فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      تعليق على تحليل الشيخ الحبيب عبد الرزاق المهدي

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

      نشر الشيخ المهدي تحليلا لما يراه في حكم من حكم بغير شرعة الله بقانون وضعي عام يلزم به الناس، وبيّن أنه اختار من القولين المعتمدين أنه يرى هذا الحاكم كافر كفرا أكبر بهذا الفعل. وهذا ما أسعدنا .. أخيراً! لكن أردت أن أعلّق وأبيّن عدة نقاط في حديث الشيخ حفظه الله.

      فأولاً، ليس هناك في هذ الأمر قولان للعلماء. وإسناد قول آخر لابن باز أو العثيمين أو من شئت ممن ذكر الشيخ فيه انتقاص عظيم لقدرهم. فإن العلماء كما بينت من قبل، قد استخدموا كلمات كثيرة في الدلالة عن معنى واحد، فقالوا من "ترك، جحد، لم يرض، استحل، أنكر، حكم، التزم" غير ما أنزل الله. فوضح أنها كلها تشترك في معنى واحد، وإن كانت تنفصل عن بعضها في معان أخرى، فإنه كما أن المعنى يُعبر عنه بكلمات عديدة، فإن الكلمة الواحدة قد تحمل معانٍ عدة، وهو الاشتراك اللفظي. ولذلك نجد كلمة أنكر، قد تكون بقوله صراحة، أو تكون بفعل غير المطلوب بشكل ينبئ عن إنه لا يأبه بفعل المعارض، حسب الحال والقرائن، وكذلك بقية الكلمات.

      فإذا توقفنا عند كلمة الاستحلال، التي اضطرب فيها الشيخ حفظه الله، فإننا نرى لها استعمالان: أحدهما وهو الاستحلال الباطن بمعني سقوط عقد القلب، وهو ما جعله الإئمة شرطا في الكفر بالمعصية، والاستحلال بفعل مكفّرٍ هو في ذاته قد جعله الله دلالة على سقوط عقد القلب، والله أصدق وأعلم، كما في "قد كفرتم بعد إيمانكم" الآية، ومنها التحاكم لقانون وضعي متكاملٍ بدلا من شرع الله، سواء اعتقد أو لم يعتقد، فقد أخبر الله سبحانه أن هذا لا استدلال عليه بقلب، بل هو كفر بذاته، وسواء قال هذا القانون من عند الله أو لم يقل، وسواء قال أحكم به وأنا أعلم أن حكم الله أفضل أم لم يقل. وهو ما جاء عن كافة العلماء دون استثناء، قديما وحديثا.

      والأصل أننا نجمع بين نصوص العلماء ونوفق بينها، ولا نضرب بعضها ببعض، ففي هذا إكبار لهم، إلا إن كان الخطأ جلياً غير محتملٍ.

      ثم نكرر أن من اشترط الاستحلال القلبيّ بإطلاق هم المرجئة والجهمية حسب فرقهم المختلفة. وقد أثبت الله الجحود مع استيقان القلب قال "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم" فهذا نص قاطع في المسألة، فكيف يقول مسلم، لا، لا يكون الجحود إلا مع عدم استيقان القلب!

      ثانيا: موضوع يوسف عليه السلام، فنقول، هذا من أشنع الأقوال أن تُنسب لنبي لله، حاشاه، أن يحكم بغير ما أراه الله[1]. يوسف الصديق هو من قال لصاحبيه في السجن "إن الحكم إلا لله، أمر ألا تعبدوا إلا إياه". وكلمة الحكم هنا تعني الحكم الشرعي لا القدري، لأنها ارتبطت بالعبادة، لا بالخلق والرزق. فكيف يقال إنه دخل في حكم كافر يحكم به بين الناس! اللهم ألهمنا الصبر ..! ثم إن يوسف عليه السلام كان ممكنا في الأرض "ولقد مكنا ليوسف في الأرض"، فحكم بما يريه الله، لا بدين الملك، وليس أوضح في ذلك من أن القرآن قد بيّن إنه لو كان يحكم بدين الملك ما تمكن من أخذ أخاه حبيساً "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك"، لكنه أخذه بدينه هو، الذي ألهمه الله إياه. وهذا صحيح سواء قلنا أنه قائم على المال أو هو العزيز، فقد كان مطبقا لدين الله لا الملك، فأين هذا من أردوغان أو الحسن الثاني أو عبد الله الثاني أو آل نهيان وخليفة. ما لكم كيف تحكمون!

      ثالثاً: موضوع عدنان مندريس: فإنه من قواعد الشرع أنّ الظاهر دالٌ على الباطن، وأن الإعتراف سيد الأدلة، وقد قال مندريس في كل محفل إنه علماني، وحكم بالعلمانية، فلا أدرى كيف يُقال إنه بلا ريب قالها تقية، بلا ريب! نقول ما قاله صلى الله عليه سلم "هلا شققت عن قلبه". نعم، أعاد الآذان، لكن هل خرج هو من الإسلام بمنع الآذان؟ الأمر أمر شرع متكامل موضوع على أسس وضعية بشرية بحتة. ثم إني أرى ألا يخوض أحد فيمن مات ووقف بين يدي ربه، لا سلبا ولا إيجابا، فهذا تأل على الله. هم اليوم بين يدي من لا يخفى عليه شئ في السموات ولا في الأرض. فلا أقول فيهم شيئاَ، إذ محصلة القول صفر. وإنما الأمر يتعلق بالأحياء. وأذكر بأن أردوغان حين زار مقابر هؤلاء لقراءة الفاتحة، فقد زارها لأنه حقق ما أرادوه من "نظام رئاسي"، لا من تطبيق الشريعة أو مرجعية الدين، فلا أدرى على أي شئ يتحدث الناس في فضل هذا النصر المبين!!

      وقد دونت هذه الكلمات، لتكون سجلاً مبيّنا لما جاء في كلام الشيخ المهدي حفظه الله.

      د طارق عبد الحليم      20 أبريل 2017 – 24 رجب 1438

      [1] بيّن لي الشيخ الفاضل المهدي قصده صوتيا فجزاه الله خيراً، وإنما أذكر ذلك لمن يستخدم هذا المثال ببساطة دون التفاف إلى مقام النبوة.