فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مقاصد الشريعة .. والتجديد السُنيّ المُعاصِر - 1

      د.طارق عبد الحليم

      الدوامة التي يعيشها الفكرُ الإسلاميّ السنيّ، بين إتجاهاتٍ عديدةٍ على الساحة في شِقّي الدّعوة، الفِكر والحَركة، والتحديات العريضة التي يتعرض لها الإسلام في عقر داره من العلمانيين والليبراليين، ومن ناحية، والقبط من ناحية أخرى، أدعى لأن يسعى السّاعون من أهل العلم لحسم الخلاف فيه، نظراً لطبيعة المرحلة القادمة في مصر خاصة، وفي العالم العربيّ المسلم عامة.

      ولو ذهبنا نتقصى الفروق القائِمة على مُستوى الفِكر والعَقيدة، نجد أن من هذه الفروق ما له أثرٌ على العقيدة والحركة جميعاً، ومنها ما يؤثر على العقيدة دون الحركة، ومنها ما يؤثر على الحركة دون العقيدة. كذلك نجد أنّ منها ما زال أثره بعد ساسلة الثورات التي تجتاح العالم العربيّ من مشرقه إلى مغربه.

      ونحن، في مقالنا هذا، ندّعى أن الخلافات العقدية القائمة، إن أغفلنا الشِرزمة القليلون الذين ينتمون لإتجاه الرافِضة، تظل مقبولة في ظلّ دولة مُسلمة يتنتمى لها أهل السنة وعدد من أهل البدع، الصغيرة أو المغلّظة، دون أن تتجاوز إلى الشِرك. كذلك ندّعى أنّ الخلافات الحركية، والتي تأثر بها منهج هذه الإتجَاهات الفكرية بشكلٍ شبه كاملٍ، ترجع جلّها إلى إنعدام النظر الفقهيّ في مقاصد الشرع، أو ضعفه على أحسن تقدير.

      وإذا ذهبنا ننظر في التوجّهات العَقدية والحركية للمسلمين من أصْحاب النظر الفقهيّ، نجد أنّها تنحصر في الآتي:

      1. أهل السّنة والجماعة: وهؤلاء يتّفقون على ضرورة الرجوع إلى الكتاب والسّنة بشكلٍ كاملٍ وتامٍ في القوانين التي تحكم المُجتمع، من خلال التوعية وإحياء الأمة. وكذلك يتفق هؤلاء على رَفض الشَكل الديموقراطيّ الغَربيّ الذي يُرجعونه إلى أن المَرجع في القانونية الدستورية فيه هي للشعب، وليست لله سبحانه. ينشأ عن هذه النقطة خلاف كَبيرٌ في تصوّر الحَركة وبالتالي شكل الحكم المقبول إسلامياً، وفي عدد كبيرٌ من المسائل الحساسة في الداخل والخارج، كالمسألة القبطية ومسألة ولاية المرأة وغيرهما.
      2. الجهاديون: : وهؤلاء يتّفقون على ضرورة الرجوع إلى الكتاب والسّنة بشكلٍ كاملٍ وتامٍ في القوانين التي تحكم المُجتمع، مع الإختلاف في تصوّر طريقة التغيير المطلوب. ومن الواضح أن هذا الإتجاه قد فقد كافة مقوّماته الفكرية التي تقوم على إستخدام القوة للتغيير بعد أن سقط النظام بالفعل، وبات العنف لا يعنى شيئاً إلا الصراع مع أفراد الشعب نفسه، ما لم يجد جديد.
      3. الإخوان المسلمون: وهم، كانوا أبداً في خندق الفِكر الإرجائيّ، الذي أثر على حركتهم في قبول الإنخراط في الأشكال البرلمانية الديكتاتورية التي تقوم على الفِكر العِلمانيّ، والتغاضى عن بعض المسلمات الفقهية كولاية المرأة والنصرانيّ. وهذا ما يفسر عدم إشتراكهم في التَخطيط  للثورة منذ لَحظتها الأولى، ثم في دورِهم المّشبوه في "التحَاور" مع النّظام البائد في مصر، جنباً إلى جنبٍ مع أسوأ الأحزاب الديكورية العَميلة، وبعيداً عن الحَركة الوطنية بشَكلٍ عام، مما أفقدَ الكثير من العَامة ثقتهم في الحَركة ومصداقية توجّهاتها لصَالح المجتمع، لا لصَالح وجودها الذاتيّ.
      4. السلفيون: وهؤلاء يتّفقون على ضرورة الرجوع إلى الكتاب والسّنة بشكلٍ كاملٍ وتامٍ في القوانين التي تحكم المُجتمع، مع خطئ هائل في النظر لمعطيات الواقع من ناحية، وهو ما دفعهم لرقض الثورة أولاً، وتوجهات شخصية مصلحية لدى عدد كبير من رؤوسهم من ناحية أخرى مما دفعهم لإستغلال الثورة لصالح تلميع صورهم لاحقاً. هذه التضاربات في التوجه تعكس خللا في الفهم عن الواقع وتحقيق مناطات الأحكام والهوى المردي، مما يضع مصداقية تحركاتهم على المحكّ.
      5. الليبراليون "المُسلمون": وهؤلاء متذبذبون في درجة تمسّكهم بقضية الرُجوع إلى الكتاب والسّنة بشكلٍ كاملٍ وتامٍ في القوانين التي تحكم المجتمع، إذ بينما يصرّحون في بعض القضايا بما يفيد إما عدم ضرورة هذا الحسَم فيها، أو بمحاولة إرجاعها إلى الشرع من خلال التلاعب بمفاهيم إسلامية كالوسطية والتجديد وقبول التعددية، مثل محمد سليم العوا ومحمد عمارة وفهمى هويدى.
      6. الصوفية: وهؤلاء، على أنّهم من أصحَاب البِدع المُغلّظَة والتي تصِل في بعض صُورها إلى الشِرك، فهم كانوا على الدوام خَدَمٌ للنظام القائم أيا كان إتجاهه. ولا يجب أن نعتبر هؤلاء حركة إذ هم مذهبٌ عقديّ خارج عن السّنة التي هي منهج الأغلبية، فلا نقيم لهم وزنا في موضوعنا هذا.
      7. "الدُعاة الجُدد المُستقلون": وهؤلاء أسوأ القوم حالاً وأخبثهم طوية وأجرأهم على دين الله سبحانه وأخطرهم على عقيدة المسلمين. إذ ليس لدى هؤلاء علم يستندون اليه، بل هم وليدي العصر الفاسق الذي حبس وإعتقل وكمم وطارد وطرد أصحاب النظر الإسلامي الصحيح، ونصف الصحيح، داخل مصرٍ وخارجها، وسَمَح لأجْهزة الإعلام بتلميعِ هؤلاء، مثل عمرو خالد، ليكونوا بديلاً لأهل الحق، أو أنصافه. وهؤلاء ممن يجب الحذر من أثرهم على العامة، وممن يجب أن يَكشف الدعاة المصلحون دورهم الخبيث، بعد أن رُفعت عن أفواههم الكمامات، واتيح لهم حمل الميكروفونات.

      ومما لا شك فيه أن التجديد، بمفهومه السنيّ الصحيح، والوسطية، بمعناها السلفيّ المحدّد، وقبول التعددية، في إطار منهج أهل السنة والجماعة، كلها مما يتطلبه الآن المسلم في بلادنا، إذ إن مقولة أنّ الإسلام صالح لكل زمان ومكان، يجب أن يتبعها تطبيق مباشر لها في أوجه الحياة المختلفة، وإلا أصبحت شعاراً لا معنى له. وما التقصير في تطبيق قولة الحقّ هذه إلا لقصور فهم المتصدّين للحركات الإسلامية من جهة، وإنحرافٍ في فهم من حاول تطبيقها من ناحية أخرى.

      ومن الضرورى الآن أن نسعى لفهم مقاصد الشريعة، في رتبها العليا، وقواعدها الكلية، ومن ثم في تطبيقاها الشرعية واحكامها الفقهية، ليسلم لنا نظر سنيّ صحيحٌ فيما يعرض علينا من المسائل الحيوية التي نتعرض لها في آننا هذا. وهو ما سنحاول عرضه في مقالاتنا القادمة من غدٍ إن شاء الله تعالى.