فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مشكلات الأمة الإسلامية بين السياسة والإجتماع

      لاشك أن المأزق التاريخي الذي تعاني منه الأمة الإسلامية ومؤشراته من انحطاط في سلم الحضارة وتخلف عن ركبها، وليد عوامل عديدة يجدر بالمهتمين بشؤون هذه الأمة أن يتعرفوا عليها وأن يتدارسوها ليتداركوها.

      وعلى رأس هذه العوامل ذلك العَطَنَ والعَطَبَ الذي أصاب الحياة السياسية في بلادنا منذ أن فُرضت قوانين الطوارئ لتحمى الفساد وتمهد للطغيان. وفساد الحياة السياسية عامل كافٍ لأن يسلب أمة حيويتها ورغبتها في التقدم وأن يلقي بظلال الركود على عقول ابنائها فيقتل الخيال العلمي ويمحق النظر التجريبي ويجعل ابناء الأمة يخلدون إلى التافه من الأمور إذ يمنعهم يأسهم من التقدم أن يطلبوا المعالي. ثم يتغلغل أثر الدكتاتورية المصحوبة بالفساد إلى كافة مناحي الحياة الإجتماعية في الأمة، فترى أبناؤها يتناحرون ويتصايحون، وكأن تحقيق المراد موكول بنبرة الصوت الأعلى، لا منطق ولا إقناع، بل مهاترة وتشدق، ثم تراهم فقدوا إهتمامهم بالزمن والوقت، فلا إحترام لموعد ولا حفاظ على عهد، ولا دقة في التنفيذ أو مهارة في الأداء، تجرأ الكثير منهم على السرقة والرشوة والتعدى، وبدت الكراهية في تصرفاتهم تجاه أحدهم الآخر، أسوة بما يرونه من كراهية حكامهم لهم وتعدّيهم عليهم وسطوتهم على أرزاقهم واستهتارهم بمستقبلهم.

      الخراب السياسي لا ينشأ عنه إلا أمة لا أمل لها في المستقبل، إذ إن المستقبل لا يملكه إلا من له حقّ التطلع الحرّ والترقب الطليق، والطير المأسور لا يغنى إلا نواحاً! والحرية السياسية، أو حرية الكلمة – إن شئت – هي الهواء الذي يتنفسه الأحرار، وهي النور الذي يضيئ طريقهم وهي الدافع الذي يحركهم للأمام في طريق الرقي.

      ولا يتوقف أثر الخراب السياسي على ما تقدم، بل إنه يتعدى الحياة الإجتماعية إلى الحياة الإقتصادية، ولا ندري أالخراب الإقتصادي وليد الإنحطاط الإجتماعي أم هو مسؤول عنه؟ ولكن المؤكد أن كليهما نتيجة مباشرة للخراب السياسي وفساد النظام. والحياة الإقتصادية، والنظام الإقتصادي العالمي أصبح لا يقبل تلك الأمم التي تتكاسل وتتقاعد، وينصرف أبناؤها عن الإنتاج المميّز إلى إنتاج من الدرجة الرابعة، فالمنافسة العالمية شديدة لا يفوز فيها إلا الأفضل. وكما رأينا، فإن انعدام الدافع للتقدم يجعل ابناء الأمة ينحصر إهتمامهم في تحقيق الكسب السريع بغير جهد ولا مشقة، فهم يرون حكامهم يكسبون الملايين أو البلايين دون جهد أو تعب، وصدق الشاعر:

      إذا كان ربُّ البيتِ بالدفِّ ضارباً      فشيمةُ أهلِ البيتِ كلُهُمُ الرقصُ

      ولكن فضلَ الله عظيم، فإن الأمة، على الرغم من الطفيليات السياسية التي عشّشت على مسرحها السياسي زمناً متطاولاً، وما أفرزته تلك الطفيليات من جراثيم إجتماعية وإقتصادية، لا تزالُ تحمِل بين جُنُبَاتها إيمانٌ لا يخبـو، إن قُدِّر أن ترفع عنه القيود لرَفَعَ هذه الأمة إلى مكانتها التي تليق بها بين الناس، وإنه لواقع إن شاء الله.