فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      المَجلسِ العَسكريّ .. أيادى مُبارك التسْعَة عَشر!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

      لحظاتٍ سعيدةٍ، في 11 فبراير، مرت علينا كأنها حُلمُ صبيّ يتيمٍ برئٍ، سُمح له أول مرةٍ أن يخرجَ إلى الشارع، وحده دون رقابةٍ، يَمرحُ ويقفز ويلعب، وتداعِب خياله آمال المُستقبل الواعد.. كيف سيتعوّد الخروج إلى الشارع متى شاء دون رقابةٍ أو حِصار.. كيف سيتخذ قراراته لنفسه بنفسه، فيصير هو "سيد قراره" حقيقة، لا من تبنّوه عُنوة وإغتصاباً منذ شاهدت عيناه النور .. كيف سيتَحَكّم في ساعات جِدّه وأوقات لهوه، في حِفظ ماله وإدراك آماله، في قرار إقدامه وأحجامه. ظَنَنّا، هذه اللحظات القصيرة، أننا تخلصْنا من حُسنى مبارك، ومن جماله ومن صفوته ومن سروره. ومن بقية نظامه. لكن كانت الحقيقة، كعادتها، أشدّ وأبشع وأقسى. حُسنى مبارك، ذهب إلى منتجَعه ليترك للمِصريين تسعةَ عشر، غلاظ شداد، لا يعصونه ما أمرهم، كلهم حسني، وأغلظ، وإذا بنا نواجه أخطبوطاً مارداً ذى تسعة عشر ذراعاً، تمتد كلها حول عنق الشعب المصرى، ولا تتيح له التنفس إلا قدر ما يبقيه قيد الحياة!

      في 14 فبراير، توجّهت بكلمة إلى السّامِعين، على اليوتيوب، رَسَمْتُ فيها أطرافَ المؤامرة تماماً كما انفَضّ عنها خَاتم الزًَمن مؤخراً، http://www.youtube.com/watch?v=ML2GFRW5YsM ، ثم أعقبت ذلك بتاليةٍ في 17 فبراير http://www.youtube.com/watch?v=L9B87q83yrI، وتمنّيت أن يستمر الثوار في ثورتهم، وألا يغادروا ميدانهم، فلا يسلمونها لقمة سائغة للجيش، لكن الأقدار كانت أسَرع جرياناً وأحسم وقعاً.

      وأمس، في أعقابِ جمعة التطهير، كشَفَ العَسكر عن مُخططهم، الذي يقدّرون أنهم قادرون علي إنفاذه، وهو السيطرة على مُجريات الأمور في مِصر بالقوة، وإتفاذ مُخطّط إبقاء النظام الحالي (لا اقول السابق)، في محله، مع تغيير بعض الوجوه والتضحية ببعض الأسماءٍ، لفترة مُحدّدة، يخرج بعدها كلّ هؤلاء مرة أخرى إلى جاههم وثرواتهم. كيف لا، وقد أفسحوا لهم الوقت لتسوية أوراقهم، وتغطية جرائمهم، والتخلص من وثائق إدانتهم، ثم، بعد ثمانية اسابيع كاملة، يشكلون لجان لفحص صِحة الأوراق والمُستندات الخاصّة بالمِلكية! عَجبٌ واستهتارً واستغفالٌ للشعب كله، و"على عينك يا تاجر"!

      فبينما الأمن المركزىّ لا يزال القوة الضاربة للأخطبوط العَسكريّ، كواجهة دفاع، إذا الشرطة مُضربَة بالكامل عن العمل، حتى يركعَ الشعب، و يقبّل أياديهم، أو "يبوسوا ايد اسيادهم" كما عبّر أكثر من واحد من هؤلاء الأرجاس المناكيد من ذوى "الدبابير" على الأكتاف، والأحذية في الأذهان، مع الإعتذار لحفنة الشرفاء منهم! والمدعو عيسوى أعجز من أن  يفصل هؤلاء، ويعيّن آلافاً من الخريجين العاطلين عن العمل بدلا منهم، ثم توجّه قوى الجيش لمواجهة اية إضطرابات يقوم بها هؤلاء المتمرّدين ضدّ الشعب المصرىّ.

      قياداتُ الجيشِ تريدُ الفوضَى المُنظّمة في البلاد، وهي تقوم بعمليات تجميل موضعية لا تمسّ روح النظام ولا أجهزته الحَسّاسة، ليظلَ حياً يتنفس ويتحرّك ويُخَرّب، إلى حين الإنقضاض على السُلطة مَرة أخرى. وهو ما رَصدَته الصَحافة العَالمية كذلك، كما ورد مثلاً في صَحيفة النيويورك تايمز، و تورونتو ستار اليومية Toronto Star، حيث أشارت إلى فَضٍ الإعتصام بالقوة ومَقتل مواطنَين وجُرح العشرات، وعَكست قدر الثقة المُنهارة بين الشَعب والجيش. http://www.thestar.com/news/world/article/972174--army-kill-1-wound-71-dispersing-overnight-protest-in-central-cairo. وهو أوّل دمٍ يسال بين الجيش والشعب، فيا ترى كم من دمِ برئ يحتاج جيشنا لإسالته قبل أن يعرف أن حريةَ الشعب قضَاءٌ محتوم.

      والعجب من هؤلاء المؤتمرين، الذين يطلقون على أنفسِهم "القوى السِياسية"، يعلم الله أن لفظ "القوة" منهم بَراء، الذين يحذّرون من "الوقيعة" بين الجيش والشعبِ، ويروّجون للقولة الهَزلية أنّ "الجيش حَمَى الثورة"!! ياقوم، أليس منكم رجلٌ رشيد؟ أأُصبتم "بالألزهايمر" بهذه السّرعة؟ ممن حمى الجيشُ الشعب؟ ومتى حَمَى الجيشُ الشعب؟ الجيش لم يتدخل ضد الشرطة على الإطلاق!، بل سَمَحَ الجيش للبلطجية بالتسرّب إلى ميدان التحرير لضَرب الشعب، وبدلا من ذلك حَمَى الإذاعة والتليفزيون من المتظاهرين لأنه يعلم أنهما رَمزُ النظام، إن سقطا سقط. وحين رأي أن الشُرطة فشلت في السَيطرة على الملايين، قام الجيش بالإنقلاب العَسكريّ الذي ذكره عمر سليمان في كلمته الشهيرة، يوماً واحداً قبل يوم الرجل "الذي يقف خَلفَ عمر سليمان!"، وضَمَنَ سَلامة مُبارك ونِظامه، وأتم الصَفقة مع الشَيطان. ألم يأن لأمثال هؤلاء المؤتمرين أن يتركوا البلاهة جانباً ويرفعوا غشاوة الرُعب عن أعينهم، قبل أن تصاب البلد كلها بقارِعةٍ كقارعةِ حُسنى مبارك؟ وليعلم هؤلاء أنّ هذه هي فرصتهم الأخيرة في إحداث تغيير حقيقيّ، وإلا فهم كذلك خونةٌ عُملاءٌ مثلهم كمثل مبارك والطنطاوى.

      الحلّ، فيما نحسب، هو أن ينتفضَ أبناء الشعب ضد سُلطة الجيش، وأن يستمر المَلايين من المُعتصمين بكامِلهم في ميدان التحرير، يوما بعد يومٍ، تحدّياً للجيش هذه المَرة، كما فعلوا سابقاً تحدّيا لمبارك والشرطة. حينئذ تكون ساعة الحقّ، ويحدُث الصّدام، فإما أن يعلن الجيش قبوله لحُكم الشعب، أو أن يتحرّك من الجيش بعض شُرفائه في إنقلاب على تلك القيادة الخائنة.