فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      ثلاثة علماءٍ أفاضل .. ظاهرين على الحقّ

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      في هذا الزمن الذي تشابَكت فيه الأفكار، وانتثرت فيه الأهواء، وتبعثرت فيه الأقوال، كلٌّ يدلي بدَلوِه في بئره، وكلٌّ له بئره الذي يعلمُ الله منابعه، فيُخرِج منها ما فيه النفع، أو ينضَحُ بما هو من الغَثّ المُمْرِض. وقد سألني العديد من الإخوة الأحِبّاء: عمن يأخذون؟ ولمن يقرؤون أو يستمعون؟ وهو سؤال لا يحسبُ أحدُكم أنه سهلٌ قريب الجواب، فبين "السلفيون"، و"الإخوان"، و"المُفكرون الإسلاميون" من أدعياء الوسطية والتجديد، يجدُ المَرؤ نفسه حَائراً مُضطرباً، فكلٌ له دعواه، وكلٌ يَنسُبُ اقواله إلى كتابِ الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكلّ يدّعى وصلاً بليلى!

      وقد سبق أن ناقشنا بتفصيلٍ حيناً، وبإيجازٍ أحياناً، المآخذ الشَرعية على كلَ هذه الإتجاهات، بدءاً بكتابنا "حقيقة الإيمان" في السبعينيات والذى كان ردّاً مفصلاً على الكتاب المنسوب للهضيبى رحمه الله "دعاة لا قضاة"، وسلسلة الفرق التي أوضحنا فيها المنهج السنيّ الصحيح، ثم مقالنا "الإرجاء والمرجئة" عام 1986 في  البيان اللندنية، والذي ناقشنا فيه الفكر الإخوانيّ، حتى مقالنا "قبل أن يَستقر غُبار الحُوينيّ .. حديثٌ مع ابو قتادة الليبيّ" بالأمس، مُروراً بما دوّنا عن العوا وهويدى والغنوشيّ وعمارة والترابيّ وعلواني والجابرى وغيرهم. لكن بقي أن نقرر أن أهل السنة الخالصة لا يزالون هم الأعلى كلمة والأصحّ مذهباً، والأنقى عقيدة، والأصوب رأياً، ولازال من شيوخهم وعلمائهم ما يكفى أجيال زماننا هذا توجيهاً وإرشاداً.

      ويجب أن نلفت النظر إلى إنه يجب التفرقة بين تلقى العلم الشرعيّ وبين الإستفتاء وفهم الواقع، فالأول يمكن الرجوع فيه إلى الشيوخ من الأحياء، أو من الذين لقوا ربهم راضين مرضييّن، على السواء، عن طريق ما كتبوا من كتب وموسوعاتٍ حديثية وفقهيةٍ وأصولية. وقد دأب بعض من أراد الشهرة والتوسع في جلب الأتباع وإلزامهم مجالسه، أن يقلّل من فائدة الرجوع للكتب المدونة، وهو ينافي المنطق والواقع وفعل السلف، إذ ما دوّن سلفنا الكتب والموسوعات إلا للرجوع إليها، بإرشادِ من سَبق في العِلم. ولو ذهبنا ننظُر في دعوى بعض هؤلاء نجد على سبيل المثال في سيرة الحُوينيّ أنه قد مكث "شهراً" في الأردن يحضر دروس الألبانيّ! وحضر دروساً لمحمد نجيب المطيعيّ رحمه الله. إذن شهرٌ واحدٌ مع الألباني، هذا كلّ رصيد الشيخ الحُوينىّ من مجالسة الألباني! ولا يظن عاقل أن ذلك يكفي لتخريج شيخٍ محدثٍ إمامٍ! فالقراءة في الكتب هي إذن طريق كلّ هؤلاء الذين إدعوا غير ذلك. ولا نقلل هنا من قدر الدراسة على يدِ العلماء، بل هي الأصل لمن سَعِدَ بها، بشرط أن يكون المُعلم عالماً حقاً، وأن تكون فترة التعلم كافية لتحصيل العلم، لا لإثبات الصّلة، ثم سردها في السيرة الذاتية.

      أما ما يحتاجُ المرء فيه إلى النظر في أمرٍ من أمور الحياة في الواقع المُعاش، فهذا لا ينفع فيه كتابٌ من كتب السلف، كما لا ينفع فيه شيخٌ ممن ليس لديه بضاعة إلا ما دوّنه السَلف، كأنه طبعةٌ متحركة منها. بل الحاجة فيه إلى من أخذ بالعلم الشرعيّ من طريقيه المُعتمدين، المُعلمُ والكتابُ، ثم رُزق بعدها فهماً ونظراً يجعله يضع الأحكام في مواضعها من الواقع المعاش، وكان، مع كلّ هذا، تقياً مخلصاً لله من غير إبتغاء شهرة أو مجد.

      وأحبّ أن أوصى الشباب بشيوخٍ ثلاثة، سعدت بمعرفتهم في مسار حياتي الدعوية التي دامت ما يربو على الأربعين عاماً، أحببتهم في الله، ورأيت فيهم ما أرى عليه اهل السّنة والجماعة، وفاقاً وخلافاً، وهم لا يزالون بحمد الله أحياءٌ، على تفاوتٍ في العمرِ، بين العقد السادس والسابع والثامن من العمر. أذكرهم بدءاً بالأكبر سناّ والأسبق لقاءاً.

      أولهم الشيخِ الجليل والعالم الأصولي الشيخ عبد المجيد الشاذليّ المصريّ، بارك الله في عمره، وهو تلميذ صَاحب الظلال رحمه الله، ورفيقه في محبسه سنين عدداً. وقد شاء الله أن التقي بالشيخ الشَاذليّ في منتصف السبعينيات من القرن الماضى، بعد خروجه من المعتقل وقبل سفره إلى السعودية، وكنت أيامها قد عدت لتوى من السعودية، بعد أن أدركت انّ مسارَ الدعوة في مصر يحتاج إلى أن يكون الداعية في بلده، بين إخوانه، لا في مكانٍ آخر بعيداّ عن المَعمعة، ولو سَعياً وراء رزق. ويعرف ما اقصِدُ من عايش السبعينيات في مصر. وكانت سنوات قضيناها سويأ، وإخوةٌ أحباب أخر، أذكر منهم الشيخ الحبيب الجليل مجدى عبد العزيز، رفيق عمر الشيخ الشاذليّ، نتسامرُ ونتدارسُ ليالٍ طوالٍ، دون كللٍ أو ملل، نطالع كتب السَلف في العقيدة والأصول، ونعمّق معرفتنا بمذهبِ أهل السنة، الذي كنا قطعنا بالفعل شوطاً كبيراً في التعرف عليه، ونستفيد من علم الشيخ جزاه الله خيراً. والشيخ الحبيب الشاذليّ، رجلٌ هادئ الطبع، حَديدُ النظرة، مَهيب الطلعة، لا يتلجلج في حوار أو يتلعثم في كلام، لا تكاد عيناه، إن أخذتك، أنْ تُفلتك، تعرف الكلمات طريقها إلى فمه دون عناءٍ أو إصطناع. وهو الأفضَلُ في شرح مَسائل التوحيد وأمور العقيدة تأصيلا لا تَحصيلاً. وهو على ذلك لا يسعى إلى شهرة ولا يجرى وراء سمعة، بل هو، ولا أزكّي على الله أحداً، واحدٌ من بقية السَلف الصَالح حقاً وصِدقاً. وحديث جِهاده وتضحِياته في سبيل دينه لا يسعنا إستيعابه في هذه العُجالة، ولا يجازيه عنها إلا الله سبحانه. وكتبه معروفة متداولة لمن اراد الإنتفاع بها. ووالله ما أفتأ أدعو له بظاهر الغيب، ولعل الله أن يجمعنا مرة ثانية قبل أن يفرقنا هازم اللذات، أطال الله في عمر الشيخ الجليل.

      ثم، أوجه عناية الشباب إلى الشيخ الفاضل الداعية التربوى د. محمد العَبدة الشَاميّ، ونتحفظ علي هذا الجزء لحين استشفاف بعض الحقائق

      ثم، ثالثهما، الشيخ الفاضل الداعية الكاتب القانونيّ د. هاني السباعيّ المصريّ، ولست في حاجة للتعريف به. وهو ممن اعطاهم الله هيبة في المَظهر، وعمقاً في النظر، وغضبة في الله يأنس بها الصَالح، ويمقتها الطَالح، شديدُ في الحق لا تأخذه فيه لومة لائم، وهو ما جعله مستهدفاً من النظم الطاغوتية لعقود خلت. عرفت الشيخ الفاضل د. السباعيّ من كتاباته العديدة، ومن أحاديثه الممتعة، منذ سنوات عدة، لكن لم اسعد بلقائه إلا قريباً، فكنا حين التقينا كأننا صَرفنا اعمارنا في رفقة وزمالة. والشيخ السِباعيّ، أكرمه الله، خاضَ حرباً ضد النظم الطواغيتية، ولم يبالِ بما ينتظره على أيدى هؤلاء الطغاة، حيث كان ممن على قوائم المُجَرّمين دولياً بإيعازٍ من هذه السلطات. وهو صَدّاع بالحقّ بما يشفى غليل النفس، ويُجسّد قول الله تعالى "وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍۢ مُّؤْمِنِينَ"التوبة 14، فشفاء الصُدور غَرضٌ من أغراض الشَريعة أصبح عزيزاً في زماننا هذا، حيث سادت ثقافة الرقة والحنان في التعامل مع أهل البدعَة والمناهج الخَرِبة. وللشيخ الفاضل السباعيّ كتبٌ متخصّصةٌ في القانون، وكتبٌ في الدعوة تنير طريق السّارى، بالإضافة إلى عشرات التسجيلات المَرئية والمَسموعة التي تجسّد معرفة دقيقة بالواقع، وما آل اليه حال المسلمين، ولماذا آل حال المسلمين إلى ما آل اليه. وقد كَثر شانئي الشيخ الفاضل د. السباعيّ من اتباع الباطل، مما هو نجمة ناصعة ٌعلى رأسه، وكثر محبيه وتلامذته، مما هو في ميزان حسناته إن شاء الله تعالى. مدّ الله في عمر الشيخ السباعيّ، وأسال قلمه بما يُفيد ويُمتِع كعادته، وحفظه ممن أراد به شراً.

      ولا تكاد كلماتي هذه أن تفى بالقليل مما أحمل من حبّ وتقدير لهؤلاء الأفاضل، وغيرهم من أتباع مذهب أهل السنة والجماعة الخاصة، والطائفة الظاهرة المنصورة.

      وما تناولت هؤلاء الثلاثة الأفاضل، إلا لأدل على معنى، هو أن أهل الحقّ لا يزالون ظاهرين عليه في زمن الفتنة هذا. وإن لم يكن طريقهم ملئ بالأتباع، ولاصورهم على التلفاز تغشى الأبصار والأسماع، فهؤلاء هم من قالوا الحقّ وأمروا بالصدق، لم يجنوا منه مالاً ولا متاعاً، بل ولا شهرة ولا تسبيحاً بالحمد كما يلاقي غيرهم ممن هم أدنى منهم طبقة، بل طبقات، وانّ الشباب المسلم سيجد من الشيوخ والعلماء والدعاة ما يُجنبهم علماء السلاطين، وأنصار الحكام، ودعاة الوسطية المحرّفة.

      ربنا إجمعنا وإخواننا على الخير، وثبّتنا عليه، إنك أنت الوهاب.