فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الشكل السياسي وإمكانية التغيير

      عرف العالم عددا من الأنظمة السياسية المختلفة التي تحدد طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم وشكلها وموضوعها. هذه الأنظمة، بإختصار، الملكية والجمهورية والخلافة الإسلامية، وكلّ من هذه الأشكال يختلف عن الآخر إختلافا بيّنا ويفارقه في أصله وفروعه. والملكية، التي أصلها أن الشعب مملوك لعائلة معينة نتيجة اسباب مختلفة، إما أن تكون ملكية استبدادية، الملك فيها هو الحاكم المطلق الذي لا يُردّ له قول، إذ يستمدُ قوته من قوة أعلى سواء بحق إلهي أو بخضوع شعبي لسلطة العائلة المطلقة، مثل كثير من الملكيات الأوروبية في العصور الوسطى أو ملكيات الشرق الأوسط. ثم الملكية الرمزية والتي تملك فيها العائلة المالكة ولا تحكم، كما هو الحال في إنجلترا وعدد من الملكيات الأوروبية الحاضرة. وأما الشكل الجمهوري فهو، كما يشتق من اسمه، يرجع، افتراضيا، إلى الجمهور أو الشعب. والجمهوريات إما يتمتع رئيسها بسلطات واسعة تعلو على سلطة الحكومة ولا يحدّها إلا المجالس النيابية، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية (جمهورية فيدرالية) ، وبعض بلدان أوروبا كفرنسا، أو أن تكون سلطات رئيس الجمهورية سلطات رمزية، إذ يكون رمزا للدولة يمثلها في المناسبات الدولية غير السياسية، مثل نظام الكيان السرطاني الصهيوني في فلسطين.

      فالملك في النظام الملكي يتربع على عرش السلطة سواء أكان كفئً أم غير كفئٍ، إذ أن السلطة تنحدر اليه بالسلالة لا بالكفاءةن مما أدى إلى مولد الملكية الرمزية بعدما عانت الدول الأوروبية من الملكيات الإستبدادية. ورئيس الجمهورية، حال توليه السلطة، غالبا ما لا توجد وسيلة تردعه عن الإستبداد باسم الشعب بأن يزوّر إرادته مستخدما كافة الطرق سواء بتزييف الحقائق كما هو الحال في الإدارة الحالية لأمريكا، أو بأساليب القمع والعنف والبلطجة والتزوير كما هو الحال في دولنا العربية.

      أما نظام الخلافة الإسلامية فهو مختلف عن كلا النظامين السابقين في شكله وطريقة عمله، فالخليفة لا يختاره الشعب على أساس الأغلبية المطلقة، فالأغلبية المطلقة قد تكون مغرر بها وقد تكون على غير الحق، إن انتشر الفساد وعمّت البدع، إنما تختاره النخبة الإسلامية ممن يتقيد بالشريعة وأحكامها علما وعملا، ويكون مؤهلا لحمل مسؤليات المنصب بما يستلزمه من علوم الدنيا، ويحمل الخليفة مسؤليات منصبه بما هو قريب من النظام الأمريكي، إذ يستشير مجالس نيابية أعضاؤها من العلماء والمتخصصين سواء في الشريعة أو العلوم الدنيوية، لا مجرد انتخاب الغالبية من العوام. وهذه المجالس إما أن تكون توصياتها معلمة بمعنى أنه ليس من الحتم أن يلتزم بها الخليفة إن رأى في مخالفتها المصلحة، كما حدث في حروب الردة حين خالف أبو بكر الغالبية، وكان معه الحق في ذلك، أو أن تكون هذه الشورى ملزمة أي هو مقيّد باتباعها وكلا الرأيين له سنده من الشريعة، وقد عرفت الدنيا أفضل وأرقي نظام للحكم حين طبقت نظام الخلافة في عصر الراشدين، ثم بدأت العوامل الدنيوية تتدخل في هذا الشكل السياسي، حتى مرّت عصور كان الخليفة فيها لا يقلّ سوءا عن الملك المستبد أو الرئيس الطاغية.

      وبعد هذا الإستعراض السريع لنظم الحكم المختلفة، أتساءل، هل من الممكن أن تكون هناك خطوات إيجابية لمصالحة وطنية في بلادنا، بين الحاكم والمحكومين، حيث يصطلح الناس على أن يظل الرئيس الحالي رئيسا شرفيا للدولة مدتين متتاليتين، فيحتفظ بمركزه المرموق، إلا أنه يدع المتخصصين من أهل الثقة والكفاءة والديانة يشكلون الحكومة ويعملون على خدمة الشعب، كبديل لهذه البلطجة والعنف والنهب الصريح، ولسنا في هذا، إن أخذنا به، بأقل من الكيان الصهيوني السرطاني في فلسطين، والعيب أن نكون أقل منهم، وهم أقلّ من على سطح الأرض كرامة وأخسهم طبعا!