فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      يا شَبابَ الثورةِ .. تمسّكوا بدينكم

      أحزنني ما ورد في جريدة الدستور الأصلي، ذات الإتجاه اللادينيّ (العلمانيّ)، عن عَددٍ من أبناء الثورة وشَبابها، إن صَحّ ما أورَدته الصحيفة، عن ناصر عبد الحميد، أنهم يسعون إلى تكوين حزبٍ "يسُد الطَريق على الإخوان".

      الأمر، يا شباب الثورة، أنه حين نتحدّث عن العلمانية، لم يعد أمر سياسة. ومن أوحى اليكم بغير هذا فقد خدعكم، ومن منكم سوّلت له نفسه غير ذاك، فقد غَرّه الغَرور (الشيطان). ولننظر فيما تعنى العلمانية، أو بتعبيرٍ صحيح، العالمانية، في كلمات قليلة.

      فالعلمانية، نسبةٌ للعلم، وأقرب ترجمة لها من الإنجليزية هي (Scientific) أي علميّ، إذ ليس في الإنجليزية مصدر من العلم مواز اهذا التعبير، وهي تعني إستخدام العلم فيما يخُصّ أمور الدنيا ومصالحها، بعيداً عن مرجِعية الحُكم. أما العَالمانية، نسبة إلى العَالم المَحسوس، فترجمة من (Secularism)، وهي تعنى غَضّ النَظر عن كلّ ما هو إلهي أو ما هو من المرجعية الدينية التي تؤمن بالغيب، وتكتفي بالوَضعيات البَشرية لإدارة شُؤون الناس. والفارق بينهما شاسع. وقد تعمّد مترجموا نصارى لبنان في اوائل القرن إستخدام كلمة علمانية لعكسِ مَفهوم Secularism، لتكون أهون وقعاً وأسهل منفذا لقلوب المُسلمين في بلادهم.

      إذن، من هنا نفهم أنّ رديف العلمانية المحرّفة – أو العالمانية - هو اللادينية، فالعلمانية تعنى فصل الدين عن الدنيا، وإتخاذ المَرجعية البشرية الوضْعية اساساً لبناء الدولة، والتحاكُم بها بين الناس، على اسَاس أنّ تنزيل الشَرع لا يرجع إلى ما هو من قبيل المَحسوسٌ، بل هو غَيبيّ لا يصِحُ للوضعيين أن يعتبروه في منظومتهم العلمانية.

      وهذا الفصلُ بين من هو دينيّ وما هو دنيويّ، او فصْل الدين عن الدولة، أو فَصلِ الدين عن السِياسة، أيها شئت، كلّها يمكن ان تكون صحيحة بالنسبة للدين القبطي النصرانيّ، لأن هذا الدين مبنيّ على أنّ مملكة الدنيا منفصلة عن مَملكة الآخرة، التي هي مملكة المسيح وأتباعه، كما يزعمون، وليس للنصرانيّ أن يتدخل في شؤون مملكة الدنيا. ومن أراد أن يتأكد فليسأل إذن نظير جيد (الشهير بشنوده).

      أما الإسلام، فهو على النقيض من هذا المفهوم جملةً وتفصيلاً. إذ الحُكم بشريعة الله هو لازمُ توحيده، بلا غَبشٍ أو تَحيّل. ولا داعٍ اتذكير أحدٍ بما قال تعالى "وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُون"المائدة 47َ، أو "َفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْمًۭا لِّقَوْمٍۢ يُوقِنُون"المائدة50َ  أو "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا۟ فِىٓ أَنفُسِهِمْ حَرَجًۭا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًۭا"النساء 65.  وغيرها عشرات الآيات، واحداث السيرة الطاهرة، تؤكد على أنّ ذلك هو مقتضى طاعة الله وتطبيق التسليم له، وإلا فإن إتخاذ القرآن كحجاب يضعه المسلم في كؤخرة سيارته، ويقبّله حين يُقسم قسماً، لا يجعل المرء مسلماً حتى يعتقد أن الحكم لله وحده، ويعمل على القيام بما يمكنه ليحول دون فكر الكفر الذي يكذب آيات الله البينة.

      إذا، وبدون تفصيل فقهيّ أو اصوليّ، نكتفي بما يخاطب الفطرة، ويتوجه إلى العقل ويستلهم المنطق، هل يُمكن ان يكون بعد قول الله هذا قولٌ لمن كان مسلماً؟ لا والله، ما رقض أحدٌ هذا إلا ابتلي بالكفر دفعة واحدة. ولسنا نخشى اليوم ما يروّجه كفار العلمانية اللادينية من تهمة "التكفير"، فهم من جلبوا هذا الوصف على أنعسهم، ومن كان جاهلاً منهم عرّفناه، ومن كان متشككاً جَادلناه، ومن كان مُصراً وصفناه بما يستحق، ولا كرامة.

      يا شباب الثورة، إرجعوا رشدكم، ولا تنخدعوا بكلماتٍ براقةٍ خدّاعة كاليسارية والعِلمانية والتقدمية وأن الدين لله والوطن للجميع، فللمسلم، الدين والوطن وكلّ شيئ هو  لله. والتقدم في الإسلام، والحُرية في الإسلام، والحقُ في الإسلام، والعدالةُ في الإسلام، والمُساواةُ والمواطَنة الحقَة على أساس عقد الذِمة في الإسْلام، والوسَطية الحَقة في الإسلام، وما في غيره إلا الباطل، إن كنتم مسلمين.

      هدانا الله وإياكم.