فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الإنسحاب الأمريكي ... ومعطيات الواقع

      مع عام واحد بَقِيَ على الإنتخابات الأمريكية القادمة، بدأت الإدارة الأمريكية في إصدار بعض التصريحات عن إحتمالات إنسحاب جزئي أمريكي من العراق مع حلول الربيع القادم. ودوافع هذه التصريحات ومآلاتها معروفة للصغير والكبير. فشعبية بوش الأصغر في أسوأ مستوياتها، وبالتالي فإن حزبه يواجه أزمة حادة وأمل متهالك في الحصول على منصب الرئاسة في الإنتخابات المقبلة. والعنصر الذي جرّ "الأصغر" لهذا التدني هو مغامرته في العراق وإصراره عليها. وقد بينا من قبل دوافعه الخفية في ذلك، فالثروة التي تحققها عائلته ومن حولها أدوم له من الرئاسة ومن البيت الأبيض. فلابد إذن من التلويح بإنسحابٍ يكون بمثابة ورقة في لعبة الإنتخابات.

      ولكن الأمر بالنسبة للدولة المُحتلّة – العراق - وبالنسبة للدول العربية المجاورة وغير المجاورة يختلف عن هذا السيناريو السياسيّ والمناورات الإنتخابية. الأمر بالنسبة لشعوب هذه الدول هو أمر حياة أو موت، أمر وجود كريم مستقل أو وجود مستعبد ذليل فاقد للذاتية، فاقد للثقافة، فاقد للدين، وجود تابع خانع منفصل عن ماضيه، فاقد لحاضره، ذاهل عن مستقبله. فالمحتل الأمريكي جاء ليبقى. والقوات الأمريكية لازالت في ألمانيا واليابان منذ الحرب العالمية الثانية في الأربعينيات، وفي كوريا منذ الحرب الكورية في الخمسينيات. وقوات الإحتلال تعد سفارة على مساحة مدينة صغيرة في بغداد يعمل بها أكثر من 30 ألف نسمة! وقد أعلن قائد القوات الأمريكية أن عدد الجنود سينخفض بحلول نهاية 2008 إلى 100 ألف جندىّ فقط! الإحتلال يريد أن يؤمن منابع البترول وأن يؤمن الدولة اليهودية وأن يؤمن استقرار العلمانية في المنطقة، يخطؤ من يتصور أن الإحتلال الأمريكي سيترك العراق ويرحل.

      وأمر الإنسحاب الأمريكي من العراق أعقد من أن يُحْسَمُ فيه برأي متسرّع. فنظرة إلى الواقع السياسيّ الذي نشأ في العراق بعد سقوط نظام صدام تشهد على الفوضى الضاربة في هذا البلد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. فالرافضة تساندهم إيران في شوق إلى خروج القوات الأمريكية حتى تستولى إيران عن طريق المليشيات التابعة لها، والجيش الذي يكوّن الرافضة معظم جنوده، على مقاليد الحكم في العراق وتقوم بتصفية السنّة. وقد بدأ الحديث عن محادثات سريّة بين الصدر الرافضيّ وبين القوات الأمريكية! يعلم الله عن أي أمر من الأمور! وإنما ما نعلم هو أنه لا خير فيه لأهل السنّة. والسعودية التي هي الموئل الأكبر لأهل السنّة تقف حائرة بين شعب يبغي نصر أهل السنة ويود أن يفنى ليبقى دينه متعاليا، وبين مصالح البترول التي أصبح الإحتلال الأمريكي يسيطر عليها سيطرة واقعية لا جدال فيها. والمواجهة بين السنة وبين الرافضة، أولنقل بين السعودية وإيران لا شك فيها حين الإنسحاب الأمريكي، والإدارة الأمريكية تطمئن السعودية وتعلن عن صفقة تسليح للسعودية بمبلغ 20 بليون دولاراً. في الوقت التي أعلنت عن صفقة موازية لإسرائيل بمبلع 30 بليوناً! وصراع التوازنات يجرى على قدم وساق في المنطقة، وإن أخرجنا منه الأردن ومصر، إذ الوجه العلمانيّ أصرح وأبجح في هذه الدول، وسوريا التي حجّمتها إسرائيل فلم يعد لها دور إلا محاولة الحفاظ على استقرار حكم "بشّار"! مع انشغالها بما يجرى في لبنان.

      إذن فالإنسحاب الأمريكي سيكون بداية حرب مريعة دموية بين الرافضة والسنّة وهوما لا يؤمن عواقبه بالنسبة للسنّة إذ دولة الرافضة أكثر التزاما وصراحة في نصرة اتباعها من غيرها. وتبقي لعبة التوازنات جارية، نستشف منها ما نستشف مع مرور الأيام وتوالى الأحداث. ولنا إلى هذا الموضوع رجعة إن شاء الله تعالى.

      د. طارق عبد الحليم