فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الأيادى البَيضاء للثورة المِصرية

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      من الإنصافِ للثورة المصرية وللثوار، وبعداً عن ثقافة اليأسِ والإحباط، يجب أن لا ننسى في خِضَمّ الخوفٍ على مُكتسبات الثورة، والرغبة في إستكمال مَسيرتها إلى النجاح المؤزّر، وفي حَضّ القائمين على الحُكم في هذه المرحلة بالإلتزام بمسارها ودعمها، أن نشير إلى الأيادى البيضَاء لها، لِما جاءَت به من تَغييرٍ عَميقٍ وجَذرىّ في إعادة هَيكلة المَسرحِ السياسيّ، وطريقة التفكير والتنَاول لمَشاكل الشعب في مصر، سواءاً سياسياً، او إقتصادياً او إجتماعياً. وهذا التغيير، في غَالبه، غير قابل للعودةِ إلى الوراء إن شاء الله، إذ إن طَعَم الحُرية واستنشاقُ هوائها لا يدعُ مَجالاً للعَجلة أن تدور إلى الخلف، وقديماً قيل "من ذاق عرف". ويكفي أن الشَعب تخلّص من سِحنة مُبارك، وأهله وأصحابه، وقضى على سيناريو التوريث البغيض، وأسقط الولاية التي فرضها النظام الفاسد على مقدراتنا، وسرقتها نهباً واختلاساً، دون رحمة بفقيرٍ أو مراعاةٍ لحق.

      القطاعُ الأغلب من الشَعب أصبح يَعرِفُ أنّ الحقوقَ المَشروعة الثابتة لا تُمنح بل تُؤخذ، وأن من حقه الأصيل أن يتمتع بكافة هذه الحقوق، سواءاً في حرية التعبير السياسيّ أو حُرية النقد الشريف الذي لا يتعرّض للخصوصيات الشخصية لموضوع النقد، أو في ممارسة الدور السياسيّ الذي لا ينفصلُ عن حقه في الوجود والحياة. ولا شكّ أن بعض القرارات التي صَدرت عن الجهات المَسؤولة في هذه الفترة الإنتقالية كانت إيجابية، ودافعة لعملية التحول السِياسيّ، كقانون حرية تكوين الأحزاب، وإنشاء الصُحُف. كذلك ما جَنته الثورة من إلغاءِ أمن الدولة ووضع العديد من رموز النظام السابق قيد الحجز.

      ومع هذا التغيير الثورى، تغيّرت الطريقة التي تسير بها العَملية السياسية في مصر، فقد ظهرت قوى جديدة كانت خافية، أو مخفية، منها ما هو على حق، ومنها ما يحتاج إلى تعديل وتصحيح، لكنّ المهم أن الكلّ قد وَجد بَراحاً وفَسحةً لإبداء وجهة نظره مهما كانت، شريطة عدم المِساسٍ بثوابت الأمّة الأصيلة.

      وما نودّ أن نشير اليه، وهو ما سَبق أن ذكرناه سَالفاً، أنه رغم هذه المَكاسِب التي لا تنكر، فإن الثورات لا تتطلّع وراءها لتُحصى غَنائمها، إذ في ذلك تثبيطٌ لعزائمها وإهدارٌ لقواها وتأخير لجَنى ثمارها. إنما الصَحيح، الذي دفعنا للشدة في توجيه الثورة وحكومتها إلى الحفاظ على مكتسباتها، أن تنظر الثورات أمامها، إلى ما لم يتحقق للعمل على تحقيقه، فالثورة يجب أن تظلّ دائماً في طلب المزيد، حتى تستقر أوضاعها، بإزالة الفساد وتطهيره كاملاً دون مواطئة أو محاباة، ثم إلى إنشاء نظامٍ جديدٍ يضمن عدم تسرّب الفساد إلى مناحى الحياة مرة أخرى.

      فالعملية الثورية إذن ذات وجهين، يتكاملا ويتعاضَدا، وإن كان أحدهما يسبق الآخر، وهما إزالة الباطل ثم إقامة الحقّ. وهو، لمن دقـق النظر، المنهج الرّباني الذي دلت عليه آيات الذكر الحكيم، طريقاً للهدى، قال تعالى :"فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ" البقرة 256. فإنظر، يا رعاك الله، كيف جاء الكفر بالطاغوت سابقاً للإيمان بالله؟ فتأتي مرحلة التطهير قبل مرحلة التقرير، وهو من طَبائع الأشياء، إذ لا يبنى حقٌ على باطل، ولا يشيّد بناءٌ على خَراب، وإن تُرِكَ العابثين والفاسدين مُطلقى الأيدى والأموال، لعادوا كالخلايا السرطانية، بوجوه جديدة، وعناوين جديدة، محاولين الظهور بمظهر الصَالح التائب المنيب، وهم من هم في غيهم وباطلهم.

      المهم في هذه المرحلة أن ينتبه الشَعب إلى أن الطريق طويلٌ شاقٌ، لأن عِظَم المطلوب يتناسب طردياً مع جَهدَ الطالب ، وانظروا إلى الجنة، كيف يعمل لها العاملون، طوال حياتهم لا يكلّون ولا يتعبون، فالجائزة عظيمة، والجهد، من ثمّ، ثقيلٌ مُكلف.

      كذلك يجب أن ينتبه القائمون على أمر الناس اليوم، سواء الحكومة أو مجلس العسكر، إلى أنّ الشعب يريد الحقيقة دائماً ويسعى إلى حرية صحيحة، لا تجزئة فيها ولا استثنائية ولا حدود، وأن ليس لأى هيكلية مؤسسية قائمة في مصر شرعية أعلى من شرعية الشعب نفسه، لأنه مصدر هذه المؤسسات والهياكل، جيشاً وحكومة، ولا يصح في عقلٍ سليمٍ أن يفرض البديل وِصايةً على الأصيل، إلا أن ينقلب النهار ليلاً والحق باطلاً، وهو ما يربأ الشعب المصري بنفسه، وبمن هم بدلاء عنه من جيشٍ وحكومة، أن يفعلوه، عمداً وتدبيراً، أو سهوا وتقصيراً.

      الشعب يريد أن يزيل أذناب الفسادٍ في الجامعاتٍ وفي الصحف وفي الإعلام وفي المحافظين والمجالس المحلية، وأن يُحَلُّ الحزب الوطنيّ، وأن تُرفع لجنة الإشراف على الأحزاب التي تقررت في القانون الجديد، والتي ستكون قيدأً على العمل السياسيّ ولا شك، وأن يلغى قانون الطوارئ والعمل بالمَحَاكم العَسكرية الإستثنائية، التي لا شرعية لها دون هذا القانون الجائر، وأن يحاكَم حسنى الطاغية وأهله، مُحاكمة حقيقية لا صورية، وأن يُحاكم هؤلاء العابثين القابعين في سِجن طُرة، والمُحرّكين للثورة المُضادة من الداخل، أبعد ما يكونون عن مفهوم السِجن الحقيقيّ، بدلا من تجديد حَبسهم كل أسبوعين لأسبوعين مجدداً، لا ندرى إنتظاراً لماذا؟ والقائمة تطول، والوقت يمضى، والخوف يتجذّر، والحلّ بيد العسكر.

      لا تزال الكُرة في مَلعب المَجلس العَسكريّ ، ولا يزال المجلسُ قادراً على أن يَستعيد ثقة الناس، إن كان جادّا فيما يقول، فالقول يجب أن يصدّقه العمل، والمتشَككون مَعذرون، والأمر بيد العسكر أن يرفعوا هذا التشكك، وأن يثبتوا للشعب، وللعالم، أن أبناء مصر قادرون على إنجاح ثورتهم بأقل خسائر ممكنة، ويومها، فقط يومها، يكون الشعب والجيش يدٌ واحدة.