فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      تعديلُ الدُستور .. أم تبديلُ الدُستور!

      الإسلام فوق الثورة .. والله من ورائها حافظ

      الدعوة التي تتردّد بقوة بين عدد من "المثقفين"، ومن تأثروا بدعواهم من العَامة، برفض التعْديلات الدُستورية، والدعوة إلى كتابة دستور جديد، لا تخفى على قارئ الأحداث بعين فاحصة.

      فالسيناريو الحاليّ، والذي تمّ فيه تعديل موادٍ محددة تسمح بإجراء إنتخابات نيابية، ثم رئاسية بطريقة صحيحة ومراقبة قضائية، يتم بعدها تكليف لجنة تأسيسية لإعادة كتابة الدستور بتكليفٍ من مَجلس الشَعب المنتخب، يُضيّع الفرصة على تلك الأقلية التي تحاول نزع الهوية الإسلامية للأمة، وإبعادها عن ربها ورسولها، وتخليها عن دينها. ذلك أنّ إعادة كتابة الدستور الآن لن يتم إلا من قبلِ عدد ضئيلٍ من القانونيين، دون تمثيل حقيقيّ واسع لكافة الأطياف الشعبية، من خلال لجنة شعبية تأسيسية، والتي يعلم هؤلاء أن غالبها سيتمسك بالمادة التي تتعلق بالشريعة الإسلامية، وهي المادة المستهدفة في هذا التحرك المريب.

      ولا يقدم أولئك المنادينَ بتبديل الدُستور إرتجالاً، قبل إنتخاب لجنة تأسيسية عن طَريق مجلس الشعب، أي سَبب مقنعٍ أو منطقيٍّ لهذا الطلب. بل يقيمون دعواهم على شَكليةٍ لا تستقيمُ مع التسَلسُل الحَدثيّ لما يجرى في البلاد، وهي أنّ سقوط النِظام قد أسقط الدستور! وكأن النظام هيكلٌ خَرسانيّ إنهدم ودفن تحت أنقاضه الدستور، ولا طريق لإسترجاعه! وهذه الشَكلية، حتى بإفتراض صِحَة إعتبارها، مردودة مرفوضة، إذ إعلان سُقوط الدستور لا يكون إلا من جِهة شَعبية، كما سَقط النظام بجهةٍ شَعبيةٍ، هي الشعب كله، لا ممثليه. ونظراً لحلّ مَجلس الشعب، لم يعد هناك من يمثّل الشعب في إعلان سقوط الدستور، إنما يُمْكنُ لجِهة السّيادة الحَالية، وهي المَجلسِ العَسْكريّ، أن تُعلن إيقافَ العَمل به، حسب سَريان الأحكام العُرفية، ثم إعلان إستمرار العَملِ به، بعد تعْديله.

      والدستور، ليس وثيقة يجتمعُ عدد من الرجال، أيّا كان عِلمهم، لوضعها أو إنشائها دون إعتبار كافة مكونات هذه الوثيقة والرجوع إلى عناصرها ومركّباتها، فهو صِيغةُ عقدٍ إجتماعيّ مبنيّ على الموروثات الحضارية، ومعطيات الثقافة العامة، وطبيعة التركيبة الإجتماعية، وعوامل المُعاصَرة وثوابت الأمة ودعائم وجودها. وأي خللٍ في التوازن الدقيق بين هذه المركبات لا ينتج عنه إلا خللٌ تابعٌ في الأداء القومي والسلام الإجتماعيّ، وهو بالضرورة باعثٌ على الإضطراب المدنيّ  (civil unrest)الذي يَستدعى في طَيّاته ضَياع الحُرية وشيوعِ الظلم في طبقة أو طبقاتٍ من الشَعب، ضَاقت أو اتسعت هذه الطبقة. ولذلك فإن مهمة تبديل الدستور هي من أشقّ المَهام وأعقدها وأكثرَها حاجةً للوقت والجهد والفكر.

      إذن، هذا الضَغط في إتجاه تبديل الدُستور، إرتجالاً وتعسّفاً، ورفضِ تعديلاته المؤقتة، هو من مَلامِح الحَرَكة العِلمانية التي لا تدعُ باباً يتيح لها تأجيل أو تعطيل الحَركة نحو حرية حقيقية تسمح للأغلبية أن تفرِضَ رأيها. وهذا المطلب يتخفى وراء مصلحة الثورة وإدعاء ضرورة تبنّى بداية جديدة في كل مجالٍ. كيف والكلّ مُجمعٌ على ضَرورة إمهال الفترة الإنتقالية مدة أطول لترتيب الأوراقِ وضمانِ حسن الأداء وسَلاسة الإنتقال، فهل يُعقل أن يتم إعتساف أهم وثيقة في حياة الأمة، بعد القرآن الكريم وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وإختصارِ مراحل حضانتها وتكوينها وإخراجها متكاملة متوازنة.

      مرة أخرى، على شعبنا المسلم الصادق الواعي أن يتيقظ لهذه الدَعاوى التي لا يُراد بها إلا الإفساد في الأرض، فإن الإنتصار للأقلية، علمانية أو قبطية أو غير ذلك، لن يكون له دوام ولن ينشأ عنه إستقرار ولن تتحقق به حريةٌ، وسيعود وباله على هذه الأقليات إن عاجلاً أو آجلا. وفيما حدث في مصر، من جرّاء إنتصارِ أقلّية أهل المَال والسُلطة على الشَعب، عِبرةٌ لمن كان له قلبٌ أو ألقى السَمع وهو شَهيد.