فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الإعلان الدستورىّ .. ماذا يُريدُ المسلمون؟

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      يُعتبَرُ الإعلان الدستورى الذي أصدره المجلس العسكريّ في مصر أول بادرة تفيد أن الجنرالات يقرؤون الواقع المصريّ بشكلٍ أقضل مما فَعل النظام السَابق. ففي سَابقة سياسية، تتجنّب الدخول بمصر في دوامة من العنف والإقتتال، ترَكَ المجلس العَسكرى المّادة الثانية التي تنصّ على أنّ "الإسلام دين الدولة ، واللغة العربية لغتها الرسمية ، ومبادئ الشريعة الإسلامية المَصدر الرئيسي للتشريع"، دون المساس بها. وهو، فيما نرى، يعطى الفرصَة للغالبية المُسلمة أن تعيد قِراءة مُعطيات الواقع، وتحديد السبيل، أو السُبل، التي يمكن إتباعها كخارطة دعوية شاملة، والتي تلتزم بالثوابتِ الشّرعية المُحدّدة، ويلبّي الإحتياجات الواقعية التي يجب أخْذها في النَظر الفقهيّ والأصوليّ لهذه الخريطة.

      ولاشك أن بعض التجمعات الإسلامية قد حَسَمت أمرها في شأن السبيل الذي تراه محققاً لأهدافها من حيث المشاركة في الحياة السياسية بالترشيح والإنتخاب وتكوين الأحزاب، وهي بالتحديد جماعة الإخوان والسلفيون (نقصد المتحولون منهم حديثاً إلى إعتبار أن السِياسة جُزءٌ من الإسلام على الأقل).

      ويبقى على السَاحة الدعوية، ممن ينتمى إلى الفكر الإسلاميّ المتكامل، عدد كبير ممن ينتمى إلى فِكر أهل السّنة والجَماعة، شَباباً وشُيوخاً، ممن لا تجْمعُه جماعةٌ واحدةٌ أو لواءٌ مُوّحد معروف، وهؤلاء قوة لا يُستهان بها إن قُدّر لها أن تبرُز على السَطح ويكون لها رؤوسٌ معروفة يلتفون حولها. ولعل السَبب الذي منع ذلك من قبل هو الموقف الحاسم والواضح الذي تبنته هذه القوى من الحياة السياسية في مصر. فبينما أخرج السفيون أنفسهم من المسرح السياسيّ بالكامل إختياراً، بتنبنى أنّ السياسة ليست من إهتمامهم وأنّ الخروج على وليّ الأمر حرامٌ شرعاً، وبينما اشترك الإخوان إختياراً في الحياة السياسية رغم عدم جدوى هذا الإشتراك من ناحية، وظلال المخالفة الشرعية عليه من ناحية أخرى، أعلنت قوى أهل السنة والجماعة الرفضٍ الكاملٍ والصارمٍ للعمل مع تحت ظل القوانين الوضعية التي لا تزال تسيطر على قدرٍ لا بأس به من القانون، وتحت ظلِّ الترويع الأمنيّ الذي يمنع ممارسة الحرية، التي هي أساس في المَشهدِ الإسْلاميّ السياسيّ، بأي قدر وعلى ايّ مستوى. وكان هذا الموقفُ سبباً في إختفاء القيادات الفكرية لهذا الإتجاه، وإنعدام القيادات الحركية له.

      من هنا نجدُ أنّ هذا الإتجاه الإخير هو الذي لم يَحسِمُ مواقِفه بعد، ولم يتبيّن له قيادات تُعين على حَسم هذا الموقف. ولعل أحدُ اسباب هذا هو ذلك العدد الضخم من التجمعات الصغيرة، التي وإن كانت يجمعها إتجاه عقديّ واحد فقد تناثرت في كل ناحيةٍ وتواجَدت في كل مَنظومَة، بلا رابط ولا ضابط.

      وإن كان لنا أن نتَحسّسَ ما يمكن أن يكونَ موقفاً لهؤلاء، بشكلٍ عام، وجدنا أنه يتلخّص في الآتي:

      • إستمرار الجهد الدعويّ بشكلٍ أكثر علانية وتركيزاً.
      • تنسيق بين التجمعات التي تنتمى لنفس الفكر درأً للتشتت والتنافر.
      • مقاطعة العَمل السِياسيّ الرَسميّ، حتى تتبيّن المَعالم النهائية للدستور الجديد على الأقل، وإلى أن تفعّل المادة الثانية من ناحية، ورفع سقفها إلى النصّ على أن الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع.

      وتفاصيل هذه الخارطة تحتاجُ إلى الكثير من الإيضاحِ والتنسيق، إذ لن يكون لها نجاحٌ إن لم تتخذُ موقفاً مُوحّداً، أو شِبه مُوحّدٍ، من طَريقة العمل، وأسسها الشرعية والأصولية. دون هذا الإيضاحِ والتنسيق، ودون هذا التأصيل والتأسيس، فلن يجد ابناء هذا الإتجاه ما يلتفون حوله بشكلٍ موَحّدٍ فاعل.

      وقد أعددنا ورقةَ عملٍ تضع تصوراً للمرحلة المقبلة، وإن كنا لا نرى جدوى عرضها إلا إن وُجد من هم جادون في التعاوُن عليها والحوار من حولها، وهو ما أرشدنا اليه مالكّ رضى الله عنه حيث كَرِه الحَديث فيما ليس تحته عمل.

      هذا المشهد السياسيّ الإسلاميّ، يعتبر تحدّياً حقيقياً لقدرة دُعاةِ الإسلام ومُنظّريهم وفقهائهم على التحرّك بشَكلٍ قويّ صَحيحٍ، فلا وقت للتلكؤ أو التريث، بل إن ساعة العمل قد حانت، فلا عُذر للمتخلفين بعد.