فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      المجلسُ العَسْكريّ .. ومبدأُ ( بقاءُ النظامِ خطّ أحمر)!

      تولانى العجب، كلّ العجب، حين قرأتُ في مِجلة الدُستور خبراً عن المُحاكمة العسكرية لشَابٍ قبطيّ اسمه مايكل نبيل، إنتقد في مدونته أداء الجيش في حماية الثورة، وعبّر عما يراه خِداعاً مُمَنهجاً للعَسكر في تناولِ المَطالب الثورية في مقالٍ طويلٍ جمع فيه العديد من الأمثلة (بما فيها تسجيل خاص لي على اليوتيوب) التي يجمَعها جامعٌ واحدٌ يشير إلى هذا التواطؤ المُتعمّد في ضَخّ الحياة في النِظام الديكتاتورى المنهار. والأعجب من هذا هو سبب الإعتقال والمحاكمة، ألا وهو "الإساءة إلى المؤسّسة العسكرية"!

      ويعجز اللسان عن التعبير عن شدة الألم لما يظهر أنه إغتيالٌ تامٌ للثورة المصرية على أيدى العَسكر. ما معنى هذا الإتهام "الإساءة إلى المؤسّسة العسكرية"؟! ماذا يعنى؟ اهذه هي روح الديموقراطية الجديدة؟ أليس ذلك هو نفس منهج حسنى مبارك؟ لا، بل والله كان الناس يَسُبون مبارك في آخر أيامه دون وجل! فإذا بهم يعودون لعهد العادلي على يدِ من إئتمنوهم على ثورتهم.

      أيُحاكم رجلٌ، مسلمٌ أو قبطيّ، بتهمة الخِيانة العظمى، والتي تعنى لدى هؤلاء "الإساءة إلى المؤسّسة العسكرية"، أمام محكمة عسكرية، ويتركُ حُسنى مبارك، وكلّ رعيله وحَوَشِه، يرفهون في قُصورهم وينعَمون بأموالِ الشعب المنهوبة؟ أكرامة "المؤسسة العسكرية" أعلى وأهمّ من كرامة شعب كامل أنتهكت حقوقه وسُلبت حريته وإستعبد أبناؤه لمدة ثلاثين عاما؟ ثم أي نوعٍ من الديموقراطية هذه التى يحاكم فيها الرجل على رأيّ يراه ويدوّنه؟ أليس هذا هو هو منهج مبارك، وأمثاله من الديكتاتوريات، في تجريم نقد الذوات العلية التي تضع نفسها فوق النقد؟

      الظاهرُ العيانُ لكلّ المصريين الآن، هو أنّ الحفاظ على نظامِ مبارك خطّ أحمر لا يَسمَحُ المَجلسُ العَسكريّ تجاوزَه، مهما كلّف الأمْر، ولو بالتلويح بتحويلِ مصر إلى ليبيا أخرى، كما أشار متحدثهم. فكلّ مكوّناتِ النظامِ القديمِ لا تزال كمَا هي تحْكم وتتحَكم في إدارة دفّة الحُكم، إذ لا يغيب عن الأنظار أنّ هذا المَجلس المُكون من تسعة عشر عسكرياً، هو جزء من النظام القديم، ومن ذوى الإرتباط الوثيق برموزه بما لا يسْمَح لهم بمحاكمة الجناة، إذ فيه إدانةٌ للنفسِ ووضع المجلس في مقاعد الإتهام والتجريم. والأهم من ذلك هو فقدهم قوتهم الإقتصادية التي يحمونها بالروح والدم، ممثلةٌ في المَصانع الحَربية والصَناعات العربية، والفنادق والمِسَاحات الشَاسعة من الأراضى المُخصّصة لهم، خَارج رقابة الجهاز المرْكزى للمحاسبات وميزانية الدوله ومجلسها ورقابتها. وهذه هي النقاط التي تضعف فيها الجيوش عم مقاومة العدو، حيث تتحول من مهمتها الإساسية، إلى مهمة استغلال الشُعوب، كما ذكر إدوارد جيبون في موسوعته "إضمحلال وسقوط الإمبراطورية الرومانية"، عمّا حدث للجيش الرومانيّ حين بدأ في استغلال الشعب وتأميم موارده لصالح المؤسسة العسكرية.

      من هنا، نجدُ أن المجلس ترك كلّ المؤسسات الإدارية من محافظين ومَجالس مَحلية وجامعات وإعلام وقانون طوارئ ومحاكمات عسكرية وأمن دولة (مع تغيير اليافطة إلى الأمن القومي)، لم يمسّها بتغيير، فهي كلها التي تتحكّمُ في مَفاصِل الحَركة الإجتماعية للعَسكر أن يُحاوروا ويداوِرا في إدارة البلاد.  والعسكر سيحارب، بكلّ وسيلة، أي تغييرٍ لهذا الوَضع، وسيتبع نفس طَريقة مبارك، بإعطاءِ الشِعب حقّه قطرة قطرة، بعد مليونياتٍ يعلم الله كم سنحتاجُ منها لتغيير كلّ مَسؤول من مُجرمي النظامِ السَابق (أو الحالي إن شِئت الدقة!).

      المَجلس العسكريّ يدير حملات مُحددة لتوجيه الشَعب نحو إختيارِ رئيس له عِلاقة وثيقة بالنظام المُباركيّ، كعمرو موسى أو غيره، حتى إذا إنتقلت السُلطة من المَجلسِ إلى الرئيس المُنتخَب، كانت (في بيتها) كما يقولون.

      هذا الإتجاه الذي يسمَح للمَجلس الحَاكم يؤكدُ ما قاله عمر سليمان من قبل، قبل يوم من رحيل مبارك إلى شَرم الشيخ للإستجمام، من أنه إما الحوار مع النظام القائم، وإما الإنقلاب العسكريّ، وهو ما تمّ بالفعل. فالحكم الحاليّ هو حكمُ إنقلابٍ عسكريّ يُقدّم وعودا بإصلاحاتٍ سياسية، وبنقل السُلطة إلى سًُلطة مدنية، وليس الحْكم الحَاليّ بحكمٍ مؤسسٍ على الشرعية الثورية كما يقال. والفارق بينهما هو الفارق بين نظام مبارك وبين النظام الجديد المأمول.

      لا يصحُ أن يحاكم هذا الرجل، لا عَسكرياً ولا مدنياً، إذ هو عارٌ على الثورة كلها أن يحَاكم أحدٌ على إبداء رأي، والثورة لا تزال في قمة شبابها، إبنة أربعين يوماً، فماذا يمكن أن يحدث، إن سَمح الشَعب لهذا أن يتمّ، بعد أربعين شهراً؟ ولعل هذا ما دَعا هذا المَجلس أن يؤجل المُحاكمة العَسكرية، إستماعاً لنصيحة مخلصة. وهاكم الروابط التي أشرنا اليها

      http://www.dostor.org/crime/11/april/1/39286

      http://www.maikelnabil.com/2011/03/blog-post_07.html