فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الحُوينىّ .. بين أدعياء السّلفية وأشباه السّلفية

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      من أشهر وأشجع ما كُتب ضد مبارك في عهده، هو المقال الذي نشره عبد الحليم قنديل، رغم علمانيته، والذي قال فيه إنه يشعُر بالعَار حين يتذكر أنّ حسنى مبارك هو رئيس البلاد. وهو ذات ما أشعر به تجاه هؤلاء الذين يدّعون انتسابهم للسلف، ولا تصحّ لهم هذه الدعوى لبعضهم إلا بدليلِ "قياس الشَبه" المعطوب في الأصول! أشعر بالعار أنّ هؤلاء يتخذون السّلفية دِرعاً لترويج فكرٍ شبه سلفيٍّ، مريضٍ بجراثيمِ الإرجاءِ والظَاهرية، مُعادٍ لمواقف جموع السَلف الصَالح في شأنِ السِياسة الشَرعية.

      وحتى يتضِح ما وصفنا به هذا المذهب شِبه السَلفيّ بأنه مُصاب بجرثومة الإرجاء والظَاهرية، فإننا نقول إنّ هذه الإتجاهات الثلاثة، السلفية والإرجائية والظاهرية، قد إختلطت فيما يقدّم بعض هؤلاء من فكرٍ على مائدة الدعوة، إذ إنه بينما يأخذ هؤلاء بموقف السَلف في مسائل شرك النسك والشعائر، ويتبنى قولهم بحرمة القبورية وشرك الدعاء، تجدهم يتفقون مع المرجئة في الغَاية التي وصلوا اليها من الخُضوع للحَاكم الظَالم وحُرمَة أمره بالمَعروف ونهيه عن المُنكر، بناءاً على ظاهرية المنهج في تناول أحاديث طاعة ولي الأمر. ولهذا تجد أنّ متطرّفي هؤلاء، من أدعياء السلفية، يعملون عيوناً للسلطة، وتجد أن الحُكام يتوَلونَهم عادة حتى قيل إن "الإرجاء دين الملوك". هذا، ويصعب على من يتتبع منهاج هؤلاء أن يوفق بين المُتناقضات في مواقفهم، فبينما يدّعون أنهم يتبنون فهم السلف في توحيد العبادة، من أنّ الحُكم بغير ما أنزل الله شركٌ أكبر، كما صرح عدد منهم نظرياً، إذا هم يصرّحون بأن الولاة من أمثال حسنى مبارك وعصابته هم ولاة شرعيون لا يحلّ الخروج عليهم!! من هنا ترى أن جراثيم الإرجاء والظاهرية لم تُصب هؤلاء بالخطأ الشرعيّ الفادحِ فقط، بل وبالتناقض والتخبّط إلى حدّ السخف والبرود .

      إذن، خرج الحُوينى في تسجيلٍ بمسجد العزيز بالله، على اليوتيوب" تحت عنوان "لماذا تأخّرَت كلمتى حتى الآن!"  http://alheweny.org/aws/play.php?catsmktba=11540 ، وكأنك ترى ملياراً من جماهير المسلمين شرقاً وغرباً، في شوقِ الوليدِ إلى أمه، إنتظاراً لهذه الكلمات! كلماتٌ، ويالأسف، تمخّضت عمّا تمخّضَ عنه الجبل! وهو حديثٌ يجعل كلّ مسلمٍ حُرٍ يغلى دماغه من الغَضَب والأسف.

      استشهد الرجل بحديث في البخاري عن بن عباس وحوارٍ طويلٍ بينه وبين عمر رضى الله عنهما، حتى قال: "إن الشاهدَ من هذا الحديث أنّ رعاع الناس إن إجتمعوا...."!؟ أيكون الثوار هم هؤلاء الرعاع المعنيين بالإستشهاد!؟ ثم ما معنى أنّ "الطبيب لا يصرُخ بل يصرخ المَريض!" ؟ هل هذا يعنى أن هذا الرجل هو الطبيب الذي يداوى هؤلاء المَخابيل من أبناء الشعب الصارخين في التحرير؟ ثم لماذا قال أن عمر رضى الله عنه لو قال بخلاف ما تقوله الثوار في ميدان التحرير لصَرخوا في وجهه؟ ولماذا يفترض الرجل انّ عُمر سيقول بخلاف ما تقوله الثوار؟ بل نبشّر  الرجل أنه لو كان عمر رضى الله عنه حيّاً ما انتظر على هذا الكفر والفساد والطغيان ثلاثين عاماً، ولم يكن ليتخلف عن جهادٍ في وجه الطغاة طرفة عين.

      بل وصل الحَدُ بالحُوَينيّ أن يشبّه هذا الوضع القائم، بين عصابة حسنى والثائرين، بما حدث بين علىّ ومعاوية رضى الله عنهما!! فأي الفريقين يا حُويني اشبه بعليّ وأيهما أشبه بمعاوية؟! أيكون حسنى مبارك هو عليّ رضى الله عنه في نظرك السلفيّ؟ أم يكون حسنى هو معاوية في قياسك الخنفشارىّ؟ وما هذا إلا ليخلص أنه، وأتباعه، مثل عبد الله بن عمر في موقفه!! الا بُعدا لهذا من قياسٍ، وسحقاً لهذا من نظرٍ! ثم من كثرة الخبط والخلط لم يدرك الرجل أنه بها التسلسل قد شبّه جموع علي ومعاوية رضى الله عنهما بالرِعاعِ الصارخين، وفيهم أفضل الصحابة على كلا الجانبين! ألا بُعدا لهذا الإعتذار الخَائبِ الخاسرِ. وقد كنت أحسَب، في السنوات الأخيرة، أن  الرجل فيه بعض الخير، فإذا هو على ما هو عليه ممّا يرى القارئ.

      خُلاصَة ما يمكن ان يخرجَ به السّامع، من وسَط هذا الرُكام المُختلطٍ من الكلام، الذي لا يجمعُه جامعٌ ولا ينتظِمُه عقدٌ، إلا تبرير عدم الخروج لمُساندة الثورة التى عبّر عنها بالفتنة، تمييعاً وخلطاً،أولاً، ثم تشبيها للثوار بالرِعاع الصَارخين بلا عقل، وبأن هؤلاء الصَامتين عن الحق هم العقلاء الأطباء الذين لا يصرخون، ثانياً!

      وتصِل الجُرأة بالرجل أن يُصَرّح بهلع موقفه وتابعيه، فيقول إنه لم يتحدث من قبل إلا لسببين، أولهما أنّ القومَ الرِعاع في التحرير، من الصارخين بلا عقل، لن يستمعوا للحِكمةِ الضالّة، التي هو وأمثاله استحوذوا على أطرافها. وثانياً، بنصّ ما قال، لأن نتيجة الصِراع لم تكن واضحةٌ بعد، فكم من مُظاهرة خرجَت من قبل، لكن إنتهت دون نتيجةً إلا القبض على المتظاهرين! فهل، بالله عليكم، رأيتم أسوأ من هذا الموقف؟ والله إن السلف بُراءٌ من هذا الموقف وأمثاله، مهما إجتهد أصحابه في التشبه بالسلف في الهدى الظاهر !

      الأمر أن هؤلاء البعض من "السلفيون" لم يغيروا موقفهم من ضرورة حرية التعبير التي هي أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ثمّ، من الحاكم الظالم المعتدى، وسيظل هؤلاء عبيداً لأي حاكمٍ يأتي من بعد، من مبارك إلى المجلس العسكريّ إلى كائنا من كان بعدها.

      الخطورة في هذا المَذهب شِبه السلفيّ، المُصَاب بجرثومة الإرجاء والظاهرية، أنه يَسمحُ بنموّ الظلم والفسَاد، لا في الظّلام، بل في النور، وتحت سَمعهم وأبصارهم، بل ومُباركتهم، دون أمرٍ بمعروفٍ ونهى عن منكر. ولهذا يجب أن يتنبّه الشبابُ إلى أن ضَالتهم المنشودة في النظر الإسلاميّ السّديد ليس عند هؤلاء من أشباه السّلفيين وأنصاف المُرجئة الظاهرية، بل يجدوه عند أهل السّنة والجماعة الخاصّة التي تجمع بين أطراف الأدلة الشرعية، وتراعي النَصّ الظاهر مع مقاصد الشريعة ومصالحها المرعية، وتقدّر الواقع بقدره، ولا تجبن حين يأتي وقت الحاجة للبَيان، إنتظاراً لمَعرفة الظَافر، ثم إستغلال ظفَرِه.  

      ولعل أحداً أن ينصَحَ الحُوَينيّ أن يراجعَ ما يقول قبل أن يتفوّه به، وأن يظهر إحتراماً لأفراد الشعب الذين خرجوا في مواجهة الظلمِ بصدورهم، بينما هو قابعٌ في بيته كالقوارير التى يُخشى عليها الكسر. فإن أولئك الذين يصفهم بالرعاع الصَارخين دون عقل، أفضل مقاماً ألف مرةٍ عند الله من المُتخلفين من القواعدَ القوارير، من الذين تأخّروا في القول والفعل.

      ملاحظة: أدعياء السلفية هم المدخلية الذين ذكرنا أعلاه أنهم من المتطرفين من عيون السلطة، واشباه السلفية هم كالحوينيّ الذي فيه سلفية وفيه إرجاءٌ وظاهرية كما ذكرنا، لكن لا يصل إلى معاونة السلطة ضد المسلمين والله أعلم، وهذا بيانٌ لمن لم يقرأ قولنا بدقة ليفهم المراد.