فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      قبل أن يَستقر غُبار الحُوينيّ .. حديثٌ مع "ابو قتادة الليبيّ"

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      أبدأ بدعاءِ الله سُبحانه أن يستقرّ الغُبارُ الذي أثاره تسجيل الشيخ الحُوينى، هداه الله للرشد، حين خرج عن صَمته الحكيم، بشأن تحقير الثوار، ونصرة الحكام، وحثّ الأتباع على الإنتصار لمن يَغلب، بعد أن يغلب، من المُتربّعين على كرسىّ السُلطة، كائناً من كان!

      ثم أقرر أنّه من الواجبِ الشرعيّ على كلّ من منّ الله عليه بعلمٍ، أن يبيّن حقيقة ما عليه هؤلاء "السلفيون"، من أتباع هذا النظر شبه السلفيّ، المُنتَسب للسَلف، وجوباً مؤكداً كوجوب بيان ما عليه زُمرة العلمانيين اللادينييه، وزُمرة من يُعرف بالمُفكّرين الإسلاميين "الوسطيين"، سواءاً بسواءٍ.

      أولا، نبدأ بقولِ انّ مُصطلح "السلفية"، و"السلفي" في حدّ ذاته ليس سَلفياً، إذ لم يُعرف إستخدام هذه النسبة عند السَلف أنفسهم، ولا عند من تابَعهم من أئمّة السنة والجماعة، كما في مصطلح "الصوفية"، الذين يعيب عليهم السلفيون، ونعيب عليهم، بدعتهم. بل ما عُرف في تاريخ الإسلام، حتى عِدّة العقود الأخيرة، هو تعبير "ما عليه السلف الصالح" أو "أهل السنة والجماعة". ولا ندرى ما الذي دفع هؤلاء إلى هذه النسبة، مع إدعائهم التزام طريق السلف!؟ لكن عُموماً، لا مَشاحة في الإصطلاح.

      وليس هنا محلُّ الحديث عن الفرقِ الشّاسع بين منهج أهل السُنة والجَماعة، الذي يقوم على إعتبار النصوص الجزئية، والأخذ بالقواعد الكلية، والنظر في مقاصد الشرع، ومُعادلة المَصالح والمَفاسد مع القراءةِ الصّحيحة للواقع على الأرض، وبين منهج "السلفيون" الذي يقوم على إعتبار النصوص، بفهمٍ ظاهريّ محدود، يتضارب فيه الجُزئي والكليّ من ناحية، ويتغافلُ عن معطيات الواقع من ناحية أخرى، وهو ما جعله يتلاقي مع النظرة الإرجائية في مواجهة الحكام الخارجين عن الشرعية الإسلامية. ونظرة إلى مبررات الولاء المُطلق للحكام، هو ما يقولون من إنه لحقن الدماء، ويتغافلون عن أن الدماء التي يُسيلها هؤلاء الحكّام أضعاف أضعاف ما يمكن أن يتولد عن الإنتفاضة ضدهم، ومن هنا نرى صحة ما ذهبنا اليه من إغراقٍ في الظاهرية والتقارب مع الإرجائية، والتغافل عن الواقع.

      ثم، إكمالاً لما بدأنا مع الشيخ الحوينيّ، فإننا نعرضُ بعض أقوال من أطلق عليه أبو قتادة السلفيّ الليبيّ، مما نشر له على شبكة سحاب المتحدّثة باسم مذهب هؤلاء، مما يبيّن مدى الخطل والإنحراف الذي وصلت اليه حالهم، وما يشيعه مذهبهم من تواكلٍ وتخاذلٍ واستسلامٍ مُخزىّ.

      يقول أبو قتادة الليبيّ "وأما المناصحة من فوق المنابر فإنها ليست مناصحة بل هي تشهير، فلا يجوز ذكر مساوئ ولاة الأمر على المنابر، فإن هذا من صنيع الخوارج القعدية، الذين قعدوا عن القتال، ولكنهم زيَّنوا قتال الحكام بالكلام من فوق المنابر وفي الكتب والمؤلَّفات، وكذلك يترتب على ذكر مساوئ ولاة الأمر من فوق المنابر تهييج العامة والغوغاء مما يترتب سفك الدماء وانتهاك الحرمات وهذا كله ليس من سبيل السلف، بل هو من سبيل الخوارج."اهـ

      إذن، فإن هؤلاء لا يحرّمون الخروج المُسلح على الحاكم الخارج عن الشرعية الإسلامية فقط، بل يُحرَمون حتى الحديث عن المساوئ الواقعة، ويعتبرون كلمة الحق في وجه السلطان الجائر "ليست مناصحة بل هي تشهير"! ولا ندرى اين يقع مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو من اقوى أركان الشريعة وأرسخ مبادئها، إذن؟ ومفهوم التشهير هو إظهار ما لا يظهر ولا يشتهر عادة، وهو ما يجعل أفعال الوجوه العَامة من الناس، فيما يخصّ العمل العام، لا تدخل في نطاق التشهير. وهذا يبين ما ذكرنا من أن هؤلاء "السلفيون" لا يميزون بين مناط أو واقع، وإنما هي ظاهرية التطبيق لا غير. ثم، وهو الأهم، إنه لا يفرّق بين بنى مروان وبنى أمية وبنى العباس، كحكامٍ يتخذون الشريعة مَرجعاً وحيداً للحكم، وإن ظَلم منهم من ظلم، وفَسد منهم من فسد، وبين مُبارك والقذافيّ وبوتفليقة، الذين يتّخذون من العِلمانية مَرجعاً، ويصرّحون بهذا تحت أسماء مُوهمة كالدولة المدنية وغيرها، مما لا يعكس إلا استقرار العلمانية محل الشريعة، إلى جانب ظُلم من ظلم، وفساد من فسد.

      ويقول أبو قتادة الليبيّ "في بيان منهج السلف المنهج السوي في التعامل مع ولاة الأمر الذي لن يجد الحكام غيره بديلاً في تحقيق الأمن للراعي والرعية، لتحقيق الأمن لهم وللرعية". اهـ

      ولا أدرى إن لم يكن هذا تواطؤ وتعاون مع قوى الظلم والظلام والكفر، فكيف يكون التواطؤ والتعاون مع قوى الظلم والظلام والكفر! وهذا الرجل يبيع مذهبه الذي هو دينه للحكام على أنه حصن الأمان لهم، ليتمكنوا تحت عباءته من أن يكبلوا ويقتلوا ويفسدوا في الأرض! اللهم غفرانك.

      ثم يؤكد أبو قتادة الليبيّ عمالة "السلفيون" التي اشرنا اليها، فيقول "ونحن نقول ناصحين لولاة الأمر: إنكم لن تجدوا من يصدق في نصحكم وفي تحقيق الأمن في دولتكم إلا العلماء الربانيين الذين يسيرون على سبيل السلف - تحقيقًا لا تمويهًا - أظن أنه صار عند الدولة من الأجهزة، ومن القادة العقلاء الذين يميزون هذا المنهج الرباني عن هذه المناهج المبتدعة المحدثه". اهـ

      ولا حاجة للتعقيب! ولعل ابو قتادة الآن قابعٌ على تخريج الأحاديث في باب العزيزية، بجوار القذافيّ وحرسه النسائيّ! اللهم غفرانك.

      ويقول أبو قتادة الليبيّ "ونحن نربّي الطلبة عندنا على هذا، خاصة من الأجانب الذين يدرسون عندنا في دار أهل الحديث نربيهم على لزوم جماعة المسلمين في مصر الذين عليهم حاكم وقائد وهو الرئيس المصري: محمد حسني مبارك، نسأل الله أن يوفقه لكل خير وأن يوفق له البطانة الصالحة وأن يصرف عنه بطانة السوء، أنهم ماداموا في هذا البلد أن يعطوا السمع والطاعة في المعروف لحاكم هذه البلاد ولا يجوز الخروج عليه أبدًا لا بسيف ولا بالسلاح ولا بالكلمة ولا يحرضوا غيرهم من أهل البلاد على الخروج، وهم ملتزمون بهذا.." اهـ

      إذن، فأبو قتادة كان أصرح من أخيه الحُوينيّ في بيان موقفه من حسنى مبارك، ومن ثورة مصر المجيدة. إذن لا يجوز معارضة حسنى مبارك ولا حتى بالكلمة! ونترك للقارئ المسلم أن يَحكم على مثل هذه الكلمات بحقٍ أو بباطل.

      ويقول أبو قتادة الليبيّ "فهذا هو موقفنا الحقيقي من الجهاد، فنحن نقول: لا يجوز البتَّة لأي شاب أو لأي شخص من مصر أو من غيرها أن يخرج للجهاد في أي مكان إلا بإذن من ولي الأمر، وبالتالي لا يجوز له أن يشارك أي جهة مهما كانت لإحداث أي عملية تزعزع أمن هذه البلاد حتى ولو كانت المشاركة بكلمة، ومن يفعل هذا فليس منا وليس من المنهج السلفي في شيء. فهذا هو موقفنا الحقيقي من الجهاد، فنحن نقول: لا يجوز البتَّة لأي شاب أو لأي شخص من مصر أو من غيرها أن يخرج للجهاد في أي مكان إلا بإذن من ولي الأمر، وبالتالي لا يجوز له أن يشارك أي جهة مهما كانت لإحداث أي عملية تزعزع أمن هذه البلاد حتى ولو كانت المشاركة بكلمة، ومن يفعل هذا فليس منا وليس من المنهج السلفي في شيء." اهـ

      عبّر إذن أبو قتادة عن مذهبٍ، يراد من الشباب المغرّر بهم من المُخلصين أن يؤمنوا أنه مذهب السلف الصالح، وما ذلك إلا لأن دعاته يروجون عن انفسهم أنهم علماء الحديث الأشامخ، ورجال الجرح والتعديل الأشاوس، الذين لم تنجب الولّادات مثلهم منذ بداية القرن الرابع الهجرىّ! ويعلم الله أنهم لم يعدلوا عن دراسة العلوم الشرعية بشكلٍ متكاملٍ إلا نتيجة القصور العِلميّ عند هؤلاء المشايخ، فكان أن لجئوا إلى وعاء الذاكرة، بالحفظ دون الفهم، إن سلّمنا أنّ منهم من هو حافظٌ معتبر!

      المَذهب الذي يدعو اليه هؤلاء لا ينشؤ إلاّ جيلاً متهافتاً ضعيفاً مستسلماً، يجعل من نفسه نِعاجا مُسّيرة، ليس لها فيما يدورُ من حولها ناقة ولا جمل، جيلٌ لا يعرف عن الحق والعدل والجهاد إلا ما يخرُج له على صفحاتِ البحثِ الإلكترونيّ من صفحاته الخاصة على النت! مفاهيمٌ  ليس لها في قلبه مكان، وليس لها على الأرض مَوضعٍ، وليس لها في الحَياة تطبيق. حديثٌ عن الحكم بما أنزل الله دون عمل عليه، بل تعويق وتجريم للعمل عليه، وحديثٌ عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم تجريمه ولو كان بالكلمة، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل في حديث مسلمٍ الصحيح "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يربُط التحول عن اليد إلى اللسان بالإستطاعة لا بغيرها، لكن هيهات أن يفهم الظاهرية هذا!

      نظرياتٌ يكذبها الواقع، وواقعٌ يبدّل المناهج، وإضطرابٌ في النظريات والمناهج والواقع جميعاً.

      اللهم اهدنا لما فيه الحق بإذنك، واجمعنا على صَعيد الحق بفضلك.

      رابط النصوص المنقولة http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=109392