فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      ألهذه "الخَمسَةَ عَشر" يوماً من نهاية؟

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      مرة أخرى، أتمنى أن يكون ظَنى في غير مَحله، في موضوعِ الخمسَة عشر يوماً التي يُغدِقها النائبِ العامِ على كل فردٍ من أفراد النِظام الفاسدِ المتهاوى عند القبضِ عليه، ثم ترحيله إلى سجنِِ المَزرعة! وكأنّ الأدلة على فسادهم مُغبّشةٌ أو واهِيةٌ أو غير مَدعومة بواقعٍ عاشه ثمانين مليوناً من المصريين على مدى ثلاثين عاماً، فيحتاج الأمر إلى تثبتٍ وتحوّط !

      إن لم يكن سببُ هذا الأمر هو مجرد عدم توفر ختمٍ آخر عند النائب العام، لكان أمرا مثيرا للقلق والتخوّف الشديد. فهؤلاء الأفاعي يقطُنون سجن المزرعة، حيث تتوفر لهم أسباب الراحَة والإتصال الخارجيّ، محلياً ودولياً، كما يقال، ويأتيهم الطعام رغداً حيث شاؤوا من أقطار الأرض ومن الفور سيزونز (four seasons) على وجه التحديد. وكما عبّر مِصرىُ عاميّ كبيرُ السنّ على قناة الجزيرة أمس، بعفويّة تلقائية حبيبة، أنّ ما يحدث مع مبارك وحاشيته "مش كفاية، دا أنا لو مسكوني بأسرق رغيف هايعلقوني من رِجليّ!". وهذا هو، فيما أحسبُ شعورٍ غالب المصريين ممن متّعهم الله بالعقل أوالفطرة، أو كليهما، ودعْ عنك هؤلاء الذين يترحّمون على أيام مبارك، والذين يرون معاملته على أنه "أبُ" للمصريين! "أبٌ" نهب أولاده واستباحهم دماً ومالاً وكرامة، أي "أبٍ" هذا، لا أدرى.

      لا يدرى الشعب لماذا لا يرصد وزير العّدل مئات من وكلاء النيابة للتحقيقات الإبتدائية مع هؤلاء المَساجين، ومئات من القضاة والمستشارين للمحاكمات ذاتها؟ أهذا من قصورٍ في عددِ وكلاء النيابة بمصر؟ أو قصور في عدد القضاة؟ وبهذا تقصر هذه ال"خمسة عشر" يوماً الشهيرة، إلى الحقيقة الزمنية ل 15 يوماً كما أرادها الله.

      لا شك أن هناك الكثير من الأمور التى تحتاج إلى إجاباتٍ ممن بيده الأمر في مصر اليوم، ولاشكّ أن الحكومة والمَجلس العَسكريّ لا يزالا يحتاجان إلى الكثير الكثير من الشفافية مع الشعب، وهو أمر يثير غاية القلق كذلك، إذ عدمِ الشَفافية لا يعكس إلا تحجيم الثقة، والريبة في القرار، والتشكك في النوايا. وهو بالضبط ما نسعى جميعاً لتجنّبه بوسعِ الجَهد، حتى تكون النوايا مجرّدة والجهود موحّدة.

      ومن الإسئلة المطروحة بقوة هو لماذا يُصِرّ المجلس العسكريّ على تولى السُلطة، وإسباغ الشكلِ العَسكريّ على الثورة، مما يفقدها حقيقتها، ويجرّدها من محتواها؟ ألا يكون أفضل ألف مرة أن يعود الجيش لمهامه الأصلية، ويترك إدارة البلاد إلى مجلس رئاسيّ مدنيّ، بدلا من أن يشتكى عبئ ادارة الدولة، التي لم يطلبها منه أحدٌ؟ أليس أفضل للجيش أن يبدأ في إظهار وجوده على المسرح العربي، الذي غاب عنه طيله ثلاثين عاماً كاملة، فيبدأ في التحرك تجاه ليبيا التي يموت فيها المصريون والليبيون كالدجاج على يد المجرم القذافيّ؟ لماذا لا يتجه الجيش، بدلاً من الإهتمام بمحاكمة أصحاب مدونات سَاذجة مُنحلة، إلى إظهار دور مصر الذي تقزّم، ولا يزال متقزّماً، إلى جانب الدور القطري في المِنطقة كلها؟ كيف تكون هذه الأحداث جارية على حدود مصر الغربية، من قتل وتشريد لمصريين وليبيين، ولا نسمع همسة من وزارة الخارجية، ولا تحركاً من الجيش المشغول بالحكم؟ أمر جدُّ عجيب يحتاج إلى إجابة شافية.

      كذلك، ومن الإسئلة المطروحة، أنه إن أصرّ الجيش على الحكم العسكريّ للبلاد، فإلى متى يا ترى سيظل الشباب مشغولاً عن عمله وطموحاته وبناء وطنه، بتوجيه المجلس العسكريّ لكل صغيرة وكبيرة مما يجب إتخاذه، والذى لولا الشباب، وتنظيم المليونيات، ما تمّ منها شيئ، يشهد الله! أليس أجدرُ ان يتحرك المجلس العسكريّ دون ضَغط شعبيّ لعمل ما يلزم في هذه المَرحلة من تحقيق العدل وتطهير البلاد؟ ترى هل كُتب على شبابنا أن يستمر لأعوام قادمة في تنظيم مليونياتٍ لتنفيذ قراراتٍ بديهية لصالح الشعب؟ أيحتاج مثلاً توزيع هؤلاء القتلة الفاسدين على سجون متعددة ومنعهم من الإتصالات، أو تعيين طبيب مُنصفٍ غير السباعي المَطعون في أمانته للكشفِ على المخلوع، إلى مليونية أخرى، في جمعةٍ قادمة؟ سؤالٌ جديرٌ بالإجابة عليه بكل شفافيةٍ ووضوح.

      ليس الشكُ أو التخوين غرّض في ذاته، بل هو مُجرد ردّ فعلٍ لتساؤلاتٍ لا تجد إجابة واضحة مقنعة، مما يفسح الطريق للوساوس والشياطين تعبث بعقول الناس وتورِدهم كل موردٍ، بحقٍ أو بباطلٍ. ولا أحسب طريقاً أسهل، ولا وسيلة أنجع من الخروج على الناس بالحقيقة، كلها، لا بعض منها. ثم ليعلم من بيده الأمر أن الشعب المصريّ ليس بغبيّ أو مراهق ثوريّ، بل يعلم الشعب أن الصمتَ ممن بيده الأمر، في لحظة من اللحظات، سيكون أبلغُ من كلِ كلام.

      والله غالبٌ على أمره.