فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بين إنقلابيّ 1952 و 2011.. أين ذَهَبَت ثورة يناير؟

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      الواقع الذي يَعيشه المَشهد السياسيّ اليوم على أرضِ مصر ، هو واقع إنقلابٍ عَسكريّ، قامت به قيادات العَسْكر لتأمين مَصالِحها، وليس وجه ثورة شَعبية عارمة، أرادت أن تقتلع نظاما فاسداً من جذوره، وأن تحاسب رؤوسه وأعوانه. والشواهد على ذلك كثيرة، بل أكثر مما يجب، وعلى رأسها أن قيادة الدولة الآن في يد العسكر، وليست في يدٍ مجلسٍ يمثلُ الشَعب الثائر، وهو ما لا يمكن أن يحدث في حالة قيام ثورة شعبية ناجحة. ثم بقاء كافة رموز الفساد في أماكنها، بقضّها وقضِيضِها، وهو الكارثة الأكبر التي تقف في سبيل نجاح الثورة بشكلٍ حقيقيّ لا إعلاميّ. ثم حقيقة أن الشعبَ يتوجه إلى مَجلس العسكر، لا إلى الثوار، بكافة مطالبه، ويتلقى من العَسكر كافة ما يخص البلاد من قرارات. لذلك فإنه من الأجدى اليوم، لمن أراد ان يتحدّث عن الأوضاع الحالية أن يتحدث عن الإنقلاب العَسكريّ، وطبيعته، وكيفية التعامل معه، لا عن الثورة ومنجَزاتها، حتى نتلافي خِداع النفسِ، وما يجرّه من أوهام اليقظة القاتلة، كما حدث حين أطلقنا اسم الثورة على إنقلاب 1952 من قبل.

      وإذا نظرنا إلى خلفيات انقلاب 1952، وجدنا أنّ واقع الفساد ومُستوى الحرّيات أيامها لم تكن قد بلغت حَداً يزعج الشعب إزعاجاً يُخرجه عن طوره في ثورةٍ شعبيةٍ مثلما حدث في ثورة 1919 أو 2011. والحقّ أن الحُريات حينئذٍ لا يمكن مقارنتها بما كانت عليه في 2011، قبل خُروجِ الشعب إلى الشوارع. ونظرة إلى حزب الوفد كمثالٍ، يرى الباحث مدى تدهور الحال بين زمن الإنقلابين، من زعامة مصطفى النحاس إلى كلاحَة السيد البدوى! وقسْ على ذلك ما تشاء. إنما جاء إنقلاب 1952 على النظام الملكيّ، وعلى أوضاع كانت ترتبط بالإستعمار الإنجليزي الذي كان يسعى إلى إفساد الحياة السياسية وقتها، وعلى فساد بعض أفراد العائلة المالكة، والذى لا يبلغ عشر معشار فساد الأسرة المباركية الحَاكمة. أما الشعب، فلم يكن الفساد قد تغلغل في طبقاته، وسرح بين أعضائه، كسرطانٍ استشرى في الجسد كله، يخرب ما صلُح منه، كما هو الحال الذي وصلت اليه أوضاع مصر في 2011. فكان إنقلاب 1952، إنقلاب ضُباط من الجيش، أيدهم الشعب، ولم تكن ثورةٌ بأي معنى من المعانين لذلك استمرت السلطة في يد الجيش، يسير بها ويسيّرها كما يرى.

      أما في إنقلاب 2011، فقد حدث العكس، إذ طَفَحَ الكيلُ بالشعب، وشَاع فسادٌ لم تعرفه مصر من قبل، فسادٌ خلقيٌّ وسياسيٌّ وإقتصاديٌّ وإجتماعيٌّ، حتى بلغت الروح الحُلقوم. فكانت تلك الصرخة الشعبية التي رأينا في 25 يناير. لكنّ قوى الظلام كانت اقوى وأعنف مما تحسّبت له قوى الثورة، وكان الإنقلاب العسكريّ في 11 فبراير هو الشّكل الحقيقيّ النهائيُّ لما حَدث، وسُرقتِ الثورة من أيدى صانعيها، وهو سبب ما نراه من صعوبة بالغة في استئصال جذور الفساد، بدءاً بالمؤسسة العسكرية، إلى كلّ مؤسسة حكومية قائمة. واستقرت الأوضاع في يد الجيش يسير بها ويسيّرها كما يشاء.

      إذن فعلى الرغم أنّ ما حدث في 2011 هو عكس ما حدث في 1952 تماماً، حيث الأول جيش سانده الشعب، والآخر شعب خدعه الجيش، إلا أنّ النتيجة كانت واحدة في الحالتين، الجيش يسيطر على مقدرات الأمة، ويرسم لها طريقها، ويقنّن لها خطواتها، ويدعى حرصه على مصلحة الشعب، ويَعدُ بالحرية، وفي الحقيقة هو يصنع لنفسه مكاسبه التي أنشأها إنشاءاً في إنقلاب 1952، أويُبقي لنفسه مكاسبه التي سَرقها في العُهود السابقة كما في إنقلاب 2011.

      وبين إنقلاب 52، وإنقلاب 2011، يبقى السؤال الدائر: أين ذهبت ثورة 25 يناير؟ الواضح الجليّ ان أمراء الجيش يعملون بلا كللٍ، بالتعاون مع نائبهم العام، لتعطيل القانون وإبطائه حتى يخبو الشعاع الذي أيقظ الثورة. أليس من الفاضح أنه لم يتم محاسبة أحد على جرائم الفساد السياسيّ حتى الآن؟ الجيش يتحدث عن حماية دولة القانون ضد الثوار الذين يريدون تطبيق القانون، لا التلاعب به، فأي قانون هو الأحق؟ قانون الحق الذي يرفع الظلم ويحاسب المعسدين؟ أم قانون الجيش الذي يتفلت به كلّ الفاسدين، والذي منح المفسدين كلّ الوقت لتسوية أوضاعهم، والتفلت من العقاب ساعة الحساب؟ والله الذى لا إله إلا هو، كلّ هذه التحفّظات والتحقيقات إن هي إلا خديعة وتمويهاً على بسطاء الناس، وكأن الحقّ يتخذُ مجراه. ولن يكون لهذه المسرحية الهزلية نتيجة في إزالة فسادٍ أو في إقامة عدلٍ طالما رؤوس الفساد التسعة عشر قابعين على قمّة السلطة المتحكمة، بعد إنقلابهم المشؤوم.

      الإنقلاب هو الإنقلاب، والعسكر هم العسكر، والخديعة هي الخديعة، ولعل الشعب أن يتفطّن لما يحدث، وأن يهتدى بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يلدغ المؤمن من جُحرٍ مرتين" البخارى، إن كنا مؤمنين.