فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الساحة الباكستانية ... إلى أين؟

      تثير الأحداث الجارية على الساحة الباكستانية إهتمام كافة الأوساط السياسية الدولية لما لباكستان اليوم من دور محوريّ فيما يدّعيه الغرب من "حرب على الإرهاب"، أي الإسلام، وللدور الخبيث الذى يلعبه "برويز مشرف" في هذه الحرب المعلنة، من ولاء مطلق للغرب وعداء أصيل للإسلام.

      المحكمة الدستورة العليا

      وقد بدأت هذه الأحداث الأخيرة بما أثاره رئيس المحكمة الدستورية العليا "إفتخار شودرى" من إعتراض على تولى "مشرف" قيادة الجيش ورئاسة الوزارة في آن واحد، وإعرابه عن عزمه الوقوف ضد ذلك في الإنتخابات القادمة في البلاد بعد أشهر قلائل، إلى جانب فضح العديد من أعمال النهب الذي تمارسه حكومة مشرف كموقفها في موضوع خصخصة صناعة الصلب، ورفض المحكمة دستورية قانون الحسبة الذي يعطى قوات الأمن سلطات أعظم في مواجهة المسلمين.

      إلا أن الموضوع الأكبر الذي أثارته المحمة العليا، وفَضَح حكومة مشرف، هو قصة إختفاء العديد من الإسلاميين من باكستان بعد أن ساهمت قوات الأمن في "بيعهم" للأمريكيين FBI! وكان أن أصدرت المحكمة العليا أمرا يلزم وزارة الداخلية بإحضار المختفين للمثول بين يديّ القضاء الباكستاني.

      وكان أن حاول "مشرف" أن يثنى رئيس المحكمة عن هذا العزم بلا جدوى، وكان قرار عزله من منصبه في مارس 2007 وتوجيه تهم فساد له، بداية هذه الأحداث الأخيرة.

      وبعد قرار العزل تصدت نقابات المحامين والقضاة لهذا القرار وقامت مظاهرات عديدة، وعنيفة في بعض الأحيان، وحاولت الحكومة أن تستخدم القوى المناصرة لمشرف في مظاهرات مضادة أدت المواجهة فيها إلى مقتل عدد من أنصار شودرى في كراتشى. ولكن مدّ المعارضة كان قويا ونجح القانونيون في إصابة الحياة القانونية بشلل جزئي.

      أحداث المسجد الأحمر

      وفي محاولة يائسة من حكومة مشرف لتحويل الأنظار عن هذه المواجهة، افتعلت الحكومة مواجهة مع طلبة في مدرسة إسلامية في "المسجد الأحمر" في إسلام آباد من مناصرى القوى الإسلامية "طالبان" بعد أن تظاهر عدد من طلبتها ضد ماخور قريب من المسجد يتخذه العمال الصينيون مركزا للدعارة والمتعة الرخيصة، وطالبوا بإغلاق الماخور عنوة. وكانت أن صعّدت قوات الأمن – أو هكذا يطلقون عليها – أعمالها ضد طلبة المسجد وحاصرته، بعد أن أعربت واشنطن على لسان عدد من كبار المسؤلين فيها، عن رفضها مثل هذه الأعمال من إسلاميين بالمنطقة وأنّ السكوت عنها يضعف مركز الولايات المتحدة وحربها المدّعاة على "الإرهاب" – أعنى "الإسلام".

      ورغم استسلام أمام المسجد عبد العزيز غازى، أصرّ نائبه غازى عبد الرشيد على الصمود ضد هذه الطغمة الحاكمة، واستمر الحصار الوحشيّ مدة 9 أيام انتهى بمقتل عدد من قوات الأمن و200 من الطلبة ونائب الإمام رحمة الله عليه– رغم إدعاء الحكومة ان القتلى 80 طالبا.

      وكان الرسالة واضحة من حكومة مشرف إلى حكومة بوش، وهي – حسب كلمات الصحفي الباكستاني ورئيس حزب الأحرار الباكستاني فاروق طارق، الذي إعتقلته السلطات مرات عدة :"لا بأس عليكم، نحن أولياؤكم ونحن قادرون على إنجاز المهمة بأنفسنا".

      ولكن الضغط الناشئ من هذه الأحداث ومن جراء المواجهة مع رئيس المحكمة الدستورية العليا، أجبر مشرف على قبول قرار المحكمة الدستورية بإعادة شودري إلى رئاستها في يولية 2007.

      وكانت هذ ه المواجهة أحد أكبر التحديات التي تواجهه مشرف حاليا في محاولته للبقاء في الحكم.

      المواجهات القبائلية مع البشتون

      وقد أفرزت هذه المواجه مع طلبة المسجد الأحمر الموالين لطالبان تجدد التوتر في العلاقة بين الحكومة وبين قبائل البشتون صاحبة النسبة السكانية العالية في إقليم وزيرستان الجبلي شمال غرب البلاد والمعروفة بقدراتها القتالية التي جعلتها في منأى عن سيطرة الحكومة المركزية، كما عرف عنها إكرام الضيف وحمايته والحفاظ على التقاليد القبائلية والإسلامية. ونظرا لأن أهل قبيلة البشتون يعيش بعضهم داخل الحدود الباكستانية وبعضهم داخل الحدود الأفغانية، فإن علاقة القرابة والدم بينهما جعلت من هذه المنطقة موئلا وملاذا لطالبان ومنطلقا لهم لحرب حكومة كرزاي العميلة. وقد حاولت الحكومة شنّ هجوم بالجيش على هذه المناطق منذ أشهر عديدة إلا أن قواتها قد منيت بالخسارة واضطر مشرف ان يعقد هدنة مع هذه القبائل ولا يتدخل في شؤونها وهو ما جعل الولايات المتحدة تشكك في قدرته على السيطرة على الوضع وخدمة مصالحها كما تريد. وكان أن قدّم لها مشرّف قتلى المسجد الأحمر دليلا على القدرة والولاء! ومن ثمّ نبذت هذه القبائل الهدنة مع الحكومة وبدأت في مهاجمة قوات الجيش وقتلت العديد في الأسابيع الأخيرة، ككا يضعف موقف مشرّف في الإنتخابات الوشيكة.

      البدائل المطروحة

      أما عن البدائل المطروحة في تتمثل في وجهين سياسيين شاركا في إدارة البلاد من قبل وطرد كلاهما بتهمة الفساد من قبل! أولهما، وأقربهما ولاءاً للغرب الأمريكي بناذير بوتو، رئيسة الوزراء الأسبق، وإبنة السياسي الشهير ورئيس الوزراء الأسبق المقتول ذو الفقار على بوتو، وثانيهما نواز شريف رئيس الوزراء الأسبق ورئيس حزب الرابطة الإسلامية. وقد تبادلت بناذير بوتو ونواز شريف الرئاسة مرتين بالتناوب ، بين عام 1988 إلى ،1999 بعد إغتيال ضياء الحق 1988 وحتى استولى مشرف على الحكم عام 99.

      وبناذير بوتو، رئيسة حزب الشعب PPP، وجه علماني محض، تخرجت من جامعات بريطانيا وحملت رسالة العلمانية و"تحرير المرأة" الباكستانية كوجه لسياستها تجلب به رضا الغرب عنها. ولكن الفساد والرشاوى وتهريب الأموال التي ثبتت عليها وعلى أخيها قد يعوقان عودتها إلى الحياة السياسية بسهولة.

      أما نواز شريف فإن تاريخه أقرب لمصلحة الباكستانيين وأقل فسادا من غيره، وأبعد عن غيره من السيطرة الأمريكية. وقد استطاع مشرف، عن طريق الرشاوى والمناصب أن يضم لحزبه الحاكم عدد من سياسييّ حزب الرابطة الإسلامية. إلا أن عودة نواز شريف قد تكون ضربة لتلك السياسة وتوطئة لإنضمامهم إلى حزب الرابطة مرة أخرى.

      وعلى كل الأحوال، فإن الساحة الباكستانية تستدعى قدرا كبيرا من إهتمام المحللين السياسيين الإسلاميين، إذ إن دور الباكستانن كما ذكرنا، دور محوري في صناعة وتشكيل التركيبة السياسية الإسلامية الحاضرة، وفي الوقوف ضد المحاولة الصليبية الحالية في القضاء على دور الإسلام في حياة شعوب تلك المنطقة الحيوية المركزية وفي إعادة السيطرة الأفغانية الشعبية للأغلبية المسلمة في أفغانستان.

      د. طارق عبد الحليم