فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      السّلفيون .. "إلا الحَماقة أعْيَتْ من يُداويها"!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      لا شكّ أن الدعوةَ التي تُصادر اليوم إسم السّلفية، من أولئك الذين تخلّوا عن المُشاركة في تطهيرِ الثورة، لا تحمِلُ الكثير من الرصيد البشريّ الذي يهدد حَركة التحرير الإسلاميّ المِصريّ، فإن أتباعها كانوا، ولا يزالوا، عديمي التأثير في مُجريات الأحداث، وكأن مصر قد نقص تعدادها عدة ألافٍ من البشر، لا أكثر ولا أقل. ولا أقرر هذا إلا لتطمئن قلوب المناضلين في سبيل حرية مصر، حتى لا يشعروا بأنهم خسِروا قوة في جُمعة "التطهير"، فهؤلاء المخلّفون قد جعلوا من أنفسهم أصفاراً، تُطرح ولا تُجمع، تُعدُ ولا تُعتدّ (من العُدّة).

      وأمر هؤلاء هو أنهم فقدوا رؤية التوجّه الشَرعيّ ومقاصِده في مَسألة الحكم والحُكام. فلا هم رأوا ما يعنيه خَلط الشريعة بغيرها، كمصدرٍ للتلقى، من شركٍ، ولا هم طبّقوا ما يستلزمه خِطابهم السابق عن توحيد العِبادة إلى حَيز التطبيق. هذا إلى جانب عدمية الفهم للواقع، وما يحدث على كوكب الأرض، وهو ما يتمثل في تصريح عبد المنعم الشحات من أنه لابد من إعطاء فرصةٍ للجيش للإصلاح! عجبٌ من العجب. أيعيش هذا الرجل على كوكبٍ آخر غير كوكب الأرض، فلا يرى ما يفعلُ الطنطاوى؟ الفرصة الوحيدة التي نعطيها للطنطاوى هي لتدمير هذه الثورة، وتيسير هروب رؤوسها بأموال الشعب، ومنح الفرصة للحزب الوطنيّ وساويرس على بداية عملية تخريبية تمتدُ  ثلاثين عاماً القادمة. هؤلاء يقدّسون من بيده السُلطة، كائنا من كان.

      الجدير بالذكر هنا، هو ما أشرنا اليه في بعض أبحاثنا في الفرق، من أن الفرق البدعية تتشابه مصادرها في كثير من الأحيان، بل تتطابق. ثم نجدها تفترق في كيفية التعامل مع هذا المصدر المشترك، فتظهر كأنها على النقيض من بعضها وهي ليست كذلك البتة. فالخوارج والمرجئة إشتركا في موردٍ فكريِّ واحدٍن وهو أن الإيمان كلٌّ لا يتجزأ، ثم إن الخوارج أدخلوا فيه الأعمال كلها، فكفّروا العاصي، والمرجئة أخرجوا منه الأعمال كلها، فحكموا بإسلام الكافر. وهذه الفرقة التي تدّعى السلفية، لو قارنتها بجماعة التبليغ والدعوة ذات المَرجعِ الصُوفيّ، لوجدتهم يتشاتمون بشأن الأضرحة والموالد، لكن ترى عجباً، أن مواردَهم في قضية الحكام تتطابق، فكلاهما لا يرى خروجاً على الوالي (بزعمهم)، مهما فعل واقترف، ويرجعون في هذا المورد إلى أحاديث السمع والطاعة، ويتغافلون عن الآيات المُحكَمة والأحاديث الصحيحة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر! وعن مقتضى الحاكمية ومعناها. فكلاهما عبيدٌ لصَاحبِ السَطوة، أيا كان، ومهما فعل!

      وهؤلاء، بضعة السَلفيين والصوفية، كلاهما قد فهم لفظ الخروج بظاهرية معيبة، إذ ظنوا أن الخروج المقصود يعنى مُطلق الخروج على الحاكم، بمعنى حُرمة الخروجَ من البيت متوجّها إلى الحاكم، آمراً بالمعروف، وناهياً عن المنكر. ولم يستوعِبوا أن ما شرَعه الله سبحانه من وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المسلم لآحاد المسلمين، هو أوجب وأعلى درجة من المسلم لأصحاب السَطوة إن بغـوا وسعوا في الأرض مُفسدين، إن كان المُسلم قادرا على ذلك، ولم يسعى لتخريبٍ أو هدم، إلا الدعوة بالحسنى. فإن تعدّى صاحب السلطة وبغا وقتل، فلا عدوان إلا على الظالمين. وهو ما تدلّ عليه صِيغة الجَمع في قول الله تعالى: ""ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"، وقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه في خطبة خطبها: "أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتؤولونها على خلاف تأويلها "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ما من قوم عملوا بالمعاصي وفيهم من يقدر أن ينكر عليهم فلم يفعل إلا يوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده". كلها على ظاهرها في خطاب الجَمع نصّاً، وفي خطاب الفرد ظَاهراً. والأدلة على ذلك تفوق الحصر.

      اللهم إهدنا إلى صراطك المستقيم، ولا نجعلنا من أصحاب الهوى المنحرفين، ولا ممن يستمعون إلى القول فيميزون بين مقاماته ومناطاتهن عهو الأمر الذي كُسِرت فيه رقابُ عبادٍ أرادوا الإصلاح، فَضَلّ سعيهم وراح.