كُليّ أمل أن يكون شباب مصر قد أدرك أخيراً أن الثورة تَحتاجُ إلى عَمليات "نقل دمٍ" و"أنابيب تنفسٍ" سَريعة ومُكثفة، بعد أن كتمَ المَجلس العَسكريّ أنفاسَها وكمّم أفواهها وشلً حَركة تقدّمها، تحت شعارِ الإستقرار والأمن، نفس الشعار الذي إستخدمه نظام مبارك (الذي يظهر أنه غير قابل للإقتلاع!)، خلال عقودٍ من الظلم والإستبداد.
ولا أريد أن أكرّر نفسى بذكر مواقف الجيش التي تؤكد ولاءه الحقيقيّ لنظام مبارك، والتى ردّدتها مِراراً منذ يناير 28 حين حَاصَر الجيشُ مبنى الإذاعة والتليفزيون لحِمايته من السقوط في يد الثوار، والذي كان يعنى سقوط النظام حقاً، ولو تمّ آنذاك لمنعَ دماءاً أن تسيل وأرواحاً أن تُزهق. وقد أضافَ الجيش لهذه القائمة الطويلة من التحيز لنظام مبارك بالأمس قانون الأحزاب المُخزى الذي لم يبدّل شيئاً، إلا التلاعبَ بالكلماتِ والضَحك على "ذقون الشعب"، وترك تكوين الأحزاب بالمُصَادقة وليس بالإعلان، كما كان.
لكن أحسَب أن الثورةَ إن أرادت الحياة، فعليها أن تتحرّك الآن لإنقاذ مصر من الوقوع المُؤكد في أيدى نظامِ مبارك، الذي لا يزال كلّ رموزه في مناصبهم، في كافة المؤسّسات الحسّاسة بالدولة، بمساعدة العسكر وتحريضِهم، حتى من همُْ في الحبس "الخمسة نجوم"، بدأت بشائر قانون يخرجهم مرة أخرى لتخريب الحياة العامة مقابل ديّات مالية، دراهم معدودة. وهذا التحرك المُرتقب يوم الجمعة لعله يكون منقذاً لبقايا ما عُرف بالثورة في الماضى القريب.
الأعجب هو المَوقف المُخزى الغَافل المتكرّر لحَركة الإخوان (وأقصد قياداتهم من أهل القرار) والسَلفيين من هذا الحَراك الجديد والإنقاذ المَنشود. إذ كما يظهر أنّ "ريمه رجعت لعادتها القديمة"! فقد تغَافل الإخوان عن ذِكر أي خبر عن هذا النداء، بله إعلان الإشتراك فيه، وهو ذات المَوقفِ المَصْلحيّ الذي تعوّدت الإخوان أن تتّخذه من أي فعلٍ، الإنتظار والمراقبة، ثمّ ركوب الموجة وردّ الفعل، وهو ما حدث في ثورة 25 يناير، ثم في "الحوار" مع عُمر سُليمان. فالإخوان، يختبئون عادة خلف غيرهم، حتى يتبين الجانب الظافر، فيُطل الإخوان برؤوسهم ويشاركون في الأحداث وكأنهم جُزءٌ من صَانعيها. وهم كذلك لا يريدون أن يضَحّوا بأن يقال عنهم إنهم خارجين على الشرعية التي إكتسبوها، ويقنعوا من الغنيمة بالإياب من باب "عصفورٌ في اليد" و "اللى يرضى بقليله ..". وواللهن يشهد الله اني لا أعادى الإخوان، ولا أتمنى لهم إلا النَجاَح، بشروطه الشرعية، لكنى لا أعرف سّبباً لهذه السياسة المتبعة التي يسيرون عليها دهوراً دون أن تثبت شرعاً أو تنجح واقعاً.
أما السّلفيون، فالظاهر أنهم عَديمي الخِبرة بالسِياسة، إذ لم يُعانوا مُمارستها إلا منذ أيام! أو لعلّهم، كما حَدث مع "ريمةً الإخوان" أنّ ريمةَ السلفيين" عادت مَرة أخرى إلى مُوالاة من بيده القوة والقرار مَهمَاً كان وأيَاً كان، وهو المَجلس العسكري في هذه الحالة، ومن ثمّ فلا يجب نقدهم علانية كما تعوّدوا أن يقولوا عن مبارك، وليّ أمْرِهم حتى الحادى عشر من فبراير الماضى!
ألا يعلم هؤلاء وأولئك أنّ اي تقدمٍ يُحرز في خط الثورة التصَاعديّ هو كَسب للمُسلمين، ومزيدٌ من الحُرّية الحقيقية لهم في نشر الدين الحقّ والدعوة الآمنة؟ إذ إنّ خط الثورة الآن ينحو منحَى التقهقر المُستمر السريع، وإن هؤلاء وأولئك هم أول من سيكون ضَحيّة العَودة إلى الوَراء دون ضَماناتٍ حقيقية على تطهيرِ الفَساد وإرساء أسُس الحُرية الحقة. ثم ألا يفهم هؤلاء وأولئك أن الأمر أمرُ مَبدإ قبل أن يكون تكريساً لمكسبٍ أو حفاظاً على أرضيةٍ.؟ ألا يفهم هؤلاء وأولئك أنّ الإخلاص لا يتجزأ؟ وأن الله سُبحانه حَضّ على الوفاء بالعقود، مَكتوبة أو مُشافهة أو ضِمنية، مع كائناً من كان، فرداً أو جماعة أوكيانٍ؟
وأتحفظ، أخيراً، على ما قدّمت، فلعل الإخوان سيشاركون دون إعلان عن ذلك، لكن حتى هذا يُعتبرُ تَراجُعاً عن الصّف، وهلعاً من المُواجهة، قد ولّدتها عقودٌ من الفعل وردّ الفعل مع أنظمةٍ كافرةٍ طاغيةٍ، وعدم إستعداد لدورٍ رئيس حقيقيّ في الواقع المَرجو لما باتت عليه الحالة النفسية الهالِعة لقيادات الإخوان العتيقة.
ثم، يبقى عدد المشاركينً يوم الجمعة موضع إختبارٍ لشَهية الشَعب المِصريّ على تحقيق التَحرّر الحَقيقيّ، وعلى قدرَةِ الدّاعين له على حَشدِ الجُمُوع، وهو ما ينتظِره العسكر، فإمّا المِليونية، أو سيضربون بيدٍ من حديد، فإنتبهوا...
(كلمة هامسة في أذُنِ إخواني من أهل السّنة أنّ التظاهُرَ السِلميّ مَشروعٌ إن طالبَ بجلبِ حقٍ أو هدف إلى درأ باطل، والغريب أنّ هذا التجَمّع ليس فيه من دعاة الإسلام أحدٌ).