فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بين دُعاة الإستبدال .. ودُعاة التَمكين

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      ذكرت في مقالي السابق "جيل الإستبدال .. وجيل التمكين" أنّ "الإستبدال يؤدى إلى التمكين، الذي يستلزم في سنن الله سبحانه أن يبدأ الإعداد. إعداد جيلٍ من المسلمين، يعرف دينه حقّ المعرفة، لا دين الآخرين الذي يقدمونه لعوام الجَهَلة من الشباب على أنه دين الله".

      كما ذكرت من قبل، في سلسلة "بعد أن انقشع الغبار"، أنّ المُنظرين والعلماء والدعاة يجب أن يأخذوا مكانهم في بناء الدعوة الصحيحة وفي قيادة ركب التمكين، وأنهم يجب أن يكونوا في طليعة التغيير المرتقب، لا ذيلا فيه. وهنا يجب أن نتوقف قليلاً لننظر في حال هؤلاء، خاصة الدعاة منهم، من حيث أنهم والمتحدثون الي الناس بلغتهم، الناقلين عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فهم أئمة الناس إلى هذا التغيير ثم إلى ذاك التمكين. ومن ثمّ فإن المنطق يملي اليوم أن نتحدث عن الدعاة، الذين يحملون كلام الله سبحانه إلى الناس، وعلى فكرهم ومنهجهم وتوجهاتهم تتربى الأجيال، فإن انحرفوا انحرفت وإن صَلحوا صَلُحت.

      الدعاة اليوم منقسمون إلى قسمين، قسم كلّه شرٌ لا فائدة فيه. فهم محاربون لله ورسوله صلى الله عليه وسلم في حقيقة الأمر، وهؤلاء هم علماء السلطان ودعاته، كمفتي الديار العلمانية، الفاسق عن أمر ربه على جمعة، وكالعاهر البرهاميّ، ومحمد حسان وبقية شلة أمن الدولة وعملائها. هؤلاء لا دين لهم ولا خلاق، فلا نعيرهم اهتماماً فيما نقول هنا.

      والقسمٌ الثاني فيه خير قد يشوبه شَرٌّ في بعض أصنافه، وهم أصناف ثلاثة:

      صنفٌ أولٌ، وهم من صنعوا الجيل الذي يستبدِله الله سبحانه اليوم، أعنى بهم دعاة الإخوان ومن لفّ لفيفهم وسار على دربهم وساير فكرهم ممن يسمونهم "المفكرون الإسلاميون". فقد قموا بتشكيل تصوّرات عشّشت في عقول غالب المسلمين، وقادَتَهُم إلى طريق ضالٍ عقدياً، وحركة مُنحرفة عملياً. وقد رأينا بعيني رؤوسنا ما أنتجه هؤلاء الدعاة من وبيل الأثر على المسلمين وديارهم، وما جرّوه علي أنفسهم وعلينا من خرابٍ وتقهقرٍ في طريق دعوة الله الصحيحة التامة. وهؤلاء يقعون تحت سُنّة الإستبدال، هم والجيل الذي ربّوه، ثم لهم ما لهم عند الله، وعليهم ما عليهم، لعل الله أن يتقبل أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم.

      وصِنفٌ ثانٍ، وهم الأخطر أثراً اليوم، من أسميهم "الجيل الوسيط" من الدعاة، وهم أكثرية في الوسط الداعي للإسلام. وهؤلاء هم منْ أدركوا خطأ ما كانت عليه دعوة الصنف الأول، وعرفوا عوارهم وعوارها، فتحدّثوا بالحق، في مناسباتٍ معينة، لكنهم، ظَلوا غير قادرين على استشفاف ما وراء الأحداث، والنظر عبر ضباب الحاضر واختراق حجبه والإستفادة التامة من عِبراته. ذلك النقص في صحة التوجه يرجع إلى عدة عوامل، منها الشخصية، فكلُّ امرئ له من الطبيعة الذاتية ما تتلائم معه أفعاله وتتطابق حركاته. فمنهم من يغلب على طبعه الرفق والهدوء، ومنهم من يغلب عليه الشدة والحدة. ثم عاملٌ آخر طبعيّ خفيّ، وهو عامل "الأتباع"، إذ مِنْ هؤلاء من صار له اسمٌ  معروفٌ، وصارت له أتباع كثر من طبقة ذلك الجيل المُستبدل، فهو دائماً على حذرٍ من أن يذهب بدعوته إلى خلاف ما هو على الأرض اليوم بشكلٍ تامٍ، أو أن يرى التغيير شاملاٍ عاماً، بل يحدوه دائماً أملٌ زائفٌ لا دليل عليه أنّ جيل التمكين سيكون من بين هؤلاء المُستبدلين. وقد يكون هذا صحيح إلى حدٍ ما، فإن رحمة الله لا حجر عليها، وقد يتوجه بعض هؤلاء إلى الطريق الصحيح، لكنّ الأمر هنا هو القدر الذي ننحرف فيه بدعوة الحق لتقابل هؤلاء في منتصف الطريق. وهو ما يعود بنا مرة أخرى إلى حلول الوسط الدعوية، وما أدراك ما حلول الوسط الدعوية! فتجدهم يميلون إلى عدم تسمية بعض الناس بأسمائهم أو يصفونهم بأوصافهم، أو بيان انحراف بعض الجماعات الإسلامية انحرافاً كلياً عن المنهج، تحت دعوى "مصلحة الدعوة"! التي تقتضى عدم التنفير، وسائر ما يتحجّجون به في خاصة أنفسهم. وينسى هؤلاء في خِضَم هروبهم من "التنفير" أنهم يقعون فيما وقع فيه الصِنف الأول الذي أشرنا اليه، فيتقربون إلى بعض العامة، لكنهم يبعدون أضعافاً عن الرؤية الصحيحة المُتكاملة التي تفتقدها الحركة الإسلامية برمتها اليوم. وهذا شرٌ خفيّ لا شك فيه. ثم عامل آخر وهو أنهم، شاءوا أم أبوا، متأثرون بتلك البيئة التي أنشأها دُعاة الصنف الأول، فهم لا يعيشون في فراغ. وهذا العامل يؤثر مباشرة في طريقة الدعوة وخطابها، ومن ثم في أثرها ونتاجها. وهؤلاء هم، في حقيقة الأمر "إصلاحيون"، لا "تغييريّون" ولا "تمكينيّون"، ولكن لا يشعرون.

      ثم الصنف الثالث، وهم "دعاة التمكين"، وأعمدة "التغيير"، وهؤلاء هم من نريد أن نراهم يتحرّكون على الساحة اليوم أو غداً، يُدركون أخطاء الماضى، ويُبصرون قصور الحاضر، ويقدمون رؤية واضحة صحيحة للمُستقبل، سواءً عقدياً أو حركياً. تراهم يُنشؤون خطابهم على أساس ما هو قادمٌ لا ما هو قائمٌ، تتجاوز نظرتهم أفق الواقع، وترتفع عن حضيض الحاضر، ولا تقبل أن يجرّها وهم باطل وأملٌ زائفٌ في منهج "الإصلاح" عن إتباع منهج "التغيير". هؤلاء لا يتمَلقون العامة، ولا يغيّرون من طبيعة خطابهم الدَعويّ لأجل تقريبٍ أو تجميع أو عدم تنفير، أو أيّ من هذه الحجج. وإن كانوا يدركون طبيعة المرحلة التي تمرّ بها الأمة، فتراهم يرحمون أولئك المسلمين من شباب المسلمين عامة وشباب الجماعات الإسلامية المنحرفة منهم، الذين تَجبّر عليهم الكفر اللعين وراحوا ضحايا غشمه وإلحاده، يتعاطفون معهم ويرحمونهم، لكن لا يؤثر ذلك على طبيعة خطابهم، أو بيان ما يجب بيانه بكل صراحة ووضوح. فهم يتحدثون عن طبيعة الإنحراف الإخوانيّ  وحقيقة النفاق السلفيّ بما يستحق،ويقررون أنه إن كان لزاماً على أحدٍ أن يبدل خطابه، فهؤلاء من أهل الباطل أولى من أن ينحرف به أهل الحق.

      هذا الجيل من الدعاة هم من نرقب ظهورهم، ونعمل على دعمهم والوقوف وراء دعوتهم، ونشر كلمتهم فهؤلاء هم الأساس المتين الذي سيُبنى عليه جيل التمكين بإذن الله.

      ثم صنفٌ هامشيّ، وإن كان له خطره الكبير على الإسلام اليوم، هم طائفة من دعاة النت. فأنت تجد على النت كَمّا هائلاً من الشخصيات التي اكتسبت قدراً كبيراً من الإنتشار بين رواد هذا أو ذاك من المواقع التواصلية، لما يقدمونه من "نصائح" و"آراء" لتوجيه العامة، وهم ذاتهم عوام إن اعتبرنا أنّ العلم الشرعي قائمٌ بذاته، يحتاج إلى دليل عليه من مؤلفات وأبحاث، مثله مثل أيّ علمٍ آخر تعرفه البشر. فتراهم يتحدثون بلهجة العلماء، وليسوا منهم، وكثيراً ما يكون رأيهم صحيحاً، لكن دون أن يرتكز على علم شرعيّ، مما يجعله باطلاً وإن صح. وترى بقية العامة يُسبغون علي هؤلاء أوصافاً لا يليقون لها، ويتبادَلون المدح والإطراء على الفيس بوك، وكأنهم يرقصون على أشلاء العِلْمِ الإسلاميّ الحقّ. هؤلاء، جيل "الدعاة الإلكترونيون"، هم من أخطر ما تمثله مثل هذه المواقع على نشر دعوة التمكين اليوم.