فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      عونُ المَعبودِ في الرَدّ على الشيخ محمد عبد المقصود

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      في حلقة من حلقات قناة الناس، خصّصها المذيع خالد عبد الله للهجوم على الشَيخ المُجاهد حَازم ابو اسماعيل، وتشويه سمعته، من خلال استضافته للشيخ محمد عبد المقصود. وقد استمعت إلى هذه الحلقة بعناية فائقة. ولمّا كان حقاً علينا نصرُ المؤمنين، حتى من الطائفة التي تَبغى، كلاماً أو قتالاً، فإنه حقّ أن أعلق على ما جاء فيها من أغاليط وتجاوزات.

      ولِأُحقّ الحق، فإن الشيخَ محمد عبد المقصود رجلٌ له مكانته التي لا نُنكرها عليه، بل نُثبتها مع المحبة والإحترام، وإن كنا نخالف فيما يذهب اليه بعض تلامذته من إصباغ صفة الرموزية على مشايخٍ من ذوى الفضل، إغراقاً في التقديس.

      ولِأُحقّ الحق كذلك، فإني أثْبِتُ استهجاني لمقدم البرنامج الذي أدخل نفسه طرفاً في الحوار، وللطريقة الصبيانية التي ردّ بها على من قذفه وسَبّه، مع عدم رضاي بالقذف والسَبّ في هذا اللون من الخصومة. وكان أجدر به أن يركز على الموضوع، وان يلوم، إن إراد اللوم، من سّبه، ولا ينزل جَام غضبه الطفولي على موضوع حلقته، الذي لم يتعرض له فيما أعلم بكلمة واحدة.

      والحلقة كلها قد أظهرت الشيخ عبد المقصود على غير عادته من الود والتفكه، إلى الحدة والتجهم، والمذيع من أمامه، باسطٌ ذراعيه على مكتبه، قلقٌ متحفزٌ، لا يكاد يجد مناسبة يَخدِش فيها الشيخ حازم ابو اسماعيل إلا انتهزها، بسرعة وشراسة غير معهودة في برامج التلفاز. وهو ما يعكس الطبيعة الشخصية لهذا الحوار بالذات، ويقدح في موضوعيته كله ابتداءاً.

      على كلّ حال، دعونا ننظر فيما جاء به الشيخ الفاضل محمد عبد المقصود. فقد أحصيت تسعة وعشرين مَوضعاً جَاوز فيها الصواب، ولم يُجر الله فيها على فمه الحقّ. وسنتناولها هنا كلها بالنظر، لعله أن يراجع نفسه في كلها أو بعضها. وقد تتبّعت أقواله حسب ورودها في الحلقة المذكورة زمنياً.

      • اعتباره فتاوى الشيخين بن عثيمين والألباني في حِلّ دخول البرلمانات والإشتراك في العملية السياسية، وقد كان يناهضها من قبل أشد المناهضة. ولو أنه، كصاحبِ علمٍ، برّر رجوعه هذا لأسباب شرعية أو واقعية، لخرج بنفسه من موضع التقليد، ولأعطى تلامذته مثلاً في اتباع الدليل، لكنها ثقافة التقديس والتكديس تطغى على ثقافة الإجتهاد وتحرير النظر.
      • قوله إن الأمر يجب أن يُرَدّ إلى العلماء: وهي قولة حق في إطار باطل، إذ من قال أنه، وبعض من اتَصفوا بالعلم من أهل مصر، ممن ضَمّتهم هيئة، هم أنشؤوها، وأصبغوا عليها صفة العلمية والشرعية، هم العلماء الذين ليس في البلاد غيرهم، أو مثلهم، ومن ثم هم أولوا الأمر المَعنيين في الأية "وأولى الأمر منكم"؟ إذن نحن نستبدل المجلس العسكريّ وعصابته، بعدد محدودٍ من أصحاب العلم الذي لا يرون غيرهم أهلاً لذاك؟ وهل جمعية مثل هذه، تضم محمد حسان، يعلم الكلّ من هو محمد حسان وما هي مواقفه بعد سقوطه بالكلية من أعين الناس، يمكن أن تعتبر المَرجعِ العام للمسلمين دون غيرها؟ إذن من هم هؤلاء المشايخ الذين خالفوكم إذن واعتبروا الإعتصام فرضاً وواجباً كرفاعي سرور وحسن أبو الأشبال وصفوت بركات ووجدى غنيم، وغيرهم كثير داخل مصر وخارجها، من أهل العلم والتقوى؟ أم حَصَرتُم العلم في أنفسكم، ومنعتم عنه غيركم؟
      • ثم يستنكر الشيخ الإعتصام والخروج في شهر المحرم، ويتلو قول الله تعالى "يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تُحِلُّوا۟ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ" المائدة 2، وغيرها في هذا الباب. وينسى الشيخ أنّ الله سبحانه يقول "يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍۢ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌۭ فِيهِ كَبِيرٌۭ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌۢ بِهِۦ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِۦ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ ۚ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ" البقرة 217، حين قتلت سرية رسول الله صلى الله عليه وسلم بن الحضرمي. فما يريد هؤلاء بالدين أعظم من حرمة الشهر الحرام، إذ هي فتنة بلا مخالف. ثم، من الذي أحل الشهر الحرام، يا شيخ، هداك الله، المسالمون المعتصمون، أم البغاة المعتدون؟ ما هذا الخلط والتغبيش؟ ثم أألخروج لنصرة هؤلاء دون دفعٍ أو اعتداء هو إحلال للشهر الحرام؟ والله ما سمعنا بهذا من قبل من عالمٍ أو جاهل.
      • ثم، حين تعرض الشيخ، هداه الله، إلى موضوع النصرة، لم يأت فيه بقولٍ واحدٍ يعتبر دليلاً شرعياً على جواز ترك المقهور يضرب ويقتل أمام عينيك، فلا تنتصر له. وإنما لجأ إلى تقديراتٍ مبنية على آراءٍ، مثل أنه لا حق لهم في الإعتصام! وهو ما يناقضه فيها غيره بآرائهم. ثم تجاوز هذا الموضوع، الذي هو صلب المسألة في دقيقتين، ليتفرغ لسحل الشيخ حازم أبو اسماعيل.
      • ثم قال، إن هدف الخروج في 18 نوفمبر كان هو إلغاء الوثيقة، وقد غادرتم الميدان، أيها الفقهاء الشجعان، ولم يعلن العسكر إلغاءها، بل على العكس، صرح شاهينهم بأنها باقية، بل هي ملزمة، بل وعلمانية الدولة خطٌ أحمر لن يمكن تجاوزه! إذاً لم يكن لخروجكم أولاً سبب، ولم يكن يكن لإنصرافكم آخراً هدف. وما أحسب إلا أن الشيخ المجاهد حازم ما غادر يوم السبت إلا بناءاً على ضغطكم، غير راضٍ لعدم تحقق الهدف الذي أعلنتموه أنتم، وهو إلغاء الوثيقة! ومشكلتكم، يا أصحاب هذا اللون من السلفية، أنكم تصدقون الكاذب، وتسمعون للزنديق، وهو ما هزّ سمعتكم عند الشباب، لا ما قال أو فعل حازم أبو اسماعيل. هي تصرفاتكم، تعود عليكم بالنبذ والتطاول.
      • ثم يقول إنه إن لم يعجب الناس بقاء العسكريّ، فلنطرحه في استفتاء؟ سبحان الله، أليس هذا ما دعا اليه العسكر؟ أنسير في ركب هؤلاء اليوم؟ أصار هؤلاء من أصحاب القول الحق؟ مع العلم أنّ العلمانيين أنفسهم رفضوا هذا، لأن هؤلاء لم يتحكموا في الشعب بإستفتاء، بل هو مجرد الغصب والإستيلاء بالقوة. ثم هل عملوا بنتيجة الإستفتاء الأول، الذي كان على تسعة مواد، حولوها إلى 63 مادة، ثم غيروا فيها نصوصاً وبدلوا حروفاً، قلبت ما تدل عليه، لنذهب إلى إستفتاء آخر؟ ثم، أليست الأغلبية غير راضية عن حكم العسكر، فلم نلجأ إلى استفتاء؟ أم أننا راضون عن حكمهم الذي أتوا فيه بالجمل والسلميّ وعيسوى والفلول والطوارئ، وما لا يحصى من مضارات للشعب وهادمات للإسلام؟
      • ثم، يقول إن الشرطة لم تقتل الناس، عجيبٌ والله، ولولا أنه لا يزال في الرجل بقية علمٍ لسألته عن رتبته في البوليس! لو لم يكن إلا تسجيل الشناوى صائد العيون لما صحَ منه أن يدّعى مثل هذا الهراء. بالطبع الشرطة هي التى ضربت الشعب، وبالطبع هم من القوْا هذه القنابل والغازات، وبالطبع قد ترك لهم الجيش الفسحة ليفعلوا هذا. هذا من ألف باء قراءة الواقع. ألم تسمع يا شيخ بحمولة القنابل التي وردت للداخلية ورفض عدد من شرفاء الجمرك إدخالها؟ أكانت هذه مرسلة للفلول أم البلطجية؟ ألا إن تقوى الله لأمر صعب.
      • ثم، يبرّر عدم الخروج بأن هذه الأحداث كانت مفتعلة لضرب التيار الإسلاميّ، سواءاً حقيقة، أو بإلغاء الإنتخابات. وهو من أسخف وأضعف ما يمكن أن يقال في هذا الموقف. فكيف يضرب الجيش عدة ملايين رأيناها في 29 يوليو، بالفعل؟ هذا أمر محالٌ، إنما لَعِب عليكم المَجلس العَسكريّ لعبة وقعتم في خَيّتِها، فاتصل بعضهم ببعضكم، وأبلغه عدم حِكمة الخروج لمَنع التصادم، وحفاظاً على التيار الإسلامي!! فهي، في الحق، حِكمَة المجلس العسكريّ لا حِكمَتكم، وتوجِيهه لا توجِيهكم.
      • ثم يقول الشيخ، هداه الله، أنه كان من الممكن أن يتحقق المطلوب دون مجازر! كيف تقول هذا الكلام يا شيخ؟ أكنت تعيش في مصر العشرة أشهرٍ الماضية، أم تركتها؟ ولِمَ لَم يتحقق الهدف إلى يوم الناس هذا، بعد أن تطاولت المدة الإنتقالية من ستة أشهرٍ إلى عامين ونصف، لولا جهد المشايخ بحقٍ في الميدان، أعادوا للناس سنة كاملة منها؟ ثم أنتعامى عن المواجهة القادمة بسبب الوثيقة؟ أم أنك، ومن معك من "الرموز" ستترك المواجهة وتقنع بالأمانيّ والأحلام، من مقاعد البرلمان، على أن ذلك سيحل مشكلات الوثيقة؟
      • ثم يقول الشيخ، هداه الله، إن الدماء تعيّنت في 25 يناير لأنه قد ثبت أنه لا طريق غيره! سبحانك ربي! السلفية والإخوان لم  يخرجوا أصلاً في 25 يناير، إلا بعد أن ثبت أنها ثورة ناجحة. بل إن منكم من لا يزال يقول أنه لا يَصِح الخروج لأنه يؤدى إلى الإختلاط، وأن حكم مبارك أفضل من الفوضى، وأنت تعلم من أعنى. ولكنّ هذا المنطق الذي تتحدث به، هو هو منطقكم قبل 25 يناير، أفستنتظرون من يخرج للمواجهة، حقيقة لا تمويهاً، ثم تقولون الآن تعيّنت؟ وإن شاء الله يكتب الله لنا العمر لنرى ما سيكون من فريق العسكر في أمر الوثيقة وتوابعها، وكيف ستفعل "الرموز" ساعتها. وها هي اللعبة الجديدة التي يلعبها العسكريّ، لعبة المجلس الإستشاريّ المدنيّ، يستبدل بها السلميّ والجَمل، أعداء الله ورسوله، بمجلس من خبثاء المسلمين والعلمانيين، حتى يقال أن من رضي بالوثيقة مجلسٌ مدنيّ لا نائبٌ فردٌ.
      • ثم يقول الشيخ، هداه الله، لمن خَطّأه في هُجومه الشَرس على الشيخ حازم أبو اسماعيل، بأنه كيف يوجه اللوم في خلاف العلماء لصاحب رد الفعل ولا يُوجّه لصاحب الفعل. والله، لم يذكر الشيخ حازم اسماً واحداً، بل تحدث عن فضل من خَرَج، وعن منهج المقاومة، وعدم الصبر على المَهانة، وعن حياة الكرامة، وعن ضرورة عدم التخاذل والإنتكاس. فما يضيركم في ذلك، إلا الإحساس بالذنب والتقصير، وفقدان المؤيد والنصير.
      • ثم، يستشهد الشيخ بالحديث الذي حَسّنه الترمذي، عن معاذ رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من كتم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخيره من الحور العين ما شاء". وسبحان الله العظيم، كيف واتت الشيخ الجرأة على إيراد هذا الحديث الشريف دليلاً في هذا المَوضع. أقَصَد الشيخ أنّ من رأي أمامه رجالاً ونساءاً يُقتلون، وكانت معه من الكثرة ما يُمَكّنه الوقوف معهم وصدّ القتله عنهم، كَظم غيظه، فرضىَ عنه المولي سبحانه بهذا؟ والله إن فاعل هذا لن يرى من حور العين طَرَفٌ ولا ظِفر إلا ما شاء الله. بل هذا حديث عن كظم الغيظ في الأمور الفردية التي تنشُب بين الناس، ولا ينتج عنها ضرر أو دماء. وإلا فلعل الشيخ يرى كذلك أن آية "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس" تعنى أن من شاهد قتل نفسٍ فكظم الغيظ، بل ودعا إلى العفو عن قاتلها، كان ممن يخيّر بين حور العين؟ هذا استدلال، أقل ما يقال فيه، أنه في غير موضعه.
      • ثم احتجاجه، وغيره ممن تابعه على ذلك، بحديث حذيفة رضى الله عنه الصحيح في الفتن "قال كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ,وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني . فقلت : يا رسول الله إنا كنا في الجاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال: نعم . قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال: نعم وفيه دخن . قلت: وما دخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هَديي تعرف منهم وتنكر . قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها . قلت: يا رسول الله صفهم لنا . فقال : هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا . قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم . قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها , ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك". ولو أنه يستشهد بهذا الحديث على لزوم جماعة المسلمين، لقلنا ما سبق، من إنك ادعيت ومن مَعك في تلك الهيئة، أنكم جماعة أولياء أمر المسلمين، وأنك أحصيتهم وعددتهم عدّا، وأنهم كلهم وقفوا إلى جانب التراجع والتخاذل، وهو افتراءٌ لا دليل عليه بالمرة، إلا إن رأيت أنك "إمامهم"، وهو ما لا يتابعك عليه إلا خالد عبد الله! وإما أنه يستشهد بالدخن والضبابية في الموقف، فأكرر ما سبق أن قلت سابقاً، أين الفتنة والدَخَن والضَبابية فيما نحن فيه؟ عسكرٌ باغٍ صائل، استولى على الحكم منذ ستين عاماً، وشرطة حاقدة موتورة لا ضمير لقادتها ولا دين، وكلاهما حربٌ على الله ورسوله، وغالبية ساحقة مسلمة، شبابها قادرٌ مستعدٌ، جالس بالبيوت، بإيعاز منكم، للحفاظ على حياته! فأين الدَخَن والضَبابية في هذا الموقف؟ هداك الله يا شيخ عبد المقصود.
      • ثم قال الشيخ، في معرض حديثه عن خروج الشيخ حازم للإعتصام، إنه إنْ أراد امرئ أن يُقدم على فعلٍ فلابد أن يكون مُعتقداً لصِحّته، وإلا فلا يجوز أن يقدم عليه، فلا أدرى إن كان يعنى بهذا نفسه، فلا وجه لهذا القول إذ بالطبع أن عدم خروجه نتيجة قناعته بعدم صحة الخروج، فنحن لا نقدح في نزاهته، بل نقدح في صواب تقديره. وإن كان يقصد به الشيخ حازم، فلا ندرى كيف اطلع على قلبه وعلم أنه خرج رغم عدم اقتناعه بالخروج.
      • ثم يقول الشيخ إن لقرار الخروج مسؤلية عظيمة يجب أن يتحمل توابعها من أخذ القرار، وأنها ثقيلة يجب أن تُعتَبر. قلنا، ومن يخالف في هذا؟ لكن هل هذا يعنى أن عِظم المسؤولية يمنع من إتخاذ القرار بالعمل؟ على أي مذهبٍ هذا؟ ألم يكن قرار رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالخروج إلى بدر، وإلى أحد، وإلى  تبوك، وإلى مؤتة، كلها قرارات عظيمة التبعات، ينشأ عنها استشهاد أنفسٍ كثيرة في وقت عَز فيه المسلمون عدداً؟ أولو أراد الله أن تكون يا شيخ عبد المقصود على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لنصحته بما تنصح به اليوم؟ ثم هل تَحَمّل المسؤلية هي في لزوم البيت وكبح الشباب عن تأدية واجبهم في الوقوف في وجه البغيّ، أم في الحرص على السلامة مطلقاً دون تقديرٍ لعواقبها، فإن السلامة لها عواقب وتبعاتٌ كذلك، وهو ما ستراه في الأسابيع المقبلة.
      • ثم، يعيب على الشيخ حازم أنه تلا آيات من آيات الله، تدعو الشباب إلى أن يتحرر من ربقة تقديس المشايخ، التي هي جزء من منظومتكم التعليمية، كما يفعل الصوفية، وأن يَتبعوا الفطرة التي عليها أصل التكليف (الفطرة تأتي بمعنى العقل كذلك). ثم هو لم يذكر اسمه ولا اسم غيره استحياءاً وتديناً، فأنزلته أنت ومن معك على أنفسكم، من باب "اللى على راسه بطحة..". لم هذا التشنج في الردّ والتجريح، والرجل إنما يُدلى برأي ويذكر حديثاً وآية تعَضّد رأيه، لا كمن ذكر أحاديثاً وآيات يستشهد بها في غير مواضعها. أم الأمر هو أنه كَبُرت على نفوىسكم أن تخرج هذه الجموع من الشباب عن طاعتكم، وأنهم استبدلوا كبراء بكبراء ومشايخ بمشايخ؟ مع عدم تأييدى أو رضاي بأن يُجرّح الشباب هؤلاء المشايخ الذين استبدلوا بهم غيرهم، لا سَباً ولا قذفاً ولا تجريحاً، فليس هذا من خلق الإسلام في شئ.
      • ثم، يقول الشيخ، أن حازم أبو اسماعيل يخترق الصدور ويتحدث بالنوايا، ووالله إن ما رأيناه منكم هي تصرفاتٍ، وما تناوله الشيخ حازم هى مواقف، لا دخل لها بِنيّة، ولا تحتاج إلى شق صدر. فالنوايا حسابها عند الله سبحانه، وإنما تحدث الرجل عن القعود في ساعة النهوض، والإحجام في ساعة الإقدام، وإيثار السلامة في ساعة التضحية والفداء. وهذه كلها أفعال لا دخل فيها للنويا، إلا أن يقول فاعلها أنه فعل ما فعل نتيجة لنوايا حسنة لديه، دفاعاً عن نفسه، بطبيعة الحال. أما أن يقال إن تصرفنا هذا مبنيّ على نوايا أنتم لا تعرفونها، فلا يصح نقدها، فهذا خلط يسقط قاعدة العمل بالظاهر ابتداءاً.
      • ثم، يستشهد الشيخ باستشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار أن يدفع ثلث ثمار المدينة لغطفان في إبان غزوة الخندق، فاستشار صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وسعد بن عباده رضي الله عنهما في الأمر، "فقالا: يا رسول الله؛ إن كان الله أمرك بهذا فسمعاً لله وطاعة، وإن كان شيء تصنعه لنا فلا حاجة لنا فيه، لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعاً، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له، وأعزنا بك تعطيهم أموالنا؟ والله لا نعطيهم إلا السيف. فصوب رأيهما وقال: إنما هو شيء أصنعه لكم، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة". فسبحان الله، مرة أخرى، استشهاد في غير مَوضعه، بل هو دليل عليه لا له. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما فعل هذا لأنه، والمهاجرين، من أهل مكة، والمدينة هي التي تتعرض للغزو والتدمير، فأراد أن يترك باباً مفتوحاً للأنصار إن أرادوا التراجع قبل وقت المعركة، رفعاً للوم عنهم، كما بَيّنت كلماته صلى الله عليه وسلم. لكنْ هذا ما ردّ به أسيادٌ المدينة ورؤوسها ورموزها، حقاً لا إدعاءاً، أنّ الموضع ليس موضع تخاذل، وأن الخروج لمواجهة العدوان هو العزيمة، وأن من أراد الترخص فليمكث في بيته، لكن لا يرمي من أخذ بالعزيمة بنعوت، لن تعود إلا عليه، وعلى موقفه المتخاذل المُثبط.
      • ثم يقول الشيخ متسائلاً: كم كان عدد المعتصمين؟ مائتان؟ وكأن المائتين هؤلاء لا ديّة لهم، ولا سِعر ولا قيمة؟ ألم يقل الله سبحانه أن قتل نفسٍ كقتل الناس جميعاً؟ عجيب. ثم يرمى الشيخ حازم بالنفاق الصريح، وأنه هو من قال "لا آبه بدماء المسلمين"؟! عجيب. هناك مائتا نفسٍ معرضة للقتل والسحل. وأنت تقول لا أخرج لنصرتهم حتى لا أزيد من عدد القتلى، ثم تلوم على من خرق الصف الذي رتبته أنت ومن هم على رأيك، وتقول اتركهم يموتون، ثم تزعم أن حازم ابو اسماعيل قال لا آبه بالدماء! فاتق الله يا شيخ عبد المقصود،
        • أولا، لم تأت ببَينة على أن الشيخ قد قال هذا، فأنت مفترٍ عليه حتى تنشر البينة، بينما البينةُ على قصدك هي من فعلك بالتَخلف.
        • ثانياً، فعل الشيخ حازم بالنزول يدل على عكس ما ذكرت من قوله، ودلالة الفعل أقوى من دلالة القول.
        • ثاثاً، ما قال الشيخ حازم، إن صح عنه، يمكن أن يكون في سياقٍ مُختلفٍ، وهو الأرجح ولكنك لم تأتِ بالنص الذي قال، ليحكم عليه الناس، وأكاد اجزم أنه إنما قال ذلك في محل ترويعكم له أنه سيسقط قتلى، وهم عنده وعند الله شهداء، فقال ومن يعبأ بسفك الدماء في سبيل الله، هؤلاء أحياءٌ لا أموات. هذا ما يمكن أن يكون السياق الذي قال فيه الشيخ حازم ذلك، وإن كان غير ذلك، فعليك بنشر النص، أو وقعت في التدليس على الرجل.
      • ثم يقرر الشيخ عبد المقصود أن ثقافة التحرير اليوم هي ثقافة "تجرؤ الصغير على الكبير". فنقول لا والله، إنما هي ثقافة تمحيص الصغير من الكبير، ومراجعة قوائم الكبراء، وإزالة أسماء من سقط منها، واستبدالهم بغيرهم، لا أكثر ولا أقل. هذا هو ما جنته أيديكم، بعدم التدقيق في الواقع، وبناء الفتوى على الصواب، لا اتباعاً للشباب، بل تحقيقاً في النظر. فإن تركَكم الشباب، وانحازوا إلى غيركم، فلا يجرمنكم شنآن هؤلاء الأكفاء على عدم العدل وعلى التجريح والتدليس.
      • ثم يقول الشيخ، أن الشيخ حازم مدح نفسه بالحكمة والشجاعة حيث قال عمن ذهبوا للنصرة حكماء شجعان، لأنه منهم! فسبحان الله، هل تريد أن يصف من وقف في وجه القتل والبغي جُبناءٌ خُرَقاء؟ ثم، ألم تصف أنت نفسك ومن معك بالزهد في الدنيا في نفس هذا البرنامج.
      • ثم يقرر أن "الجلوس مع العسكري ليس له دلالة، وأن جلوسه مع العسكريّ، وعدم دعوة العسكريّ لحازم يدل على أن الشيخ حازم شعر بهضم حقه لعدم دعوة العسكري له، غيرة وحسداً". فسبحان الله، أليس هذا دخولٌ في النيات، أظهر وأوضح مما افتريت على الرجل الذي حكم على أفعالك؟ المجلس العسكريّ لم يدع الشيخ حازم لأنه يعلم أنه مستقيم لا خلل في رؤيته على الإطلاق، وأنه لن يحيد عن مطالبه. ثم من قال إن الجلوس مع العسكريّ ليس له دلالة؟ ألا يعلم الجمع ما يريد العسكريّ؟ أتجلس معه لتقرر أنك لن تتنازل عن الحكم بالشريعة، أم للوصول لحلٍ وسط؟ ثم إن الشيخ حازم حين ذكر من لم يكن ليدعى إلى الجلوس مع العسكريّ لولا هذه الأحْداث، قصد محمد سليم العوا، الثعبان الأرقط الذي باع نفسه ابتداءاً بِمجرّد أن أشار له العَسكريّ بالحُضور، رغم أنه كان يَسبّهم قبلها بساعات.
      • ثم يتساءل الشيخ عبد المقصود، ما هو المكسب من الإعتصام، إذ أصدر العسكريّ بياناً قبله وبعده مؤكداً أنه لن يتنازل عن الوثيقة وتوابعها. سبحان الله، أهذا يعنى الإستسلام وعدم جدوى المحاولة؟ ثم ألا يسأل الشيخ نفسه أنْ كان هذا التجبر العسكريّ بسبب موقف التَخاذل والتراجع والإستكانة السّلفية الإخوانية؟ أكانوا يمكنهم إعادة التصريح بهذه البذاءة الشاهينية لو أن أرض مصر امتلأت كما امتلأت يوم 29 يولية، على ألاً يعود الناس إلا بعد التصريح بالتنازل عن هذه الوثيقة وتوابعها؟ سبحان الله أفي هذا الذي يقول منطق يُعوّل عليه؟
      • ثم، كنت أربأ بالشيخ أن يهبط إلى مستوى التهديد الرخيص في قوله "كنت أنوى إعطاء صوتي للشيخ حازم" ثم يكرر "كنت" مرة أخرى!؟ هذا والله رخص في الأسلوب لا يليق بشيخ مثله، وإنما يليق بذلك الصبيّ الدَعيّ مقدم البرنامج خالد عبد الله، كما ذكر. فمن يهتم يا شيخ بصوتك؟ أأنت وحدك من ينتخب في مصر؟ أم إنك قائد الجماهير، ما قلت صار عليهم حكماً نافذاً؟ أهذا هو مصداق ما ذكرت أنت قبل عن هذه الطائفة من "الرموز" الذين تضَخَّمت آنيتهم، وتورَّمت ذاتهم، فصارت لا ترى أحداً سواها، قائلاً أو عاملاً. لو أردت ألا تنتخب حازم ابو اسماعيل فلا بأس على الإطلاق، ولكن كن حريصاً، ولا تقل قول الأطفال ولا تتصرف تصرف الأطفال، على منطق "طيب مش لاعب!!" وأحسب أن هذه السقطة من الشيخ عبد المقصود أسوأ ما كان منه.
      • ثم، حتى يثبت وجهة نظره، راح الشيخ يُبرر، بل ويؤكد، أن مدة عام أو عامين لإكمال العملية السياسية أمر لا مبالغة فيه! هذا ما يجنيه عليكم جلوسكم مع مجلس العسكر، يستغفلكم، ويستهزئ بعقولكم. ولهذا قلنا: يا مشايخ، لستم أهلا لهذا الأمر، اتركوها لأهلها من المُحامين أو القضاة من أهل القانون، كما هو الحال في كل بلاد العالم الراقية. والله إنها لنكبة على المسلمين أن يتقدم أحدكم لمفاوضات عن الأمة، وهم ليسوا أهلاً للتفاوض على بيع عقار أو شراء عقار. هذه العملية السياسية كلها يمكن أن تختزل في أربعة أشهر لو أراد الماكرون من العسكريين. وهُمْ لهذا التطويل جعلوا الإنتخابات على مراحل وأطوار، يطيلون بها أمد سيطرتهم ليتسنى لهم تدبير الخروج من المآزق التي يضعهم فيها أمثال الشيخ حازم، والتي تهيئون أنتم لهم الخروج منها، سذاجة لا عمالة. بل إن الشيخ عبد المقصود، يصرح بأن الجيش، "يا عينى"، خضع لضغط الشارع، فأعطى مهلة إلى 30 يونيو 2012 لتسليم السلطة، وهو يرى، بمهارته السياسية، أنه يجب أن تمتد إلى نهاية العام!! صدق أولا تصدق!! والله ليكاد العاقل أن يخرج عن طوره، فثَبتنا يا مُثبِت العقول والقلوب.
      • ثم هو يتبع ذلك التحليل العبقريّ بأن تسليم السلطة سيتأخر طبيعياً لأن الشعب لن يرضى بالدستور لإنقسامه على نفسه في أمر الدستور، فلا حيلة ولا ذنب للمجلس العسكريّ إذن في هذا التأجيل!! سبحانك ربي، أليس هذا الإنقسام والرفض بسبب ما يريد مجلس الكفر العسكريّ إدخاله في الدستور لحفظ علمانية الدولة، وحفظ تسلطه على البلاد ورئيسها إلى الأبد. فهذا دوران يا شيخ عبد المقصود، هم من فعلوه، قصداً. وإن كان على أمر القبط والعلمانيين، فهؤلاء أقلية ستهزم في الإستفتاء، كما هزمت في 19 مارس، بلا خلاف.
      • ويتساءل الشيخ :هل كُلّ من جلس في برنامج حواري على الهواء أصبح من أساطين السياسة؟ أقول، كلامك حجة عليك لا لك. فهل وجودك في هذه البرامج الفضائية يجعلك سياسياً مُحنكاً؟ ولكن الشيخ حازم رجل قانون، وقد عرفنا كافة رؤوساء الوزارات، والسياسيين، في أمريكا وانجلترا وكندا وكافة بلاد الغرب من أهل القانون، ومن المحامين أو مُتخصّصى العلوم السياسية، حصراً، ولولا الإطالة لسَرَدت لك مائة إسم وإسم، ولكن اكتفي هنا بأوباما في أمريكا، وستيفن هاربر في كندا، ودافيد كاميرون في انجلترا. الأمر أن الموازين في بلادنا مقلوبة رأساً على عقب. فوالله أنتم الدخلاء على السياسة، وأنتم من سَيَسقُط بهذا البلد من خلال برلمانكم.
      • ثم يعود الشيخ إلى الإستدلال بما ليس بدليل على الخصوص، فيقول إن الله سبحانه يقول " وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُوا۟ فَأَصْلِحُوا۟ بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنۢ بَغَتْ إِحْدَىٰهُمَا عَلَى ٱلْأُخْرَىٰ فَقَـٰتِلُوا۟ ٱلَّتِى تَبْغِى حَتَّىٰ تَفِىٓءَ إِلَىٰٓ أَمْرِ ٱللَّهِ" الحجرات 9. قال: وهؤلاء طائفتان من المؤمنين تقاتلتا، أفلا يصح أن نصلح بينهما أولاً؟ عجيب والله يا شيخ عبد المقصود!! وماذا كان قتالهم في العشرة أشهرٍ الماضية؟ أليس في عودتهم لقتل المتظاهرين المسالمين بَغيّ قال تعالى فيه "فَقَـٰتِلُوا۟ ٱلَّتِى تَبْغِى"؟ ثم، من الذي قال بإسلام المجلس العسكريّ الذي يعطى أوامره لجنوده؟ أين توحيدك يا شيخ عبد المقصود؟ أين تطبيقه على الأرض؟ أليس هؤلاء هم من يُصرّح مرة تلو المرة تلو المرة، بأن الدولة يجب أن تظل علمانية، وأنهم لن يسمحوا بغير ذلك؟ أدينك وتوحيدك نظريّ في نظريٌّ في نظريّ؟ أين هو، وما هو، مناط ما تقول ليلاً ونهاراً، عمّن أصرّ على الحُكم بغير ما أنزل الله؟ ثم كيف يفترق الطنطاوى وعنان وشاهين عن عمرو حمزاوى وممدوح حمزة ومحمد البرادعيّ وابراهيم عيسى؟ أم الفرق يأتي من الحول والقوة التي يحوزونها؟ سبحانك هذا تحريف للكلم عن مواضعه.
      • ثم يقول الشيخ، هداه الله، من المسؤول عن الدماء التي سالت؟ ليس المجلس العسكريّ ولا الداخلية في رأيه، بل هو من أخرجهم!! سبحان الله، أين سمعنا هذه الحجة من قبل؟ نعم، ما قالته قتلة الحسين، من طائفة يزيد، أنه إنما قتله من أخرجوه! سبحان الله، هل هذا منطقك اليوم؟

       وقد أحسن الشيخ حازم أبو اسماعيل، حين عَلق على هذه الحَلقة المشؤومة قائلاً ما معناه "انهم إخواننا وهم فضلاء ولن نقع فى فخ التنازع ونفضل الصمت تماما" بارك الله في منهجه. وإن كنا نرى أنه قد تعيّن علينا الرد إحقاقاً للحق ودرءاً للباطل، ولعلهم يتقون.

       اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

       رابط الحلقة

      http://www.youtube.com/watch?v=CJjrckXadKI

      ثم استمع إلى الشيخ عبد المقصوديتحدث عن الترشح للانتخابات للمجالس التشريعية وكفر الديموقراطية! فسبحان مغير الأحوال

      http://www.youtube.com/watch?v=JVz_EDw4-0g