فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      وثائق أمنِ الدّولة .. وعِمالة أدعياء السَلَفيّة المَدخلية

      سُبحان الله العظيم، كم تكْشِف الأيام من نفاقِ المنافقين وفسادِ الفاسدين وبِدعِ المُبتدعين، "وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ" آل عمران 140. بل كشفت الأيام، بتداول أحداثها، ما يتجاوز خَيال المتخيّلين وتوقّعات المُتوقعين. وتجلّى هذا الأمر فيما كشَفت عنه تلك الوثائق التي وقعت في أيدى المصريين من مَخابئ وسَراديق أمن الدولة، الذي كان يدُ دولة الكُفر والظُلم والفِسق التي يبطش بها، وعينُه التي يتجسّس بها.

      ولا نقصُد تلك التّفاهات التي ردّدَتها وسَائل الأعلام عن بعض الإعلاميين المَعروفين من أهل النفاق والتلوّن ممن ليس لهم قيمة اصلاً في قليلٍ أو كثير، لكن نتحدّث هنا عن طائفة ممن إنتسب إلى السّلفية زوراً، وانتحل إسمها بهتاناً، وهم من أسميتهم فيما كَتَبتُ من قبل "أدعياء السلفية"، وهم أتباع الجامية المدخليّة من متطرّفي أهل البدعة الإرجائية من أهل الغلوّ والهوى.

      وحتى يعلم القارئُ من هم هؤلاء المَداخِلة، فهم فئة ممن زعِموا إتباعهم لمنهج السَلف، وساروا في ذلك وراء رَبيع المَدخليّ، اليمنيّ المولد، السعوديّ الجنسية، الذي خّرَج على المُسلمين بقول أنّ الحاكم، اياً كان ومهما فعل، هو وليّ أمر المسلمين الواجب الطاعة مطلقاً، ولا يصحُّ الخروج عليه، لا سلماً ولا عنوة، بل لا يصح إنتقاده فيما يفعل "لعدم شقّ الصَفّ" بزعمِهم. واستدلوا في هذا بما ورد من صحيح الحديث الذي طبّقوه في غير مناطه من الحُكام المسلمين العُصاة ممن يتخذ الشريعة مرجعاً، وإن ظلم وفسق، وفي خلط مناط الخروج السلميّ بما حرُم من الخروج المُسلّح، إلا بشُروطه. وقد لقي هذا الإتجاه النظرِىّ ترحيباً عملياً من دولٍ أرادت أن تتخذه درعاً ضدّ أية محاولة للإصلاح أو التغيير، حيث نجد أنه قد مُنح أربابه نفوذاً عريضاً بعد غَزو العِراق للكويت وإصْدار فتوى حِلِّ الإستعانة بقواتٍ أمريكية للوقوف في وجهه، وهي الفتوى التي لم تلق ترحيباً آنذاك.

      لكن كان من تداعِيات الموقف السّياسيّ وقتها أنْ مُنح هؤلاء السَطوة والمَال لنشرِ آرائِهم هذه في الجامعات والتجمعات الإسلامية، دعماً للنظمِ الحَاكِمة، بل وصل الأمر إلى تكميم أفواه من يرى خلاف ذلك من أهل السنة والجماعة، وترويعهم في وظائفهم وتعاقداتهم، حيث بدأت البدعَة في التطوّر وراء قول من ابتدعها، وبدأ الأذنابُ في تطويرِ قولِهم ليصل إلى مشَارف الكفر بحِلّ التجَسّس على من يتبنى قولا آخر وإبلاغ السلطات للتعامل معه، وهو ما يدخل تحت بابِ الولاء لغير الله ومناصرة الظلم والفسق بل والكفر، إذ لا خِلاف على فِسق هذه الأنظِمة كلها على أقلّ تقدير.

      نعم، تجَاوز هؤلاء ما لا يمكن أن يتصوّره حتى أعداء الإسلام بما ظهر من خياناتهم وعمالتهم ووشايتهم بالمسلمين كأوضح ما يكون في مصر بعد سقوط النظام، وإجتياح جهاز أمن الدولة، فجاءت الأنباء من أوثق المَصَادر عن وثائق تبيّن صِلَة هؤلاء بأمنِ الدولة وعِمالتهم له ووشايتهم بالمسلمين، على عِلمهم بما يفعله هؤلاء بالمسلمين في أقبيتهم من تعذيب بالكهرباءِ والكَيّ والإغتصاب، وما لا يتصوره عقل، بل ويفتخرُ هؤلاء بما يقولون ويفعلون، ويسْتلهمون في ذلك مَشايخهم ومنهم أسامة القوصى ومجدى سلطان ومحمد إبراهيم. وعجيب أن يجلس الشباب مجلس المتعلم من هذا القوصيّ، الذي أقل اقواله فساداً قوله بصِحّة ولاية النَصرانيّ، وقاسَ ذلك على تنصيبِ يوسف عليه السلام تحت إمرَة فرعون مصر! ومنطوق الآيات يشهد بأنّ يوسف عليه السلام كان في حَالة تمكينٍ تامٍ يتصّرف في أرض مِصر بما يُملى الله سُبحانه ومما لا يتعارض مع التوحيد، وأين هذا من حكومات يحكمها علمانيون يشيعون الفاحشة والكفر، بل ويريد الرجل أن ينتصب قبطيّ رئيساً لتكون الطامة الكبرى. ثم أين نذهب بما هو معلومٌ من الدين بالضرورة من عُلوّ الإسلام على ما عَداه، وأن لا ولاية لكافرٍ على مسلمٍ، ولا وصية لكافرٍ على مسلمٍ، ولا تُقبل شهادة الكافر بنصّ القرآن، فكيف يا ذوى العقول الخاوية تَصِحُ وِلايته العَامة على الأمّة كلها؟ وهذا غَيضٌ من فيض هُراءات هؤلاء الواشِين المُعتَدين على كِتاب الله وسُنة رسُوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.  

      هؤلاء الذين ارتكبوا الوشاية وتسببوا في تعذيبِ المُسلمين، ممن ثبُت تواطأهم مع أمن الدولة، يجب أن يُكشف سِترهم، ويُهتك غطاؤهم، وأن تُقدم البلاغات إلى النيابة العامة بأسمائهم ليحَاسَبوا على خِيانتهم في الدنيا قبل الآخرة، فمثلهم في ذلك مثل كلّ عُملاء الظُلم والقَهر، بل أشدّ وأخَسّ لتعَلقِهِم بكتابِ الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، نفاقاً ورياءاً، ولا يجب أن تلهينا لِحاهُم عن هَواهُم، ولا جلابيبهم عن أكاذيبهم. ولهذا أدعو كلّ من عِنده دليلٌ على هؤلاء أن لا يتردّد في الإبلاغ عنهم للقصَاص من هؤلاء الذين وشوا وشرّدوا آباء وأبناء.

      وحتى لا نأخذ الحَابل بالناَبل، نقرّر أن من الجَماعات التي تُسمى نفسها بالسَلفيين، غير المَدْخليين، من رَفضِ هذا الهُراء والتطرّف والبَلاء بالوِشَاية والخيانة، ووقف ضِده، وإن وقعوا في عَاملٍ مُشترك بينهم وهو عدم صِحة الخُروج على الحَاكِم، حتى بان خطؤهم في أحداث الثورة المِصرية، وتبين لهم الخَلط في المَناطات، فحاولوا، ولا يزالون، أن يتراجَعوا عن مُقرّراتهم، مثل محمد حسّان ومن سَار سَيرُه.

      وعلى كلّ حالٍ، فإن الوَسَطية الشَرعية هي المَنجَى، ومَنهجُ أهل السُنّة والجَمَاعَة هو المَوئِل من مثل هذه البِدع الشنعاء التي لا تأتي لأصحابها إلا بالنَدامَة والحَسرةِ في الدُنيا والآخرة.