فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الصراع العِلمانيِّ الإسْلاميِّ .. والرابح الخاسرُ

      الصراعُ الدائرُ على إستخفاء منذ قرن من الزمان، وفي العَلَن، منذ أكثر من ثلاثين عاماً بين العلمانية اللادينية، التي تدعو إلى نبذ الدين الإسلاميّ كمرجعية للحياة في بقعة الإسلام، وبين الإسلاميِّ، بكافة طوائفه وأطيافه، والذي يتخذ الإسلام كمرجع للحياة، بشكل عام، مع خلاف وإختلاف في التفاصيل، هو صراعٌ قد إحتدمت حلباته وتعالت وتيرته وإتسعت ميادينه وتعددت مجالاته، في كلّ ناحية من نواحي الأرض التي يمثل المسلمون غَالبية سكانِها، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر المُفتعلة.

      فهذا الصِراع هو الذي نراه دائراً بين اللادينيين الفلسطينيين، لصالح الصهاينة، وبين الإسلاميين في غزة، ونراه في تونس وقد حُسم لصالح العلمانية، ونراه في الجزائر بعد أن سجل العلمانيون تقدما هائلاً في السنوات الأخيرة. وفي البلدان التي فيها طائفية سنيّة رافِضِية، تجدُ الصِراع متخذاً صُورة تختلف بعض الشيئ، حيث أن الرافضة يتوَلّون كِبر الهجوم على السنة، كما في البحرين، وحتى العربية السعودية، لم تنج من هجمات علمانية واضحة كان آخرها وقف معاهد تحفيظ القرآن في أكثر معاهده. ثم الهجمة الإعلامية "التجديدية التحضّرية" التي إجتاحت صالات الفكر ومؤسسات الإعلام المرئية والمسموعة، والتي تعكس قبولا غير مشروط لقواعد الغرب اللادينية على أساس أنها السبيل إلى التخلص من التخلّف الإسلاميّ وقبول التحضر الغربيّ.

      وفي مصر، تغيّرت نغمة الصراعِ ونوعيته منذ بِداية العهد المباركيِّ (!)، وبالتحديد، منذ أصبح عيال مبارك في طور يسمح بإختراق الحياة السياسية، فأفصحت العلمانية عن طبيعتها، وتحدث مسئولوا الدولة بإسمها دون وجل، وتقدمت رجالاتها في كلّ مضمار. وعلى العكس من ذلك فإنّ الإسلاميين قد أبدوا تدهوراً واضحاً خاصة في مسار من يتخذ من السياسة ملعباً. فقد باتت مطالبهم، بل وأحلامهم، تنحصر في الحصول على عدة مقاعد في مجلس الشعب البهلوانيّ صنيعة النظام المُتحَكِّم. ولم تعد المطالبة بتحكيم الشريعة يُسْمَعُ لها دعوى اللهم إلا في شعار يردده الإخوان أنّ "الإسلام هو الحلّ"، وهو – فيما أرى – شعارٌ قاصرٌ من عدة أوجه، أولها أنه يسمح لحُلول أخرى بإدعاء إمكانية التطبيق، إذ لم يصاغ في صوة الإستثناء بعد النفي، والتي تقطع بأحادية الحلّ، كما في "لا إله إلا الله". ثمّ، هذا الشعار يجعل الإسلام حلاً، إي علاجاً لمشكلات إجتماعية وإقتصادية وسياسية، وهو ما يختلف فيه الإخوان مع أهل السنة والجماعة من أنّ الإسلام عقيدة، تبرز عنها شريعة، فهو ليس حلاً، بل هو ضرورة في حياة المسلم، والفَرقُ بَيِّنٌ لِمَنْ عَقل.

      كذلك شَهدت الساحة الإسلامية تراجعات تمّت بإسم المراجعات، منها ما صَحّ، ومنها ما وقع في البدعة والإنحراف، وهي طبيعة كلّ إنحراف، لا يحاول الإصلاح إلا بإنحراف مقابل. وفي ظلّ هذه التراجُعات الإسْلامية، والتي انعَكَسَت على رجُل الشارع العاميّ بكثير من الإضطراب والتشكك، اكتسَبت العلمانية نقاطاً لصالحها من الرصيد الإسلاميّ المتدهور، بينما، على العكس من ذلك، في الوسط القبطيّ، إكتسب القبط أرضية دينية ومساحة سياسية أكبر وأخطر من قبل.

      وقد رأى بعضُ المحللون أنّ الطبيعة الجامدة (!)  للخطاب الإسلاميّ وضعف الرؤية المستقبلية والحلولُ الوضعية لحامليه، هي التي تسبّبت في قبول العلمانية الغربية وحلولها بإطلاق، وهذا عوجٌ من العوج، وخطأٌ أفدح من الخطأ، إذ إن صعود العلمانية ومكاسبها هو مخطط تمالأت عليه الصليبية والصهيونية، بتواطئ وتعاون مع النظم المُتحَكِّمة، ولا علاقة لها بالرؤيا الإسلامية من قريب أو بعيد. فهذا التصور قد يكون ممكناً في ظلّ نظام حرّ يسمح بتعدد الروئ، لكن في ظلّ نُظُم تقمع الرؤية الإسلامية خاصة بكل شكل ووسيلة، فهذا التحليل إدعاءُ ليس عليه دليل البتة.

      العلمانية الجاهلية اللادينية، هي الرابحُ في سِلسلة الجولات التي إمتدت على مساحة عدة العقود الأخيرة، ولا يزال مُنحنى المكتسبات العلمانية الجاهلية في الطريق الصاعد، لضعف الأرضية الإسلامية التي تتبناها الإتجاهات التي تعتقد، سذاجة وخطلاً، أنها يمكن أن تكتسب نقاط من العدوّ العلمانيّ في عقر داره ومن خلال نِظامه.

      وما قد نتفق فيه مع التحليل الذين ذكرناه آنفا، أنّ الرؤية المستقبلية ومعالم الطريق لحركة الإحياء الإسلاميّ غير واضحة في أذهان الإسلاميين أنفسهم، على إختلاف بينهم في تشخيص المرض وتحديد الدواء. ولن تفتأ هذه الحركة تفقد أرضيتها وتضعف بنيتها ما لم يتداركها الله بمن يُعيد توجِيه دفتِها حسب مَعالمَ الطريقِ السديدِ