فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      في دنيا العرب: القــوة فوق الحــق، والحكومـة فوق الأمــة!

      من المحزن المضن أن تنقلب الأمور رأساً على عقب، وأن تتغير المعايير وتتبدل المفاهيم وتضطرب، ويصبح الغازي محرراً، والمقتول معتدياً! هي الفتنة التي أشار اليها الحديث الصحيح: فتنة القاعد فيها خير من الماشي والماشي خير من الراكب. الذي لا ريب فيه أن القوة في عالمنا البشري عامة، وعلى أرض العرب خاصة، هي التي أصبحت تتحكم في الحق وتصبغه بصبغتها وتلونه بلونها، فبات الحق هو ما تقرره القوة وما تريده أن يكون، إذ أن من يحمل القـوة لا عليه الا أن يعيد تعريف الحق ثم يقدمه للناس، ويتجاهل نداءات الحق "الحقيقيّ" ويتجاهله ويصر على الالتفاف من حوله دون الدخول في حوار مواجهة معه، لأنه يعلم أن للحق بريق وقوة جذب قوي ستظهر عوار "حقه" الباطل.

      رفضت الحكومات العربية أن تتدخل لصالح "الحق" "بالقوة" بل وأعلن بعضها أن خيارهم الوحيد هو "السلام" يعنون به "الإستسلام"! يقولون للعدو صاحب الحق الزائف أنه "وإن ظُلمنا، وإن قُتلنا، وإن أُهينت كرامتنا، وإن تشوهت صورتنا واستبيحت نساؤنا وقتل أطفالنا ونهبت ثرواتنا واستهدف ديننا وثقافتنا، فإننا لن نلجأ للقوة، بل سندع "الحق" ينقذنا من هذه الويلات!!" وهو أمر مضحك مبكى. ففقدوا الحق في مواجهة الغزو بعد أن ارتضوا فقدان القوة.

      ومبدأ أن القوة قبل الحق وفوقه هو المبدأ العامل الفاعل على المستوى القومي والدولي، ومبدأ الإستعمار بالقوة وإخضاع الحق لها مبدأ معمول به في أرض العرب منذ عقود طويلة. فعلى المستوى القومي، الحكومات العربية احتكرت الحق لنفسها بعد أن استَعمَرت شعوبها بالقوة ومنعتها من ممارسة حقها المشروع في الدفاع عن نفسها، واختارت لتلك الشعوب حق آخر نيابة عنها وهو حق الضعف والهوان والإنهزام! وعلى المستوى الدولي، احتكر الغزاة من أصحاب القوة الحق لأنفسهم، وزيفوا حقاً جديداً لم يهتموا حتى باتقانه أو تحسين وجهه، فما عليهم من ذلك وهم أصحاب القوة الوحيدة في الحلبة، بعد انسحاب الحكومات العربية التي يفترض أنها تمثل الشعوب المسلمة وأعلنت ضعفها وهوانها واستهانت بقوى جيوشها وجعلت قواتها المسلحة تبدو كامرأة لا حول لها ولا قوة. ثم إن الحكومات بعد أن استعمرت شعوبها بالقوة وزيفت حقاً يكرس الضعف والهوان في مواجهة الغازي، أعلنت أنها فوق الأمة، الأمة التي أعربت عن رغباتها واضحة جلية في انتفاضات أبنائها وصرخات شبابها بالرغبة في استعادة الحق بالقوة، ولكن الحكومات العربية عاملت أمتها كعادتها في ذلك معاملة الطفل غير الراشد، الذي يقع تحت ولاية ذويه، فهم الذين يقررون عنه إن كان له حق تناول بعض الحلوى أو أنه ليس من الجيد له تناولها! مهما بكى واشتكى، فهم أولياء أمره والأوصياء عليه، ذلك مثال معاملة الحكومات لأمتها في عالمنا العربي والإسلامي! ثم يقول البعض أن الحق فوق القوة، والأمة فوق القانون! وهم ومثالية لا ظل له على وجه الأرض يستظل به العرب والمسلمون من رمضاء الواقع الذي ُكبِتت فيه رغباتهم وأُهينت كرامتهم واستبيحت أعراضهم وأنكر عليهم حقهم في التمتع بقوتهم وتجنيدها لصالحهم. علت نعال الغزاة رقابنا ورقاب حكامنا لأن الغزاة هم أصحاب القوة، وكأن أمتنا لا قوة لها، وعلت نعال حكام أمتنا وحكوماتها رقاب أبنائها لأنهم أصحاب القوة "الأمنية" فكانت الحكومة، بكل معان الكلمة، فوق الأمة.