لأن الهدف هو نشر الإسلام والدعوة إلى الله وتبصيرالمسلمين! فما الفائدة من انتقاد الحكام! ثم شرع يفصل في محاسن آل سعود! ويقول أنا معك هناك مساوئ وبعض الظلم! لكن لا يصل إلى تكفيرهم وانتقادهم بهذه الطريقة!

      ثم قال إنه قرأ كتابي (الصراع بين المؤسسات الدينية والأنظمة الحاكمة)! وقال لقد ظلمت الدولة السعودية الثالثة رغم نشرها للتوحيد في إفريقيا وآسيا وكانت ولا تزال ضد الصوفية والقبوريين! حسب قوله!

      وأضاف قائلاً رغم مدحك للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله! إلا أنك وجهت اللوم له في تنازله في آخر حياته عن الحكم!

      وهنا انكشف المخبوء وعلمت أن الرجل الذي أحاوره رغم مظهره الخداع! أنه أحد المدربين أمنياً على كيفية شراء الدعاة! واختراق بعض المؤسسات من خلال هذه الاغراءات!

      وفي نهاية اللقاء قلت له بحسم! لقد استمعت إليك جيداً! لو كان الأمر كما ترى ما خرجت أصلاً من مصر وما جئت هنا لاجئاً! لأن مثل هذه العروض متوافرة أيضاً في مصر لمن يدخل في دينهم! دين أمن الدولة! ومعذا الله أن أبيع الحق الذي أعتقده بمركز وحفنة المال! لا بارك الله في هذا المركز وفي المال الذي يأتي منه! أنا راض والحمد لله على ما أنا فيه وأنهيت اللقاء بقولي له ابحث عن غيري! فانصرف ولم أره إلى يومنا هذا! هذه بعض ألاعيب آل سعود! وهذا ديدنهم!  من لم يستجب بالسيف يُشترى بالمال!  فحسبنا الله ونعم الوكيل!

       وإلى الأحباب الذين أساءهم شغب المعترضين من عبابيد آل سعود وأمن الدولة في مصر وغيرها أردد معهم قول الشاعر لحاجب الخليفة العباسي المأمون:

       وما عن رضى كان الحمار مطيتي *** ولكنّ من يمشي سيرضى بما ركب

       عود إلى موضوع الدكتور عباس مهاجراني:

       لقد وصل الدكتور مهاجراني إلى درجة الاجتهاد في المذهب الإمامي الذي يعتقده ويعرف أوجه اختلاف الفقهاء في مذهبهم؛ أصولهم وفروعهم، وعلى دراية كبيرة جداً في مذاهب أهل السنة ومتقن لأصول الفقه في جميع المذاهب وعلم الحديث! (وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين).. بالإضافة إلى أنه أشرف على رسالتي؛ الماجستير والدكتوراة على مدار أكثر من ست سنوات تقريباً إذ لم يفرض رأيه علي، ولم ينبس ببنت شفة عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وكان يتجنب التحدث في هذا الموضوع كما أنه ليس له كتاب يطعن فيه في خيار الأمة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم! له بالطبع مساهمات في المؤتمرات التي تعقد سنوياً حول التقارب بين أهل السنة والشيعة! رغم قناعتي بعدم جدواها! ورأيي الشخصي فيها بأنها حرث في الماء ! وطواحين تصارع الهواء!

      وكنت قد سألته: من الذي  تقلده من المراجع الشيعية اليوم؟

       أجاب أنه لا يقلد أحداً لأن لديه أدوات الاجتهاد في المذهب الإمامي! فقلت له: ولماذا لا يقال عنك المرجع الشيعي!

      ابتسم قائلاً: لأنني ليس لي أتباع ولا وسائل إعلام! أنا متفرغ للأبحاث العلمية ولمناقشة الباحثين والدارسين الذين أشرف عليهم من زمن طويل!

      والدكتور مهاجراني لمن لا يعرفه شارف على الثمانين عاماً أو تجاوزها قليلاً! ولمن يرغب في مزيد من المعرفة عن هذا العالم الشيعي أقول: إنه ضد ولاية الفقيه! ويعادي الدولة الإيرانية عداء شديداً!

      لأنني قلت له: لماذا لا تعيش في إيران وهي بلده الأصلي ولكم الآن دولة؟

      قال الدكتور مهاجراني: هذه دولة لاعلاقة لها بالإسلام!

      واضاف:  أتعرف أن معظم جيل الثورة الخمينية لا يصلون! وأنهم مؤخراً فتحوا المساجد لأغراض سياسية بحتة! لقد استولوا على بيتي في طهران! ولا يزالون يطاردونني!

      هكذا قال لي الدكتور عباس مهاجراني! هذا الرجل رغم أنه شيعي من كبار علمائهم إلا أن له آراء تخالف أئمة الدجل كالسيستاني وخامئني بل إنه يبدع من يقومون باللطم والتطبير والضرب بالجنازير وهذه المناظر المقززة! واستشهد لي بأن أحد علماء الشيعة؛ ربما يكون جد محسن الأمين! قديما في العراق أو سوريا لما اعترض على هذه البدع وحتى هذه الألقاب (آية الله)! تم ضربه من قبل الدهماء والسوقة وسحله في الشوارع وتحطيم منزله!

      لقد سألته ما رأيك في هذه الألقاب آية الله! وآية الله العظمى!

      كان يتهكم ويقول لي: النملة آية الله العظمى! العصفور آية الله العظمى! وعرضت عليه صورة في مجلة لشخص يقال له آية الله بعد العدوان الغاشم البربري على العراق!

      أجاب ساخراً! هذا الشخص كان أحد تلامذتي وكان بليداً! سبحان الله يصل إلى هذا المنصب وهو جاهل ويلقبونه بآية الله! قال كل هذه الألقاب ظهرت منذ مائة عام تقريباً في إيران وإلا فعلماء الشيعة الأوائل كانوا يلقبون بالشيخ أو بشيخ الطائفة أو العالم وغيرها!

      والدكتور عباس مهاجراني يعتبر من الأعضاء المؤسسين والبارزين فيما يسمى بالتقارب بين أهل السنة والشيعة! وقد أهداني عدة مجلات متخصصة في هذا الشأن وناقشته وقلت له بكل صراحة هل تفلحون فيما فشل فيه العلماء الأوائل! وقلت له بكل صراحة لن يحدث تقارب إلا أن تستغرق إحدى الطائفتين الأخرى! فيجيب رأيك وجيه لا بأس به! لكن لا بد من المحاولة ! ولا يعلق كثيراً!

      الخلاصة: إن الدكتور عباس مهاجراني عالم كبير وعلامة من علماء الشيعة وإن كنت أراه على غير سبيل المؤمنين في معتقده الإمامي!

       رابعا: وإلى الشباب الذين يستغربون من كلامي هذا عن أحد علماء الشيعة فليقرأوا كتب التراجم والتاريخ والسير وإليكم بعض النماذج على سبيل المثال لا الحصر نظراً لكثرتها:

      اقرأ بعناية ما ذكره الأئمة الأعلام صيارفة الإسلام مثل الحافظ  العلامة شمس الدين الذهبي الخريت الخبير بالرجال وغيره في كتبهم عن بعض رؤساء الشيعة الروافض الذين عاثوا في التاريخ الإسلامي تزويراً وفساداً:

       (أ) أما عن محمد بن السائب الكلبي ت146هـ: 

       يقول الذهبي: "العلامة الأخباري أبو النضر محمد بن السائب بن المفسر وكان أيضا رأسا في الأنساب إلا أنه شيعي متروك الحديث يروي عنه ولده هشام وطائفة" الذهبي: سير أعلام النبلاء/طبعة مكتبة الصفا بالقاهرة 1424هـ ج5/ص144).

      وقال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال: " محمد بن السائب الكلبي:" وقال يزيد بن زريع وكان سبئيا قال أبو معاوية قال الأعمش اتق هذه السبئية فإني أدركت الناس وإنما يسمونهم الكذابين. وقال ابن حبان (عن ابن الكلبي) سبئيا من أولئك الذين يقولون إن عليا لم يمت وإنه راجع إلى الدنيا ويملؤها عدلا كما ملئت جوراً وإن رأوا سحابة قالوا أمير المؤمنين فيها. وقال الجوزجاني وغيره كذاب وقال الدارقطني وجماعة متروك. وقال ابن حبان مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه"أهـ (الذهبي ميزان الاعتدال ج6 ص 161).

      وقال عنه الحافظ الجوزجاني: "الكلبي محمد بن السائب: كذاب ساقط. حُدثتُ عن المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما، والسُدِّيُّ والكلبيُّ. حُدثتُ عن علي بن الحسين بن واقد حدثني أبي قال: قدمتُ الكوفةَ ومُنْيَتي لقيُّ السدي، فأتيتُه فسألتُه عن تفسير سبعين آيةٍ من كتاب الله تعالى فحدثني بها، فلم أقم من مجلسي حتى سمعته يشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فلم أعد إليه. وأما الكلبي فالأمر فيه أطمُّ وأعظمُ. سمعت سليمان بن معبد يقول: حدثنا الأصمعي قال: سمعتُ قُرَّةَ بن خالدٍ يقول: كانوا يرون أنَّ الكلبي يُذَّرَِفُ. قلتُ للأصمعي: ومالتذريف؟ قال: الزيادةُ."أهـ (الجوزجاني: أبو إسحاق إبراهيم بن يعقول المتوفى 259هـ: أحوال الرجال تحقيق السيد صبحي السامرائي/مؤسسة الرسالة ط1 لسنة 1405هـ ص54).

      وذكره الذهبي أيضاً في كتابه تاريخ الإسلام:

      قال: "محمد بن السائب الكلبي بن بشر بن عمرو أبو النضر الكلبي الكوفي الإخباري العلامة صاحب التفسير" أهـ الذهبي: تاريخ الإسلام : تحقيق الدكتورعمر عبد السلام تدمري/ دار الكتاب العربي/ بيروت الطبعة الثانية 1411هـ ج9 ص267).

      ورغم طامات ابن الكلبي فإن الأئمة الأعلام  شعبة بن الحجاج وابن المبارك ويزيد بن هارون رووا عنه! يقول الذهبي في تاريخه: "وعنه ابنه هشام بن الكلبي صاحب النسب وشعبة وابن المبارك وأبومعاوية وابن فضيل ويزيد بن هارون وسعد بن الصلت وطائفة سواهم" أهـ (الذهبي: تاريخ الإسلام ج9 ص267).

       يقول عنه الذهبي أيضاً في نفس الفقرة: "وقد اتهم بالأخوين: الكذب والرفض، وهو آية في التفسير واسع العلم على ضعفه" أهـ (الذهبي: تاريخ الإسلام: ج9 ص 267).

      ثم نجد الذهبي يستعرض بعض أقوال العلماء عن محمد بن السائب الكلبي في نفس ترجمته في تاريخ الإسلام:"قال أبوعوانة: سمعت الكلبي يتكلم بشئ من تكلم به كفر. وقال يزيد بن زريع: رأيت الكلبي يضرب يده على صدره ويقول أنا سبائي أنا سبائي. وقال عبد الرحمن بن مهدي: سمعت أبا جزء يقول: قال الكلبي: كان جبريل يوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقام لحاجة فجلس علي فأوحى جبريل إلى علي." أهـ (الذهبي: تاريخ الإسلام : ج9 ص267).

        (ب) هشام بن محمد بن السائب الكلبي المتوفى 204 هـ:

       يقول عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني: "هشام بن محمد بن أبو المنذر الأخباري النسابة العلامة روى عن أبيه أبي المفسر وعن مجالد وحدث عنه جماعة قال أحمد بن حنبل إنما كان صاحب سمر ونسب ما ظننت أن أحداً يحدث عنه وقال الدارقطني وغيره متروك وقال بن عساكر رافضي ليس بثقة"أهـ (ابن حجر: لسان الميزان/ تحقيق عبد الفتاح أبو غدة/ دار البشائر الإسلامية/ بيروت/ ط1/ 1423هـ/ مج3 ج7 ص500، ص 501).

       قال العلامة المؤرخ ابن قتيبة الملقب بخطيب السنة المتوفى 276هـ ك" وابن الكلبي هشام بن محمد بن السائب كان أعلم الناس بالأنساب" أهـ (ابن قتيبة: المعارف دار الكتب العلمية بيروت/ ط أولى 1407هـ ص 298).

       قال الحافظ الذهبي في السير عن هشام الكلبي (العلامة الإخباري النسابة الأوحد!):

      "العلامة الأخباري النسابة الأوحد أبو المنذر هشام بن الأخباري الباهر محمد بن السائب بن بشر الكلبي الكوفي الشيعي أحد المتروكين ، كأبيه . روى عن أبيه كثيرا ، وعن مجالد ، وأبي مخنف لوط ، وطائفة . حدث عنه : ابنه العباس ، ومحمد بن سعد ، وخليفة بن خياط ، وابن أبي السري العسقلاني ، وأحمد بن المقدام العجلي . قال أحمد بن حنبل : إنما كان صاحب سمر ونسب ، ما ظننت أن أحدا يحدث عنه وقال الدارقطني وغيره : متروك الحديث . وقال ابن عساكر : رافضي ليس بثقة . وقد اتهم في قوله : حفظت القرآن في ثلاثة أيام . وكذا قوله : نسيت ما لم ينس أحد : قبضت على لحيتي ، والمرآة بيدي ، لأقص ما فضل عن القبضة ، فنسيت ، وقصيت من فوق القبضة . وله كتاب " الجمهرة " في النسب وكتاب " حلف الفضول " ، وكتاب " المنافرات " ، وكتاب " الكنى " ، وكتاب " ملوك الطوائف " ، وكتاب " ملوك كندة " . وتصانيفه جمة ، يقال : بلغت مائة وخمسين مصنفا . وكان أبوه مفسرا ، ولكنه لا يوثق به أيضا ، وفيه رفض كابنه. مات ابن الكلبي على الصحيح سنة أربع ومائتين." أهـ (الذهبي: سير أعلام النبلاء: طبعة مكتبة الصفا/ج7ص44).

       ووصفه الذهبي أيضاً في تاريخه بالعلامة الحافظ: " هشام بن محمد بن السائب بن بشر: أبو المنذر الكلبي العلامة الإخباري الحافظ" أهـ (الذهبي: تاريخ الإسلام ج14 ص 418).

       (ج) هشام بن الحكم الرافضي المجسم الضال المتوفى ت 199هـ :

       يقول عنه الذهبي (المتكلم البارع)!: " وكان في هذا الحين المتكلم البارع هشام بن الحكم الكوفي الرافضي المشبه المعثر وله نظر وجدل، وتواليف كثيرة.   قال ابن حزم : جمهور متكلمي الرافضة كهشام بن الحكم ، وتلميذه أبي علي الصكاك وغيرهما يقولون : بأن علم الله محدث، وأنه لم يعلم شيئا في الأزل، فأحدث لنفسه علما . قال : وقال هشام بن الحكم في مناظرته لأبي الهذيل : إن ربه طوله سبعة أشبار بشبر نفسه.  قال : وكان داود الجواربي من كبار متكلميهم يزعم أن ربه لحم ودم على صورة الآدمي . قال : ولا يختلفون في رد الشمس لعلي مرتين . ومن قول كلهم : إن القرآن مبدل، زيد فيه ونقص منه إلا الشريف المرتضى وصاحبيه . قال النديم : هو من أصحاب جعفر الصادق ، هذب المذهب ، وفتق الكلام في الإمامة ، وكان حاذقا حاضر الجواب . ثم سرد أسماء كتبه، منها في الرد على المعتزلة، وفي التوحيد، وغير ذلك." أهـ (الذهبي: السير: ج7 ص269).

        (د) الكليني: صاحب الكافي المتوفى 329هـ:

       يقول عنه الحافظ الذهبي: شيخ الشيعة ، وعالم الإمامية ، صاحب التصانيف أبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي الكليني - بنون . روى عنه : أحمد بن إبراهيم الصيمري ، وغيره ، وكان ببغداد ، وبها توفي ، وقبره مشهور . مات سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وهو بضم الكاف ، وإمالة اللام ، قيده الأمين .(السير ج ص الطبقة الثامنة عشر." أهـ (الذهبي: السير ج9 ص461). 

      (هـ) ابن بابويه القمي الرافضي المتوفى 381 هـ:

       قال الذهبي عنه إنه ابن العلامة رغم أن أباه أيضاً من علماء الشيعة الروافض المشهور عندهم بالصدوق المتوفى 329هـ!!

      اقرأ ما قاله في السير: " ابن بابويه رأس الإمامية أبو جعفر ، محمد بن العلامة علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، صاحب التصانيف السائرة بين الرافضة . يضرب بحفظه المثل .
       يقال : له ثلاثمائة مصنف ، منها : كتاب " دعائم الإسلام " ، كتاب " الخواتيم " ، كتاب " الملاهي " ، كتاب " غريب حديث الأئمة "، كتاب " التوحيد " ، كتاب " دين الإمامية "، ولا . . . وكان أبوه من كبارهم ومصنفيهم . حدث عن أبي جعفر جماعة منهم : ابن النعمان المفيد ، والحسين بن عبد الله بن الفحام، وجعفر بن حسنكيه القمي ." أهـ (الذهبي: السير ج10 ص168).

       (و) ابن تومرت الدجال المتوفى 524 هـ:

       قال عنه الحافظ الذهبي (الإمام الفقيه الأصولي) ووصفه (بالزاهد)! في سيرأعلام النبلاء بنصه:

      " الشيخ الإمام ، الفقيه الأصولي الزاهد أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت البربري المصمودي الهرغي، الخارج بالمغرب، المدعي أنه علوي حسني، وأنه الإمام المعصوم المهدي" أهـ (الذهبي: السير ج11 ص612).

       صفوة القول

       بعد هذا التطواف السريع حول بعض التراجم لأهل البدع ووصف كبار علمائنا نحن أهل السنة كالذهبي وابن حجر وابن قتيبة وغيرهم بقولهم في تراجمهم (العلامة والنسابة والإخباري والحافظ والفقيه والأصولي والبارع والزاهد وصاحب التصانيف والأوحد!) رغم أنهم من أئمة الرفض والاعتزال والتجهم!

      ولم أشأ أن أستعرض ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية، وابن حجر في درره الكامنة وتراجمه الكثيرة، والخطيب في تاريخه (بغداد)، وابن عساكر في تاريخ دمشق!  والصفدي في الوافي بالوفيات، وابن إياس في بدائع الزهور، وابن خلكان في وفيات الأعيان، وابن الجوزي في منتظمه، والمقريزي في دررعقوده الفريدة، وابن تغري بردي في نجومه الزاهرة والمنهل الصافي، وابن خلدون في تاريخه، وما ذكره العيني في عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان! وابن العماد في شذراته! وغيرهم من أئمة أهل السنة الأعلام سلفاً وخلفاً.

      ولا يسعني إلا أن أؤكد على ما ذكرته في صدر هذا الرد؛ إن مثل هذه الألقاب والسمات العلمية كعلامة وعالم كبير وحبر وعظيم وغيرها لا علاقة لها بصحة أوعدم صحة اعتقاد وصلاح أوعدم صلاح الشخص الموسوم بهذا اللقب سواء كان هذا الشخص الموسوم بهذا اللقب مسلماً صالحاً أو طالحاً أو كافراً كفراً أصلياً أو مرتداً!!إنه مجرد توصيف واقعي عن مدى اتقان الشخص الموسوم لتخصصه العلمي سواء رضينا عنه عقدياً أم لم نرض!

       وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

      مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن

      6 من ربيع الثاني 1430هـ

      الموافق 2 من إبريل 2009م

      www.almaqreze.net