فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      العدوان الثلاثيّ على العراق : أهدافه وأبعاده

      يمثل الوضع الحاليّ في العراق وما يدور الآن على أرضه الطيب من عدوان ثلاثيّ أمريكيّ – بريطانيّ - فارسيّ، مرحلة من أخطر المراحل التي يمرّ بها الكيان الإسلاميّ السنيّ في تاريخه الحديث.

      ولا ينكر أحد أن هذا الغزو المفضوح كان له مقدماته التي يتلصص بها إلى أعتاب الساحة العربية-الإسلامية منذ عقود عديدة، تحت غطاء إقتصاديّ و إخضاع سياسي بل وغزو عسكريّ على الأرض كما حدث في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

      والأمر في العدوان على العراق أخطر وأبعد غوراً من سابقيه، إذ إنه قد اتخذ شكلا استعمارياً حسب الناس أن زمانه ولّى وأن الزمن زمن السيطرة الإقتصادية والسياسية لا غير، ولكن أثبتت هذه الأحداث أنّ القوى العسكرية لا زالت هي عامل الحسم الأخير لدى كل مستعمر طاغية.

      وأولى القوى الثلاثية التي تعيث في أرض العراق فساداً هي القوة الأمريكية. وهدف أمريكا من إحتلال العراق هدفان، معلن و خبئ. والهدف المعلن هدفان، هدف للإستهلاك الجماهيريّ المحليّ وهدف لصنّاع السياسة المحلية الغربية. أما الهدف المعلن للإستهلاك المحليّ فلا يساوى في قيمته الحبر التي تسطر به هذه الكلمات، إذ هو ذلك الهراء من نشر الديموقراطية في المنطقة العربية وإنقاذ الشعب العراقيّ من طغيان صدّام – عليه من الله جزاء ما صنع – وإنشاء نموذج عربيّ تحذى حذوه بقية الدول المحيطة! والعجيب أن هذا الهراء قد غلب على عقول نسبة عالية من الأمريكيين إلى عهد قريب، فهم – كغيرهم من عامة الناس – كالببغاء، عقله في أذنيه، وسحر الإعلام المتواطئ مع الحكومة لا يُقهر.

      أما الهدف المعلن لصنّاع السياسة المحلية الغربية فهو الحرص على تدفق البترول إلى بلادهم – وكأن البترول قد وقف تدفقه إلى الغرب!، وإيجاد موطئ قدم ثابت على أرض العرب يكون ملكا مطلقاً لأمريكا أولا وللغرب ثانياً تعيث منه في أرضهم مبادئها وتتحكم في مصائرها.

      أما الهدف الخبئ فهو ما للطغمة الحاكمة من أغراض شخصية في غزو بلاد العرب وهدم ما بقي من ولائهم لثقافتهم ودينهم. وأول هذه الأهداف – فيما نرى – هو تحقيق الثروة الطائلة لأسرة بوش الأصغر الحاكمة ومن حولها من صنّاع هذا العدوان، فأسرة بوش، كما هو معروف، تشتغل بالبترول ولنا أن نتصور ذلك الربح الهائل الذي تحقق لها من وراء إرتفاع أسعار البترول 100% بعد العدوان الثلاثي! ولا ننسى ما حققه ديك تشيني نائب بوش من ثروة من وراء حقوق التعاقدات في العراق لشركة هالبورتون، وهو ما تتنادر به الأوساط الفنية والإقتصادية في أمريكا لكمّ التلاعب والسرقات في هذه العقود! ثم ما جناه أمثال وولفووتز في منصب رئيس البنك الدوليّ، وغيره مما خفيّ. ثم البعد العقائدي الذي يهيئ لهؤلاء من أتباع الأنجليكانز أنّ المسلمين هم أعداء المسيح Anti Christ وأنه يجب القضاء عليهم وتمكين الصهاينة من أرضهم! تلك هي مجمل عقيدة بوش وأمثاله ممن يسيطروا حاليا على السياسة في أستراليا وكندا وفرنسا مؤخرا – على إختلاف في تفاصيل باهتة – وما كانت عليه بريطانيا عهد بلير، وسنرى ما سيكون عليه خلفه قريبا. ولم يعدم هؤلاء مساندة العديد من الأنظمة العلمانية في بلاد المسلمين والتي ولاؤها الوحيد لكرسي الحكم ولما تحققه من ثروة، ضاربة بدين شعوبها ومصالحهم عرض الحائط!

      ثم القوى الثانية التي شاركت في هذا العدوان، بريطانيا، وتاريخها يشهد بالعدوان على أرض العرب على امتداد التاريخ الحديث. وإن كان دورها في هذا العدوان قد تقلّص نتيجة تقلصها كقوى كبرى وأصبحت مجرد "تابعه قفـّـة" لأمريكا! ونحسب أنّ الهدف الخبئ لعب دوراً أساسيا في توجهات بلير الذي قبض بعض ثمن دوره بتعيينه في ذلك المنصب "اللا شرفيّ" كمبعوث للشرق الأوسط، بينما المبعوث الوحيد الفاعل للشرق الأوسط هو تلك الجيوش المجنّدة التي تحتلها إحتلالاً. وما ذكرنا عن أمريكا يجرى بدرجة أقل على بريطانيا التي أرادت أن يكون لها دور وموشطئ قدم في الفريسة الجديدة.

      ثم القوى الثالثة، وهي الأعجب والأمكر والأكثر ضراوة وخطورة، إيران الفرس! وهي وإن لم تنشأ العدوان هذه المرة إلا إنها – كعادة الرافضة في كلّ زمان، استثمرته أحسن استثمار، وجعلت من أمريكا أضحوكة السياسة العالمية. والفرس الرافضة لا يغيب عن بالهم حلم إعادة الدولة الصفوية الرافضية التي قامت في القرن العاشر الهجري وأجبرت أهل السنة على اعتناق الرفض وإلا الموت، وقتلت مئات الآلاف من السنة وساعدت القوى الصليبية في حملاتها على أرض الإسلام. نفس الدور الذي تقوم به رافضة الفرس في هذه الأيام مستغلين غباء السياسة الأمريكية وجهلها بالمنطقة وتضاريسها السياسية. فبينما تدعى أمريكا أنها تعادي رافضة إيران وتقيم علاقات الودّ البترولي مع دول الخليج السنية، إذا هي تساعد الرافضة بقضائها على الوجود السنيّ في العراق وأفغانستان على جناحي الفرس الشرقي والغربي، متيحة الفرصة لهم للقضاء على السنة وإفساح المجال للدولة الصفوية الجديدة! وقد يكون الهدف الأمريكي كذلك هو إيجاد تهديد مستمرٍ لدول الخليج في صورة الرافضة حتى يظل وجودهم مبرر في هذه المنطقة.

      وخطورة الرافضة أنهم يتلاعبون بعقول العامة من أهل السنّة وينشئون لهم نماذجاً هي في حقيقتها كبيت العنكبوت، من أمثال حسن نصر الله في لبنان ومقتدى الصدر في العراق، يخيّلون للعامة أنهم أبطال الإسلام وحملته في وقت هدرت فيه مبادؤه على يد الأنظمة العملمانية، وهو غير صحيح بإطلاق، فإن جيش الرافضة "حزب الله" لم يحقق نصرا على الكيان الصيوني كما حققت حماس السنية، ولم يقف ما يعرف بجيش المهدي أمام العدوان الأمريكي عشر معشار ما يفعله أبطال السنة هناك، وها هو الصدر الرافض يسحب ميليشياته من المعركة علنا ليفسح للأمريكان فرصة القضاء على السنة، وهو يعلم أن انسحابهم من العراق ولو جزئيا وفسحهم المجال لرافضة إيران لحكمها أمر مؤكد، ونرى أنّ حكومات العراق الألعوبة منذ العدوان رافضية الإتجاه يرأسها رافضة من أتباع إيران.

      دور الرافضة في العدوان الثلاثي إذن دور محوريّ لا بد من أن يوليه أهل السنة، بل والأنظمة العلمانية في دول السنّة اهتماماً يفوق اهتمامهم باي أمر آخر إذ إن الرافضة الفرس في إيران لن يرحموا أحداً حين يأتي يوم استسلام الغرب ورضاه بإقتسام الغنيمة مع الفرس.

      وللحديث بقية.

      د. طارق عبد الحليم