فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      ثورة العَربِ في ليبيا .. والدور المَصريّ

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

      في الغَرب من الثورةِ المِصرية، وفي القلب من أبنائها، تجرى أحداثٌ لا توصَف إلا بانها مَجزَرة حقيقية كاملة، إذ يدور تقتيلٌ وتشريدٌ وتدميرٌ غير مَسبوق في تاريخ العالم الحديث، يقوم به زعيم حربٍ نحو أبناء وطنه، بكل بشاعةٍ ووقاحةٍ وإجرام. بل لا يعى التاريخ أشبه بهذا الإجرام أحدث من جبار أصحاب الأخدود، الذي حَرق أهله كما يفعل اليوم القذافيّ السفاح المُجرم، الملحدُ في دين الله، القاتل لأهله، والذي تجاوزَ إجرامه، بما يفعل، إجرامُ سفاح سوريا حافظ الأسد في أبناء حَماة في بداية الثمانينيات.

      والناظر إلى المؤشّرات السياسية في ليبيا مَحلياً وعالمياً، يجد أنها تُشير إلى تداخلٍ وإضطرابٍ في رؤى وقرارات القوى المؤثرة على الأرض، والتي تملك حسم الأمر وإنهاء المجازر. فبينما تعمل فرنسا وإنجلترا على تأمين دورهما في ليبيا الجديدة، وما يأتي به المستقبل من تعاقداتٍ بليونية، تجد أن تركيا وألمانيا لا تزالان تراهنان على التعاقدات القائمة مع السّفاح القذافيّ، ومن هنا نرى أن النِاتو لا يعمل بشكلٍ فعالٍ مؤثرٍ نظراً لتجاذب هذه الأطراف المُتعارضةِ المَصالح. أما أمريكا، فإنه رغم عدم وجود مصالح مؤثرة بينها وبين ليبيا، لعدم حاجتها إلى بترولها، فإنها تتراوح بين محاولة إظهار تغيير سياستها تجاه العرب عامة وقضاياهم المصيرية، وهو موقف الديموقراطيين عامة من إنشاء جسورٍ مع الوجه العربيّ الجديد، وبين عقدة أفغانستان ومخاوفها من "بُعبع" القاعدة، والذي عبّر عنه جون ماكين اليوم بقوله أنه لا يجب أن ننسى ما حدث بعد ان ساعدت أمريكا الأفغان للتخلص من الإحتلال الروسيّ، فإذا بثوّارهم ينقلبون عليها في أحداث سبتمبر 11! وهو ما يُعبّـر عن موقف الجُمهوريين عامّة.

      ولا يجب أن ننسى أن الغرب لا يتحرك إلا من جانب المَصلحة لا غير، ولو أراد الغرب إنهاء السفاح لأنهاه في يومٍ واحدٍ، كيف وقد قضوا على صَدام وهدّموا العراق كلها في ليالٍ معدودة. إذن هو تلكؤ مقصودٌ يراد به حَسمَ المَصالح بين تلك الدول.

      الذي بات واضحاً ان الغرب لن يسمح بليبيا موحّدة، بل ظهر لمن له عينين أن خطّ التقسيم سيقع شرق مصراته الصّامدة، ليضمن الغرب توزيع البترول بين دولتي ليبيا بشكلٍ متوازن، ولهذا نرى ما نرى من إغضاءٍ عن مذابح مصراته مدة سبعة اسابيع كاملة، وتراوح القتال بين أجدابيا والبريقة. فالغرب قد استقر بالفعل على خطة لليبيا المُقسّمة، شرقاً وغرباً، كما استقر من قبل على السودان المُقسّم، شمالاً وجنوباً، خيّب الله ظنهم.

      والمُحزن في أمر ليبيا أن شقيقتها الكبرى على حدودها الشرقية، مصر، لم تنبَس ببنت شفةٍ في هذا الأمر على الإطلاق! وهو أمر يشكّك كثيراً في مِصداقية السلطات القائمة على الحكم وإيمانها بالثورة، وإلا فإن مُساندة ثورة الإخوة في ليبيا هي واجبٌ أصيلٌ، وهي تعبيرٌ عن تغيير حقيقيّ في التناول السِياسيّ والعَسكريّ للدور المصرىّ في المنطقة، بما يتماشى مع روح الثورة وفعاليتها على أرض الواقع. ولا ندرى كيف تتحرك قوى العالم الغربيّ، سواءً إنتهازياً أو إنسانياً، بينما مِصر، التي لها كلُ المَصالح والروابط مع ليبيا،غارقةٌ في صمت الموت. بل كيف يمكن أن نتصوّر مُساعدة النظام الجزائري السَاقط العميل بقيادة اللاديني بوتفليقة للقذافي السفاح، وإمداده بالسلاح الثقيل من جهة الغرب، لا لشيئ إلا ليدعم بقاء ذاته، ويرسل رسالة إلى شعب الجزائر أنّ الثورة، أي ثورةٍ، يمكن قمعَها بالقوة المُفرِطة المُجرمة. بينما الثورة في مصر، يجب ان ترسل رسالة مخالفة تماماً، أن الشعوب ستنتصر مهما كانت التضحيات، واننا تقف مع ثوار ليبيا، إذ هي جزء من ثورة عربية كبيرة واحدة، تعيد الدم في عروق الأمة وتبعثها من رقادها الذي طال عقوداً، بل قروناً.

      ومن الناحية الإسلامية والإنسانية، وهما وجهان لعملة واحدة، فإنه يجب علينا، فرضاً مؤكداً، نصرَة إخواننا المُسلمين في ليبياً، وهم يُقتّلون ويذبّحون بلا رحمة، سواءً من الليبيين أو المِصريين. والنكوصُ عن هذا الواجب يمثلُ تراجعا عن المنهج الإلهي ونقضاً لباب الولاء  وأخوة الإسلام برمته، وعن العمل بما يقتضيه دين الأمة وشرعها. بل وأزيد بالقول أنّ الجهاد في ليبيا هو الآن بابٌ مفتوحٌ لمن أراد أن يفوز بالشِهادة، من أي وطنٍ أوبقعةٍ مُسلمةن على رغم ما قد يدعيه أشباه السلفية من إمامة القذافيّ ووجوب طاعته !

      ثم من النَظر المَصْلَحيّ البَحت، إن كان له محلٌ هنا، فإن مصرٌ لديها أكثر من مليونيّ عاملٍ في ليبيا، سيكونوا في حالة إستقرار ليبيا وزوال المجرم السفاح، صاحب ال "زنجة زنجة"، قوة إقتصادية هائلة في ليبيا، خاصّة إن مدّت مصر يد بيضاء لشعب ليبيا. ولنا أن نتصور حجم العمالة التي ستحتاجها ليبيا لإعادة البناء في كافة المَجالات، كالإنشاءات والتكنولوجيا وأعمال الكهرباء ومحطات القوى والتعليم، وكافة الخبرات لبناء ما دمره المجنون. وهي فرصة لا يفوّتها إلا جَاهلٌ أو عَميلٌ لا يريد الخَير لمصر.

      كذلك، فإن تدخل الجَيش المصريّ في ليبيا، إن صَدَق القائمون عليه، وأرادوا لأنفسهم ولوطنهم خيراً، لن يلاقي إلا كلّ ترحابٍ من الليبيين، ومن المصريين، ومن المجتمع الدوليّ، إذ إن الوضع هناك يحتاجُ إلى رصاصة الرحمة، تنهى أيام المجرم اللعين، وهي مبررةٌ بالعدد الهائل من المواطنين المصريين تحت النار هناك. ولنا ان نتخيل لو كان لإسرائيل عشرة عاملين بليبيا، ما كانت تفعل لحمايتهم، فما بالك بما يربو على المليونين! وهنا في حقيقة الأمر مربط الفرس، فإنه من الظاهر أن الكرامة المصرية، وقيمة الإنسان المصريّ لا تزال رخيصة كالتراب في ميزان القائمين على الأمر في مصر اليوم،  لدرجة أنه لم تُوجّه حتى تحذيراتٍ رسميةٍ للسفاح إن قتل مصرياً، إكتفاءاً بالأسف على من قُتِل! هذا عجب من العجاب، لا يدلّ إلا على بقاء سياستنا الخارجية تُراوح في مكانها، خائفة خائبة.

      نصرة إخواننا في ليبيا هي حقٌّ في رقبةِ كلٌ مسلمٍ مِصريٍّ، يعرف الله ويعرف معنى الولاء له سبحانه وللمؤمنين. ذلك الولاء الذي ما أعطيناه حقه حتى استحَلت كلابَ الأرض أوطاننا، ونهبت ثرواتنا، مدّعية حمايتنا من أنفسنا، ومن حكامنا الأشقياء المجرمين.