فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      نظرة موضوعية في المستقبل المصري

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه وبعد

      (1)

      من بدهيات اقتراح الحلول في أزمات الأمم ومصائر الشعوب، أن يقرر المهتمون طبيعة المشكلة التي تواجهها الأمة، أو الشعب، ثم تنطلق بعد الاتفاق على هذا التوصيف للداء، إلى محاولة علاجه بطريقة أو بأخرى.

      ولا شك في إننا، نحن المصريين، نعرف أن رأس الداء في الوضع المصري، حالياً، هو عبد الفتاح السيسي، شخصياً، ومن ورائه الجيش والشرطة، وبقية الأجهزة المعينة له.

      لكن، قبل أي شروع في حديث أو محاورة حول رأس الداء، أو جسده، يجب أن يعي المتحاورون أن المشكلة ليست مشكلة مؤقتة، وليست قصيرة المدى، بل هي مشكلة باقية ما شاء الله لها أن تبقى، حلها لن يكون في شهر أو شهرين، أو سنة أو سنتين، فإن هذا وهم وسراب بقيعة، لا يقع فيه إلا غافل عن طبائع الأشياء وسنن التغيرات الاجتماعية، وتوازن القوي المحلية والدولية.

      • السيسي لن يتنازل عن مكانه لأحد، أيّا كان الحال.
      • السيسي لن يُقال من منصبه، لا بانقلاب على الإنقلاب، ولا بغيره.
      • السيسي لن يُجبر على الخروج من السلطة بدافع من قوى محلية أو دولية.
      • السيسي لن يقل قوة وشراسة وإجراما وكفرا عن أول يوم أحرق فيه رابعة والنهضة واعتقل وقتل وشرّد واغتصب.
      • السيسي لن تتنازل عنه الدولة العميقة، لأنهما يُكملان بعضهما بعضا، في إطار منظومة إجرامية واحدة.

      وأيّ تصور خلاف هذا، اعتبره عبثا، وتخديرا لا يقل خطراً عن المخدرات الحقيقية التي يعتادها المدمنون.

      والأصل، كما هو مقرر في قواعد العقل وأصول الشرع "بقاء الحال على ما هو عليه". فإن أي تغيير يحتاج لسبب مقبول وعوامل معتبرة يمكن أن يقوم عليها افتراض هذا التغيير، وإلا فالأصل بقاء الأمر كما هو، وهو ما يُطلق عليه علماء الأصول "استصحاب الحال".

      إن الذين يَجهَدون في إبراز إجرام السيسي، إعلاميا في حلقات ومقالات ولقاءات، والكشف عن سرقات جديدة وضحايا عديدة لممارساته ونظامه، والذين يصوّرون للناس أنّ المظاهرات لا تزال قائمة في مصر، وإنها ستظل تؤرق النظام، وتقض مضجعه حتى يأتي يوم نراه ينهار من تلقاء نفسه! والذين يلجئون إلى دول غربية "للتفاوض" وإيجاد الحلول في مجالس "ثورية" وجماعات تويترية، واجتماعات محلية وعالمية، كلّ هؤلاء يعيشون حلماً يجب أن يستفيقوا منه، ولا نقول قبل فوات الأوان، فإنّ أوان تفادي الكارثة قد فات بالفعل، لكن قبل أن تفوت فرصة تحديد ما يلزم لإتخاذ الخطوة الأولى في عملية البدأ في المحاولة الصحيحة في الاتجاه الصحيح.

      كم من السنين بقي من جاءوا قبل السيسي، وهم أقل شراسة وأضعف قوة وجندا، باستثناء د مرسي الذي كان المدنيّ الوحيد، ومن ثم بقي عاما واحداً، ؟ عبد الناصر، سبعة عشر عاما، السادات إحدى عشر عاما، مبارك ثلاثين عاما، فيا ترى ما الذي يجعل السيسي أقل حظاً من هؤلاء جميعا؟

      إن إدراك هذه الحقيقة، والوعي بها وبانعكاساتها، يجعل الحلول المطروحة مختلفة أشد الاختلاف. فإن الطبيب، حين يواجه مرضاً شائعا بسيطا كالإنفلونزا، لا يتخذ نفس الوسائل التي يتخذها في معالجة مرضٍ مزمن كالسرطان مثلا.

      وأنت تلمس في كلّ مقال، وكل اقتراح، وكل برنامج، في الشأن المصري، ذلك الحماس في العرض والتناول، كأن المشكلة المصرية سَتُحل في نهاية المقال، أو البرنامج أو الاقتراح! وهو حماس مبروك، لكنه لامعقول.

      وهذا الذي نقرر هنا، على شدة وقعه، لا مجاملة فيه، ولا محاولة تخفيف الألم ببنج موضعي، أو إعطاء جرعات أمل موهوم، في نهاية سعيدة سريعة. لا، هذا ليس من الأمانة ولا من الحكمة والحصافة، ولا من الحق والصواب.

      لكن، في نفس الوقت، ليس هذا الذي نقرره، يعنى نهاية أي أملٍ في التغيير، لا، بل هو بداية أمل حقيقي، إذ إن ادراك طبيعة المشكلة، واجتماع المهتمين علي ذلك، هو الأمل الحقيقي الوحيد.

      وليس هذا هو العامل الوحيد في طريق الخطوة الأولى، بل هناك عوامل أخرى، يجب أن يقرّها المهتمون، كي يبدأ السير نحو  الخطوة الأولى للإصلاح، وهو ما سنتناوله بالنظر فيما يأتي من مقال إن شاء الله تعالى.

      د طارق عبد الحليم

      2 ذي الحجة 1437  - 14 سبتبر 2016