فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      التَضليلِ الإعْلاميّ بين العِلمانية والإسلام

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      لا يزال الإعلام العلمانيّ اللادينيّ في مِصر، وهو الإتجاه المُتحَكّم في كَافة أجهزة الإعلام الرَسمية والخَاصة، يُزوّر في نقل التوجه العام لشعب مصر المسلم، ويصور أمر المعركة التي تدور تحت سطح الأحداث أنه أمر صراعٍ بين الجماعات الإسلامية، كالإخوان والسلفيين، وبين المتنورين والمثقفين من أبناء الشعب من ناحية أخرى، وهو التصور الذي يَحطّ من قدرِ طبقات الشعب عامة ويضع الشعب المصريّ في صفوف الجهلة والمعاتيه، الذين لا يجب ان يوكل لهم أمر نفسهم، بل تجب الوصاية عليهم، تماماً كما يُعامل كلّ ديكتاتور أبناء شعبه، وكما كان مبارك يرى المصريين، جهلةٌ غير راشدين!

      كذلك يُصَوِّر هذا الإعْلام المُضَلل، الذي تركَ العَسكر رؤوس الفَسَاد تعبثُ فيه كما تشاء، القضية على أنها خَيار بين دولة مدنية ودولة دينية، دولة معتدلة ودولة متطرفة، دولة ديموقراطية مثقفة ودولة ديكتاتورية متخلفة. وهو التصور الذي يهين العقل ويحطّ الكرامة ويُلغي ثقافة الأمة ودينها لحسابِ عددٍ من التغريبيين المَهزومين أمام ثقافة الغَرب، المفتونين بالإباحية والفَحشاء، الدّاعين لإطلاق كلّ الحُريات العَابثة، إلا حرية التدين، وإن أرادتها الأغلبية.

      والحق أن الإعلاميين هؤلاء واقعون في ورطةِ البحثِ عن بديلٍ يتملقونه، إذ تشعر أنهم لا يسيرون على خُطة مُحدّدة المعالم، بين مُحاولة إظهار تمجيد الثَورة من ناحية، والدسِّ لترويج مفاهيمَ مضادة لحُكمِ الأغلبيةِ الثائرةِ من ناحيةٍ أخرى. وما ذلك إلا لأن هؤلاء الإعلاميين لم يتعودوا جَو الحُرية والمُمارسة الهَادفة الخَادمة للشعبِ، بل تعوّدوا العمل في إتجاه واحد، تمجيد السلطة، وتملّق مُمثليها ورؤوسها. ومن ثم فهُمُ اليوم ينظرون حولهم باحثين عمن ينافقون، وإلى من يتزلّفون، ويدركون أنه سيطول إنتظارِهم حتى يتمّ إنتخاب رُموز جديدة، يَسهل عليهم التزلف لها، وممارسة العمل الإعلاميّ الذي تعودوه دون ضغط أو إجهاد.

      ونحن نؤكد هنا ما سَبق أن رددناه سابقا مراتٍ عديدة (انظر http://www.tariqabdelhaleem.com/new/Artical-7616) أن المدنية التي يتحدثون عنها هي اللادينية التي يتخفى وراءها الكفر بدين الله، ولا علاقة لها بمنطوق المَدنية أو مَفهومه. فالمَدنية هي عَكس العَسكرية، والحكومة المدنية، في العُرفِ السياسيّ، بكل دول العالم، أنها الحُكومة التي يَرأسُها مدنيون غير عسكريين. والدولة المدنية هي التي تحكُمها حُكومة مدنية. أما الدولة الدينية، فهي، أولاً، ليست عكس الدولة المدنية، بل الدولة الدينية تخالف الدولة اللادينية العلمانية، إذ تقوم على اساس أن الحكم فيها يرجعُ إلى مرجعيات دينية تتولى السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية، كما هو الأمر في الدَولة الإيرانية الصّفَوية. ثم، ثانياً، فإن الدولة الإسلامية السّنية لا يمكن وصفها بالدولة الدينية، إذ ليس فيها مرجعيات دينية بشرية تشابه مَلالي الفرس الصفويين، أو قساوسة وكرادلة النصارى، كما ليس لها رأسٌ دينيّ يشرّع كما في حالة الخمينيّ وخمائينيّ، المشابهين للبابا بنديكت الكاثوليكي بروما أو البابا نظير جيد الأرثوذوكسي بمصر.

      الدولة الإسلامية هي الدولة المدنية، إذ يتوفر فيها كل شُروط هذا المُصْطلح شكلاً وموضوعاً، دون إلتواءٍ به أو تضليل. الدولة الإسلامية دولة دينها الإسلام، الذي هو دين الأغلبية المطلقة، ومرجعيتها الوحيدة التي تسْتقى منها الأحْكام هي الشَريعة الإسلامية، وهي أكثر من كَافية لو كانوا يعلمون، إذ تحتوى على كافة المَبادئ القانونِية التي تقوم عليها كافة القوانين الوضعية سواءاً بسواء، بل إن هذه المبادئ القانونية كانت مرجعاً ونبراساً لفقهاء القوانين الوضعية في أنحاء العالم منذ قرون، يشهد على ذلك عميد القانون في بلاد العرب الدكتور عبد الرزّاق السَنهورى. الفارق هو أن مصدر القوانين الوضعية هم الناس، ومصدر هذه القوانين هو ربُّ الناس، وشتّان بين المصدرين. مصدرٌ لا يعرف إلا ما ذرعه الله في فطرته، متلبساً بغريزته وشهواته، مختلطاً بعقله ونظراته، متأثّراً بتجارُبه وحاجياته. ومَصدرٌ يعرفُ الناس، وما يَصْلُحُ لهم وما يُصْلِحُهُم، في كلّ صَغيرةٍ وكبيرة، وكلّ شَاردةٍ وواردةٍ، هفواتهم وكبواتهم، وسُمُوّهم ودُنوّهم، وكلِّ حالاتهم "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ" الملك14. فالدولة التي تتخذُ شَريعة الإسلامِ مَرجِعاً هي الدولةِ المَدنيةِ، المُتمدّنَة، التي تعطى كُلٌّ ما يستحق، مسلماً أو غيرَ مُسلمٍ، بل هي، كما عبّر الكاتب القبطيّ المُنصِف، ذو الرؤية الشَاملة "الشريعة صِمام أمان المَسيحية في مصر".

      الدولة الإسلامية المَدنية، المُتمدّنة، غير العسكرية، هي أفضل ما يمكن أن يتحاكم اليه الناس، مُسلِمُهم وغيرُ مُسلِمِهم، على السواء. المُسلم لآنها مقتضى توحيده وطاعته التي بغيرها لا يعود مُسلماً، وغير المُسلمِ لأنّ فيها العَدل والرَحمة والإنصاف "أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْمًۭا لِّقَوْمٍۢ يُوقِنُون" َالمائدة 50.