فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      بعد أن انقشع الغبار - الوثيقة الكاملة ..

      تحميل الكتاب

      (نشرت أول مرة في سبتمبر 2013)

      خارطة طريق للمسلمين

      أردت بها أولاً وجه الله سبحانه  

      وثانياً بيان الحق

      وثالثاً وضع بعض علامات على طريق التمكين

      وقد أصبنا بأذي بسبب ما كتبنا، لكنه أذى قليل غاية في القِلة في جنب الله.

      فلعل الله أن يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه

      الجزء الأول

      أستأذن القارئ الكريم في أن أتحول بمقالاتي إلى وجهة أخرى غير التي أمَمْتها منذ حركة 25 يناير 2011، ثم خلال تولى الإخوان الحكم، صورياً، ثم عَبْرَ الأحداث الأخيرة التي أودت بالإخوان، وبالحركة الإسلامية عامة، في مصر.

      وهذه الوجهة ليست غير الإسلام بالطبع، لكنها تستشرف القادم، وتدع الحاضر من ورائها، إذ أصبح هذا الحاضر غُباراً من آثار ما حدث، لا نظن أن سيكون له أثر على تغيير مسار الوجهة التي تتوجه اليها مصر في هذا العصر.  فهي وجهة من منظور يَعرِف واقع الحال، دون غبشٍ أو ضبابية أو خداعٍ للنفس، ويعترف بهذا الواقع، ليقوم في تحركاته المستقبلية على أسس حقيقة، لا أوهام وأمانيّ، تتبخّر بمرور الأيام، فلا يُمسك صاحبها منها إلا ما يُمسك الغربال من الماء.

      (1)

      إنّ ّمن الخطأ المَعيب، خاصة من المُفكر والمُنَظّر، الذي ينبغي أن يرسم طريق العمل ويوضح بنياته، بما يضمن صحة الخطة وسلامة الخطوة، أن ينشغل، أطول مما ينبغي، بالجزئيات عن كلياتها، وبالأحداث عن إطارها.

      وتفصيل هذه الجملة، أنّ الأحداث تترى من حولنا، القبض على فلان، وضرب فلان، وخروج مظاهرة هنا وإعتصام هناك، كلها أحداث جزئية تعمل في إطار عامٍ يسير بها، وبنا، في طريقٍ مرسوم المعالم، لا يتغير إلا بإرادة إلهية، وقوة تغيير إنسانية قوية هائلة صحيحة التوجه، تَحْرِفُ هذا التيار الجارف في طريقٍ آخر، ووجهة مخالفة.

      وقد تخالف أحد الجزئيات كلياتها، أو يظهر الحدث أنه مضادٌ لإطاره العام، لكن هذه هي مهمة المُفكر المُنَظِّر، أن يَرُدّ تلك الشوارد إلى قواعدها، وينسقُ تلك الحوادث وإن بدت نابية عن إطارها.

      قدمت هذه التقدمة، لأمهد للقول بأنّ الأمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قد استقر للباطل في هذه الجولة على أرض مصر،. وما كل تلك الحوادث الجزئية، من سلاسل بشرية أو مظاهرات أسبوعية، إلا الزبدُ الذي يُخلّفه المُوجُ العاتي حين انحساره. وإن لم يكسب الباطل الحرب بيقين، إنما هي جولة وإن طال أمدها، فإن الباطلَ زهوقٌ لا محالة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

      نقول هذا القول، والقلب يتمزق ألماً ولوعة على جولةٍ أضعناها، أو أضاعها حكم الإخوان، ولم يستحق الشعب، بعامة، الفوز بها، بلا شك "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون".

      من العبث اليوم، والذهول عن الحقيقة، أن يُقال أنّ هذه الجولة لم تُحسم لصالح الباطل، لمجرد التفاؤل وإراحة النفس والضمير. هذا هو الأمر الواقع، رغم ما تبقى من محاولات تتحرك على استحياء هنا وهناك. والواجبُ يحتمُ أن نتجاوز هذه المرحلة على عجل، لنرى ما نحن فاعلون فيما يأتي من بعدها.

      وقد حُسم هذا التصور في نفسي بُعَيد انقلاب الكفر في 30 يونيو، فكتبت مقالاً، يتوارى فيه هذا المعنى، تحت عنوان "معالمٌ استراتيجية على طريق الدعوة ومسار الحركة" بتاريخ 11 يوليو 2013، قلت فيه" فإنه يجب أن تتحدد معالم الدعوة واستراتيجياتها في مواجهة الواقع الذي كنا نستشعر قدومه، بعد أن أصبح حاضراً، وحقيقة لا توقعاً"[1]

      فشل المسلمون من قبل حين تفتّت وحدتهم وقامت الجامعة العربية على رفات وحدتهم. وكان فشلهم الأكبر في إعلان الكيان الصهيونيّ في قلب بلادهم، ولم تستطع جيوشهم مجتمعة أن تحرز نصراً ضده. ثم فشلوا في مواجهة الباطل في الجزائر وليبيا واليمن، ثم اليوم في مصر، وهم يعانون في سوريا والعراق.

      ولسنا بصدد درس في التاريخ، فإن السرد التاريخيّ تعج به الكتب والمواقع، لكننا نقصد إلى رسم الإطار العام الذي يجب أن ننظر من خلاله إلى خارطة الطريق ونعبر من خلال سياقته إلى استشراف المستقبل.

      الذي يجب أن يكون محلّ نظرٍ وبحث اليوم هو إجابة السؤال الذي يلحّ على ذهن المُفكر والمُنَظّر، وهو لماذا لم ينجح المسلمون في شرقنا العربيّ،  في كلّ مواجهة وقعت بينهم وبين الباطل منذ سقوط الخلافة؟

      والجواب على هذا السؤال فيه، بعون الله، معالم الطريق في المراحل القادمة، وفي المواجهات المرتقبة.

      (2)

      وما نحسب هذا الفشل إلا بسبب انحراف المنهج التربويّ العقديّ الذي أدّى إلى الخراب العقديّ، وإنحراف التصور الإسلاميّ المتفشي بين زرارى المسلمين في بلادنا، في مقابل قوة التأثير العلماني وشراسة الهجمة الثقافية الإلحادية التي تغلغلت في أوساط الشعوب "الإسلامية"، فنخرتها حتى النخاع.

      وهذا الحديث ليس بحديث نظريّ أو أكاديميّ، بل هو في صميم الواقع العمليّ الذي تعيشه الدول "الإسلامية" اليوم، وخاصة تلك التي مرت بما أسموه "الربيع العربيّ".

      لقد جاءت الضربة الكبرى للحاضر الإسلاميّ، بعد سقوط الخلافة والتقسيم بموجب سايكس بيكو، بحكامٍ خونة ملاحدة، كانوا نتاج زرع محمد على في مصر، ثم من تبعه على نهجه في يقية البلاد "الإسلامية" حتى سقطت الخلافة على يد أتاتورك، وخيانة الشريف حسين وأبنائه، وعمالة ملوك آل سعود، وفساد الملك فؤاد وابنه فاروق، وتبعية أمراء دويلات الخليج للإنجليز، وفسق ملوك المغرب العربيّ. ثم جاءت طامة الكيان الصهيونيّ، وجاء عبد الناصر فأورد العالم العربي كله موارد التهلكة. ثم كان ما كان من محاولات "إسلامية" في الجزائر ومصر واليمن وغيرهم، على يد جماعات تراوح انحرافها بين اليمين الإرجائي واليسار الخارجيّ.

      كلّ هذه الأنظمة الكافرة، التي تربى ساداتها وكبراؤها في أحضان العلمانية الماسونية الغربية، قد استقبلت المناهج العلمانية وتصوراتها في بلادنا، ومهدت لها سبل الإنتشار، كما حدث في مصر ولبنان وغيرها، وظهرت كليات الفرنسسكان والجامعة الأمريكية، وساهم الإستعمار العسكريّ على  ذلك حتى جاء الوقت الذي لم يعد فيه للإستعمار العسكريّ لزوم، وعادت تلك الحكام، والنظم الثقافية بل والجيوش المدجنة تقوم مقام جنود الإحتلال لحساب تلك العلمانية الملحدة. وهل هناك أدلّ على صحة ما نقول مما يفعله جيش الخسيس السيسيّ اليوم من قتل وإبادة للمسلمين، وتدمير لمعالم الإسلام، وحصار لغزة لحساب الجيش الصهيونيّ؟

      تزاحمت على عقول زرارى المسلمين في بلادنا تلك الغواشى كلها، فصارت أجيالهم، جيلاً جيل، تنشأ في ظلماتٍ شرعية لا تمت للإسلام وتصوراته ومفاهيمه إلا ببقايا شكلية وقشور خارجية. لا تمنع عنهم عدوانا فكرياً أو اغتصاباً ثقافياً.

      وما نَصِفُ هنا هو عين ما تحققت نتاجه وترعرع نبته فيما رأينا من تتالي الأحداثٍ في دول الربيع العربيّ عامة، وفي الشهرين الماضيين في مصر خاصة وبأبشع صور التجسد.

      يتبع أن شاء الله ..

       

      الجزء الثاني

      وقفنا في حلقتنا الأولى إلى أن قد "تزاحمت على عقول زَرارى المسلمين في بلادنا تلك الغواشى كلها، فصارت أجيالهم، جيلاً بعد جيل، تنشأ في ظلماتٍ شرعية لا تمت للإسلام وتصوراته ومفاهيمه إلا ببقايا شكلية وقشور خارجية. لا تمنع عنهم عدوانا فكرياً أو اغتصاباً ثقافياً".

      ثلاثة أمور يجب أن نفصّل فيها القول، بعض التفصيل، لنصل إلى غرضنا من هذا المقال، وهو رسم خارطة عمل للحركة الإسلامية في المستقبل القريب والبعيد.

      أول هذه الأمور، هو وصف المرير والحاضر الأسيف، والثاني هو تحديد عوامل الفشل في المرحلة السابقة، والثالث هو أن نضع خطة للعمل، تتفاعل مع الواقع، وتعلو على الجزئيات والأحداث، إلا بما يقوّيها ويعدّل من مسارها، بعد تحديد الهدف ومعرفة وسائل تحقيقه.

      (3)

      يمكن توصيف الواقع الحال والحاضر الأسيف، في النقاط التالية:

      يحكم الجيش البلاد، بمعاونة الشرطة والإعلام والقضاء الفاسد، ويتحكم بشكلٍ كاملٍ في الإقتصاد والسياسة وكافة مرافق الحياة.

      هذا الحكم يتم بقوة السلاح المُجرد والقوة الشرسة المجرمة، التي لا تقف عند حدٍ في القتل والسحل والتعذيب والإعتقال، وتتجاوز، بانحطاطها، كافة الشرائع والقوانين والأعراف الخلقية، بما فيها أعراف بني صهيون، وما وقعة رابعة والنهضة ببعيد.

      تقوم هذه السلطة الغاشمة بالسير قدماً في طريقها غير آبهة لمظاهرات أو اعتصامات أو سلاسل بشرية أو معارضات قانونية، بل تتعامل كأنّ الشعب كله قد رضى بها وأقرّها، ومن يتفوه بغير ذلك فمصيره القتل أو الإعتقال.

      وتهاون هذا القوة العسكرية البوليسية الغاشمة حكومة صورية ورئيسٌ، لزوم الديكور، يعيثان في الأرض الفساد والاضطراب، ويهدمان ما تبقى من اقتصاد ويسيران بمصر إلى الإفلاس قُدُماً. وتستخدم هذه الحكومة الباطلة قضاء الرشوة والخزي، وإعلام الكفر والإلحاد لتسويق أكاذيبها وإسباغ الشرعية على قراراتها.

      تعتمد هذه السلطة على تلك القاعدة الشعبية المؤيدة لها، إما نفاقاً كأعضاء الأحزاب السياسية الكرتونية كالوفد وغيره، وعلى رأس هؤلاء المنافقين أمثال الصباحي والبدوي وسائر كفار مصر، وإما جهلاً واتّباعاً أعمى للباطل، وهم غالبية تلك القاعدة وأساسها، ممن خالَ عليهم سحر الإعلام الملحد، لضعف عقولهم ابتداءً. وإما سكوتاً واستسلاماً ورضوخاً بالواقع، على مذهب "يعنى نعمل ايه؟ هو ماشى كده " وهؤلاء مثلهم مثل التابعين الراضين الموافقين. ثم تلك الكتلتين اللابشريتين من الصليبيين، ومن عناصر القوات الشرطية والعسكرية وأهليهم وذويهم.

      وفي مواجهة هذه القوى الغاشمة اللعينة، التي لا خلق لها ولا ضمير ولا ذمة، تقف جموع شعبية محبة، ، لدين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، في غالبها، بفطرة الإسلام. تقف هذه الكتلة، الي أغلبها من النساء، دون سلاح تواجه به مهاجميها، وبلا إرادة في التصدي لهؤلاء المهاجمين ابتداءً، عملاً بمبدأ "سلميتنا أوقى من رصاصهم"!

      تخرج هذه الكتلة البشرية في مظاهرات متفرقة وسلاسل بشرية، بشكل يوميّ، وبحشد هائل بشكل أسبوعي، دون اعتصام، بعدما حدث في في رابعة والنهضة مما لا نحتاج لتكرار تفاصيله.

      هذه، باختصار، ولتلافي التكرار، صورة الواقع المرير والحاضر الأسيف.

      لم تصل الأمور إلى ما هي عليه هكذا في عشية أو ضحاها. بل هي نتيجة عوامل عدة، تعاونت وتكاتفت لتصل بنا إلى هذا الواقع الحال والحاضر الأسيف.

      من تلك العوامل التي أودت إلى فشل الجولات المتعاقبة في مواجهة الباطل ما هو من صنع "الإسلاميين" أنفسهم، ومنها ما هو من مكر أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما سنبين فيما يأتي من قول إن شاء الله.

       

      الجزء الثالث

      قلنا فيما سبق أن "من تلك العوامل التي أودت إلى فشل الجولات المتعاقبة في مواجهة الباطل ما هو صُنيع "الإسلاميين" أنفسهم، ومنها ما هو مكر أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم". وتفصيل هذه الجملة فيما يلي.

      (4)

      أما عن مكر أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم:

       فإن الهجمة على العالم العربي المسلم ليست وليدة العقود السابقة، بل بدأت منذ تدهور الدولة العثمانية، الذي أدى إلى الحملة الفرنسية، وما تبعها من تسرب العلمانية إلى التعليم والقانون وإنشاء المحاكم المختلطة، بل حتى المشايخ لم يسلموا من آثارها كرفاعة الطهطاوى وخير الدين التونسيّ. ثم أعقب ذلك زلزال الحرب العالمية الأولى ثم سقوط الخلافة، وأعقبها تحقيق معاهدة ساسكس بيكو على الأرض.

      ولم يكن أثر الإستعمار العسكريّ هو الحاسم في عملية التحول العلمانيّ، لكن كان الغزو الثقافي هو الذي حسم أمر التوجه العلمانيّ في أنحاء العالم الإسلاميّ، خاصة في مصر ولبنان، حيث فازت مصر بنصيب الأسد من تلك الهجمة الثقافية.

      ظهر الغزو العلمانيّ لمصر على مسرح الحياة السياسية متمثلاً في الأحزاب العلمانية كالوفد، وعلى رأسه سعد زغلول العلماني المَحض، وظهرت الأحكام الوضعية في ساحات القضاء ومراجع القانون، وعلى المسرح الإقتصاديّ متمثلاً في إنشاء بنك مصر وعلى رأسه طلعت حرب، وفي المسرح الثقافي والتعليمي الذي قاد كِبْرَه الملحد طه حسين ومن قبله أحمد لطفي السيد. بل غزا الأثر العلمانيّ المؤسسات الدينية بتأثير الشخصيات الماسونية كجمال الدين الفارسي (المعروف بالأفغانيّ)، وتلميذه محمد عبده، الذي كان رأس المحفل الماسوني الشرقيّ[2].

      ولسنا نحكي هذا التاريخ من باب السرد، فكتب التاريخ متاحة لمن شاء، لكن لبيان أنّ هذا التوجّه قد انعكس على العقلية المسلمة، بفعل التعليم، الذي تحوّل في الأوساط الراقية، والتي يتخرج منها طبقة الحكام عامة، إلى تعليماً أجنبياً في الليسيه والكليات الفرنسية والإنجليزية، وبتأثير "الفن" الذي نشأ في مصر في العشرينيات، وظهرت "نجومه" على شاشات الخيّالة، وفي كباريهات شارع محمد على أولاً ثم شارع الهرم لاحقاُ.

      تسرب الفكر العلمانيّ إذن، بشكلٍ واسعً، بين أبناء الشعب، على غفلة من أبنائه. وكان الجانب الآخر في هذه المعادلة هو غبش الفكرة الإسلامية واختلاط التصور الإسلاميّ في العقول، مما ترك الدين في قلوب الناس وسحبه من عقولهم. فتغلبت الأفكار الصوفية وكانت محضناَ ملائماً للفكرالعلمانيّ الذي يفصل بين الدين والدنيا، كما هو في المذهب الصوفي الكفريّ[3].

      لكن هذه الهجمة لم يُمَكَّن لها دون مقاومة البتة. فقد ظهرت شخصيات عامة، سياسية وأدبية تقاوم، بشكلٍ أو بآخر، هذه الإتجاه الثقافيّ المدمّر، حيث اختلطت وقتها الفكرة العربية بالفكرة الإسلامية[4]. إذ من طبائع الصراع الثقافي أن ينشأ في خِضَمّه اتجاهان، يتصارعان بين القديم والجديد، وبين موروث الماضى ومعطيات الحاضر. وقد كان، في حالتنا هذه، الجديد هو العلمانية المقيتة التي حاول تزيينها أصحابُها، فقط لأنها جديد في مقابل قديم موروث، هو الإسلام!

      ونحن هنا نرصد جيلين متعاقبين، أحدهما ممن ولد بين عشرينيات القرن الماضى، وحتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، والآخر ممن وُلد بعد الحرب إلى السبعينيات من ذاك القرن. وكلا الجيلين قد انقسم بين هذين الإتجاهين، بدرجات مختلفة وظلال متباينة.

      كان الجيل الأول هو الأكثر تأثّراً بالتغيير الثقافيّ الذي تسرّب على غفلة، فإذا بغالبية أبنائه من "الوطنيين" ينتمون لحزب الوفد العلمانيّ دون وعيٍّ أو تمييز لعلمانيته تلك. وكان هذا الإنتماء مفخرة لكثير من شباب ذلك الجيل المنكوب ثقافيا وعقدياً. ثم كان القسم الآخر، الذي مثّل المُضاد "الإسلاميّ" والذي تَمَثَل، كما ذكرنا، في شخصيات عامة، كما تمثّْل في حركة إسلامية وليدة آنذاك هي حركة "الإخوان المسلمون".

      وقد وُلِدت هذه الحركة في ظروف تاريخية فريدة، بين سقوط الخلافة والإستعمار العسكريّ والهجمة الثقافية الشرسة، مما شكّل فكرها بطريقة معينة، ورَمَتْ بخَلَفِها خاصة في يد الإرجاءالعقدي[5] كما سنبين بعد. ونلمح في هذا القسم من الجيل غياب شبه تام لمفهوم التوحيد الخالص، في الحياة اليومية في كافة مناحي الحياة.

      ثم كان الجيل التاليّ، والذي انقسم إلى كتلة سارت على خطى القسم الأول من الجيل السابق لها، فتشبّعت بالفكرة العلمانية، دون وعيّ منها، ورسخت فيها مبادئ تضاد التصور الإسلامي، وكان وجودها امتداد طبيعي للجيل السابق وموروثه النكد. وهم اليوم من يؤيدون السيسيّ ويرضون بحكمه، نفاقاً أو استسلاماً أو سكوتا وإعراضاً، وهم الذراع الحقيقي الذي تستند عليه القوة العسكرية الغاشمة. وكتلة استشعرت الخطر الماحق، دون أن ترى تفاصيله، فبقت على حب الله رسوله، وعرفت بفطرتها خُبث ما يراد بها، وهم أولئك الذين ملؤا رابعة والنهضة وقدموا شهداءهم فرحين مغتبطين.

      إذن تمخّض هذا الجيل عن قسمٍ تمرد على تلك الثوابت المُنحرفة، منه تلك الكتلة التي ذكرنا من العوام، ومنه امتداد ما سبق من حركات، فكان أن واصلت حركة الإخوان طريقها، فواجهت الطغيان الديكتاتوريّ المُتمثل في الهالك عبد الناصر لعنه الله، لكن بمفهومٍ وتصورٍ لم يناسب الواقع، كما سنبيّن، كما ظهر جمعٌ أدرك غياب التصور التوحيدي عن ذهن الأمة وعقلها وروحها، علماً وعملاً، فاتخذ منحى إيضاح هذا التصور بجلاء وصفاء، وكان على رأس هؤلاء الأستاذ سيد قطب، شهيد ذاك الجيل، الذي ما تحرك في هذا الإتجاه إلا عقيب الحرب العالمية الثانية، رغم انتمائه للجيل الأول الذي ذكرنا. كما ظهرت، كردود فعلٍ للتصورات الإخوانية ، تيارات ألقت بها السذاجة السياسية في اتجاه الجهاد دون رَوِيَّة أو دراسة أو استعداد، مثل الجماعة الإسلامية على وجه التحديد.

      من هذا الجيل الثاني، تكونت القيادات الحالية للمُرَكَّبْ الإسلاميّ في أيام الناس هذه، بدءأ بمحمد بديع وخيرت الشاطر ومحمد البلتاجي وحازم أبو اسماعيل، إلى الشيخ رفاعي سرور رحمه الله والشيخ عبد المجيد الشاذلي شفاه الله، ومن زاملهما.

      هذا ما أدى بنا إلى الموقف الحالي الذي تصطفّ فيه قوتان، قوة عسكرية هائلة بلا ضمير، ومعها شعبٌ كفر بالله وبرسوله، وخرج من أحضان أمته، ووقع في حجر العلمانية الشيطانية. وهؤلاء يقفون بالمرصاد لكل من تُسَوّل له نفسه الخروج على مسارهم الكفريّ. وشعبٌ أعزلٌ مُسالمٌ، يحب الله ورسوله، لكن لا يعرف جهاداً ولا يقدر عليه، يخرج في تظاهراتٍ "سلمية" وسلاسل بشرية تتخوّف[6] أعدادها كلّ يوم.

      نعم، ما حدث في رابعة والنهضة كان عملاً اسطورياً غير مسبوق في التاريخ الحديث، يبين بوضوح مدى محبة الأمة المسلمة لدينها واستعدادها للتضحية. لكن هذه الروح وهذا الإخلاص يحتاجان إلى أدواتٍ تنقلهما من عالم الضمير والمشاعر الى واقع محسوسٍ على الأرض، يكافح ويغالب، يَقْتُل ويُقْتَل. فالحق أن السلمية ليست أقوى من الرصاص. بل الرصاص أقوى وأشد أثراً. إنما الغلبة لمن يطلقه.

      إنّ الواقع الحاليّ لن يفرز نصراً إلا في حالة واحدة، أنْ ترى عناصر من الشعب أن الكفاح المسلح هو الطريق لمقاومة الإحتلال العسكريّ، فتتحرك في هذا الإتجاه بالتوازي مع المظاهرات السّلمية والسلاسل البشرية. ثم أن يستمر الضغط الشعبيّ مع العصيان المدني الكامل من قِبَل الشعب المؤمن. وهو أمرٌ لا أرى أنّ الفرصة متاحة له اليوم. ولابد هنا أن ندرك أنّ القوى العسكرية الغاشمة لن تتنازل ولو انهار الإقتصاد كلية. بل على العكس، فإن العسكر وأمراء الحرب تقوى قبضتهم في ظل الأزمات الإقتصادية الطاحنة، كما نرى في دول إفريقيا وأمريكا الجنوبية.

      أما عن صنيع الإسلاميين أنفسهم وحصاد فكرهم المرّ، وما جنته أيديهم في الوصول بواقعنا إلى ما هو عليه، فهو موضوع الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

       

      الجزء الرابع

      (5)

      أما عن صنيع الإسلاميين أنفسهم وحصاد فكرهم المُرّ، وما جنته أيديهم في الوصول بواقعنا إلى ما هو عليه، فهو حديثٌ ذو شجون.

      ذكرنا أنّ الهجمة الثقافية العلمانية الملحدة أنبتت ردة فعلٍ إسلامية تمثلت في شخصياتٍ عامة تدافع عن الإسلام، وفي ظهور جماعة الإخوان المسلمون. لكنّ الظروف العامة التي تكونت فيها الجماعة، وهي باختصارٍ قُربها عهداً بسقوط الخلافة ووجود دعوات قوية لإعادتها، ووجود الإستعمار البريطاني والملكية ودورهما، ثم بعض الإنتماءات الفكرية لمؤسسها حسن البنا رحمه الله، خاصة في الإطار الصوفيّ، كل هذا أدى إلى أن خرجت جماعة الإخوان في عَهدها تمثل اتجاهاً لا يُنَاهِض، بل يُصَالح، وبتعبير آخر خرجت في صورة جماعة إصلاح لا جماعة تبديل أوتغيير[7].

      ثم، دفعت الظروف المتبدّلة هذه الجماعة إلى تكوين جناحٍ عسكريّ وتنظيم سري بعد أن ألجأها الواقع إلى ذلك الإجراء، وقامت بجهادٍ مشرّفٍ في حرب فلسطين في 48، حتى أنهي الهالك جمال عبد الناصر دورها وأعدم عدداّ من رموزها واعتقل عشرات الآلاف من أعضائها.

      تم تنظير الرؤية الفقهية للجماعة، تحت تأثير الواقع السياسيّ، في الستينيات، بخروج دستورها "دعاة لا قضاة". وكان السمت الأساسيّ لهذه التنظير هو امتدادا للوجهة الإصلاحية في البعد سياسياً، وإرجائياً صوفياً في البعد العقديّ. انتقلت قيادة الإخوان بعد هذه الفترة إلى الجيل الثاني الذي أشرنا اليه، وأخذ الراية جيل العريان والكتاتنيّ وعبد المنعم عبد الفتاح، وتمثلت في توجهاتهم كلّ أوليّات هذين التوجّهين السياسيّ الإصلاحي والعقدي الإرجائي الصوفي. وقد فصلنا القول في هذا الأمر في العديد من كتبنا ككتاب حقيقة الإيمان" الذي أصدرناه عام 1978 كرد شرعي تأصيلي على كتاب "دعاة لا قضاة"، وفي مقالاتنا، فلا داع للإعادة.

      كان من نتيجة ذلك التوجّه أن سارت التربية الإخوانية تقوم على مبادئ عامة، وإن كانت غير مدونة:

      • نبذ فكرة الجهاد المسلح بالكامل، واقصائها حتى من أدبيات وفكر هذه الجماعة.
      • التعامل مع الحكم بغير ما أنزل الله كأنه معصية، ومن ثم الرضا به كواقعٍ نعمل على "إصلاحه" لا "تبديله".
      • التعامل مع الكفار من الحكام على أنهم مسلمون عاصون باغون، فحادوا عن مفهوم التوحيد وضرورات التصور الإسلاميّ، الذي ينص في مسلماته على كفر الحاكم بغير ما أنزل الله تشريعاً وتقنيناً، واختلط عليهم الحاكم العاصي الذي يحكم تحت مظلة الشريعة وإن مارس الظلم والعدى على الحدود، وبين الحاكم الذي يُشرّع من دون الله تحت ميادات مسمى الديموقراطية أو الحداثة أو ما شئت من تلك الأسماء.

      أنتج هذا التوجه العقدي السياسيّ جيلاً مشوهاً من الشباب، يتبع قيادات مشتتة الرؤية، منحرفة العقيدة. لكنّ الأخطر، ما استثمرته الأنظمة الكفرية التي تعاقبت على الإخوان، أو تعاقب عليها الإخوان، هما مفهوميّ "التكفير" و"الجهاد".

      أما "التكفير" فقد عاملته الإخوان وكأنه أمرٌ انتهى منذ فتح مكة، فلم ولن يكفر أحد بقولٍ أو عملٍ ما دامت السموات والأرض! وقرنوا، بمباركة الأنظمة الكافرة العسكرية، التكفير بالخوارج. وهو انحراف عقديّ وخلل فقهيّ خطير. فالحكم بالكفر على فاعل الكفر إنما هو حكم فقهيّ شرعيّ باقٍ ما بقيت السموات والأرض، له شروطه وموانعه المعروفة في أبواب الردة في كافة كتب المذاهب.

      أمّا "الجهاد"، فقد تبرأ منه الإخوان، سيراً على هوى النظم الكفرية، ومتابعة لهجمة الغرب، الذي قَرَنَ الجهاد بالإرهاب. فخلت تربية الإخوان من أي إشارة للجهاد، بل ورفعوه حتى من شعاراتهم التي تبنوها عقوداَ عدة.

      وكان من جراء هذا الإنحراف في فهم وتقييم وتطبيق هذين المفهومين، ما رأيناه في أعقاب حركة 25 يناير 2011 من قيام وسقوط حكم الإخوان. فهم يتحملون، من جؤاء هذا الإنحراف، مسؤولية الدماء التي أريقت والعلمانية التي سيطرت، شراكة مع العسكرية السيسية الملحدة.

      ولا تزال قيادات الإخوان، حتى يومنا هذا، يصرّون على هذا النهج العقديّ المنحرف، وعلى نبذ فكرة الجهاد بالكلية، وعلى أنّ السيسي وجيشه وشعبه "إخواننا بغوا علينا!"، وهو ما يجعلهم عالة على عملية التغيير في مصر والعالم العربيّ، من حيث لا يصلحون قيادة الأمة، لا سياسياً ولا عقدياً، وإن استطاعوا اكتساب تأييد العوام لضحالة فكر العاميّ ابتداءً. وقد رأينا ما آل اليه هذا التوجه الإخوانيّ على الأرض فلا معنى للإطالة.

      (6)

      ثمّ إن ذلك التوجّه الإخوانيّ، عقب محاكمات 65، وإعدام سيد قطب ومحمد يوسف هواش وعبد الفتاح اسماعيل رحمهم الله، في قضية تنظيم 65، والتي تولي رئاسة محكمتها العسكرية اللواء الدجوي أحد أخسّ الشخصيات العسكرية في التاريخ المصريّ، ظهرت ردة فعل لذلك الإنحراف العقديّ السياسيّ، خاصة في مفهوميّ "التكفير" والجهاد".

      وإن من طبيعة ردود الأفعال عدم الإتزان والبعد عن الوسطية، وهو ما أطلقتُ عليه "نظرية البندول". فظهرت جماعة "التكفير والهجرة"، كرِدّة فعل على الخلل في مفهوم "التكفير" كما ظهرت جماعتي "الجهاد" و"الجماعة الإسلامية" كرد فعلٍ على الإنحراف في مفهوم الجهاد لدى الإخوان.

      وقد انتهى أثر جماعة التكفير والهجرة سريعاً بعد إعدام زعيمها مصطفى شكري في السبعينيات.

      أمّا جماعتيّ الجهاد والجماعة الإسلامية فقد نفّذوا بعض العمليات الصغيرة التي لم تُسْفِر عن أية نتيجة على الأرض، إلا عملية قتل السادات، التي نفّذها أربعة من تنظيم الجماعة الإسلامية. وقد أعدم بعدها المُنفذون ومعهم محمد عبد السلام فرج صاحب كتاب "الفريضة الغائبة" ومنظّر جماعة الجهاد.

      وقد كان من نتيجة "نظرية البندول" أن تراجَعَ أعضاء الجماعة عن اتجاههم، لكن بانحراف جديد عن الخطّ السنيّ الوسطيّ الصحيح. وكانت مهزلة التراجعات التي دونها سيد إمام، والتي أطلق عليها "المراجعات" أو "وثيقة ترشيد الجهاد"، ثم وَضُحَ الخَلل عملياً حين تبنّت الجماعة العملية السياسية والإنخراط في لعبة الديموقرطية والبَرلمانية العوجاء، ونبذت الفكر الجهاديّ تماماً وتبرأت منه. وظهرت بشاعات الإنحراف الجديد في أقوال وتصرّفات العديد من قادة هؤلاء ككرم زهدي والساقط ناجح إبراهيم، وعبود الزمر وعاصم عبد الماجد وعدد من قادتهم ممن أصبح مارساً للعلمانية السياسية وتعدى في انحرافه النهج الإخواني.

      أمّا عن السلفيين المنزليين، فهم بقية المدرسة المَدخلية الإرجائية البدعية، وعبيد آل سعود، وقياداتها، مثل العاهر البُرهامي والخائن المخيون، قد تربّت في أحضان أمن الدولة وبمباركته. وقد كان ظهورهم على مسرح السياسة كارثة على الحركة الإسلامية. وهم اليوم ديكور السيسي في حكومته ولجانه ودستوره الكفريّ.

      تلك هي الحركة الإسلامية، باختصارٍ شديدٍ، في ماضيها الذي انعكس على حاضرها وحاضرنا جميعاً.

      ثم إنّ تقييم هذا الواقع الحاضر في يومنا هذا وإمكانية الحركة فيه، وإدراك أبعاد الحركة الإسلامية اليوم وإمكاناتها المتاحة، هو سبيل استشراف المستقبل، ورسم الخطى للسالك في طريق الهداية ومدراج النصر. وهو ما سنحاول تناوله في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

      الجزء الخامس

      خلصنا إلى نقطة هي "أنّ تقييم هذا الواقع الحاضر في يومنا هذا وإمكانية الحركة فيه، وإدراك أبعاد الحركة الإسلامية اليوم وإمكاناتها المتاحة، هو سبيل استشراف المستقبل، ورسم الخطى للسالك في طريق الهداية ومدارج النصر". وهو ما سنحاول التفصيل فيه في هذا المقال.

      يتراوح تقييم الواقع اليوم بين شعور الأمل والتفاءل، وشعور اليأس والتشاؤم، على حسب علمِ من تتحدث اليه، وادراكه للتاريخ عامة واستيعابه للأحداث ودلالاتها، وإن كانت سمة عصرنا التكنولوجيّ هذا أنّ كل امرءٍ يدلي بدلوه، ويسميه رأياً، في كلِّ أمرٍ شرعيّ أو واقعيّ، فالفتوى مباحة للجميع، أو على الأصح مُستباحة بالجميع. لكن الأمر ليس أمر تفاؤل أو تشاؤم، بل هو أمر حسابات دقيقة وتحليلات موثّقة، مرتكزة على قواعد شرعية ووقائع مجردة، إذ الواقع، كما ذكرنا سابقا، غالبا ما يأتي ملوناً بلون صاحبه، قبل أن يعرضه عل أية قوعد عقلية أو شرعية.

      (7)

      من المهم الحاسم هنا أن نبين بعض المفاهيم الشرعية التي تلقى الضوء على "رؤيتنا للواقع" كما هو اليوم، بناءً على تحليلنا السابق لمعطياته. وهذه المفاهيم تتعلق أساساً بموضعيّ الإنحراف العقديّ عند الإخوان، وهما "التكفير" و"الجهاد".

      أحكام الإسلام والردة:

      نبددأ بأن نقرر، كما قلنا سابقاً، أن أحكام الإسلام والردة هي أحكامٌ شرعية، تتناولها كتب الفقه عامة، كما تتناول أحكام الوضوء والطهارة والزواج والربا والبيوع وغير ذلك من شرائع الإسلام. وقد درج

      ينقسم الناس، في التصور الإسلامي، إلى مسلمٌ أو كافرٌ أصليٌّ أو مرتدٌ.

      • والمسلمُ إما سنيّ في مقابل البدعيّ، أو تقيّ في مقابل العاصي.
      • والكافر الأصليّ، وهم أهل الكتاب من نصارى ويهود.
      • والمرتدُ، وهو كافر كذلك، هو من تحول عن الإسلام وخرج من دين الله بصورة من صور الردة، بالقول أو العمل أو الإقرار. ثم المنافق، وهو خليطٌ بين مرتد أو كافر، يظهر الإسلام ويبطن الكفر، فيلحق بهذا القسم.

      ثم الأعمال في التصور الإسلاميّ، أما بالقلب أو اللسان أو الجوارج. وتنقسم إلى أعمال طاعة، أو معصية أو بدعة أو كفر وردة.

      • أعمال الطاعة هي ما أوجب الله سبحانه على عباده بدءاً بالإقرار بوحدانيته وألوهيته وتفرده بحق التشريع والحكم في حياة الناس، ثم يترتب علي ذلك إقامة الشعائر من صلاة وزكاة وحجٍ وبيوع وأحكام زواج وطلاق وجهاد وغير ذلك من تصاريف الحياة كلها.
      • أعمال المعصية: وهي مخالفة ما نهى الله عنه قصداً وعمداً، ضعفا وشهوة، وهي ما طلب الله الكفّ عنها، تحريما أو كراهة كتناول المسكرات أو القتل أو الزنا، أو الظلم، العزل لقطع النسل.
      • أعمال البدعة: وهي تلك الأعمال التي تخالف مقاصد الشرع الحنيف وإن اشتبهت على المبتدع وتشابهت عليه كأنها من الشرع، جهلاً وشبهة.
      • أعمال الردة: وهي أساساً كلّ ما يناقض الحكم الأوليّ بالإسلام. وأبواب الكفر كثيرة، أساسها الطعن على الله في ربوبيته، مثل إدعاء الولد والشريك والنظير له سبحانه، أو مشاركته في ألوهيته، وهي بالخروج عن طاعة الله في حكمه والإحتكام إلى غير شرعه، والرضا بالحكم الوضعيّ بديلا له، ثم موالاة الكافرين ونصرتهم ودعمهم والوقوف في صفهم، وإن لم يرتكب المرء الكفر بنفسه، فالموالاة كفر في ذاتها. ثم التوجّه بالشعائر والنسك إلى غيره، تعظيماً للغير ومساواة بينه سبحانه وبين الخلق، كمن دعا ولياً معتقداً أنه يتحكم في مصائر الناس وأرزاقهم، فهذا الداء هو عبادة بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "الدعاء هو العبادة".

      والدخول في الإسلام يكون بإقرار الطاعة لله وحده لا شريك له، وعنوان هذا الإقرار شهادة لا إلى إلا الله محمد رسول الله. فشهادة بلا إقرارٌ بالطاعة لا تنفع. والطاعة هنا ليست الطاعة في أعمال المعصية أو أداء الواجبات، بل هي الطاعة في التحليل والتحريم، وهي عين العبادة، كما في حديث عديّ بن حاتم "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتحلونه ، قال : قلت : بلى ، قال : فتلك عبادتهم" الترمذي حسن ، والطاعة في الحكم بالشرع عامة، واتخاذه قاعدة الحكم في حياة الناس، وعدم الزامهم بتشريعٍ موازٍ من صنع البشر. فمن فعل هذا فقد أخل بما أقر به في القول بالشهادتين، وخرج عن حدّ الطاعة الواجب على من أراد الإنتساب لهذا الدين، وكفر بربِ العالمين.

      فإجراء الحكم بالكفر يأتي من إتيان عمل من أعمال الردة، لا أعمال المعصية أو البدعة، إلا أن كانت بدعة مكفرة. وهذا الحكم الشرعيّ وأن كان لا يجب الإفتاء به إلا لمن حاز قدرا كافيا من العلم احترازاً من الولوغ في دماء وأموال المسلمين، فإن من الأمور، في بعض الأزمان، ما يصبح حُكمه شائعاً معروفاً كحكم كفر التتار في أيام بن تيمية.

      ودون أن ندخل في تفاصيل موضوع العذر بالجهل في هذا الموضع، فليرجع من شاء إلى كتابنا "الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد"[8]، لكن يجب هنا أن نفرّق بين العلم بالعمل، والعلم بتبعات العمل، أو بين التوصيف والتكييف، في أعمال الكفر بالذات. فإن من قام بعملٍ مُكفرٍ ولم يعرف ما هو لم يكفر، مثل أن يرى كتابا في مكانٍ مظلم فيلقيه على الأرض، ثم يكتشف أنه قرآن، فتوصيف عمل الرجل أنه ألقى القرآن على الأرض وهو عمل كفر، لكن تكييفه الشرعي أن لا يكفر فاعله لأنه لم يعلم أنه قرآناً. أما إن علم الرجل أنه قرآناً فألقاه على الأرض، وقال لا أعلم أن إلقاء المصحف كفراً، فتكييفه الشرعي أنّ فاعله كافرٌ. والفرق بينهما واضح، كمن سبّ الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم وقال إنه لم يقصد اهانته.

      الأمر إذن لا يتعلق بأنّ "والله يا شيخ دا راجل طيب" أو "والنبي دي ست محجبة" أو "دا راجل بيصلى وأنا باشوفه" وكل هذه التعليقات العامية التي لا محلّ لها في أي تكييف شرعيّ. إنما الأمر أمر طاعة في التشريع، وبراء ممن يكفر ويحارب الشرع.

      هذا، بإختصار شديد، هو ما يقوم عليه التصور الإسلامي في مسألة الحكم بالكفر. ومن هنا يمكن أن نفهم قولة ذلك العاهر المرتد علي الحَجّار حيث قرر أن مصر انقسمت إلى شعبين، كلٌّ له رب. فإنّ ذلك الجزء من شعب مصر، الذي رضي وتابع ودعم وفوّض الملاحدة العلمانيين في مسخ هوية مصر وهدم الإسلام بها، هم مرتدون عن دين الله، فارتكابهم أعمال الردة الصريحة من موالاة على الكفر. ولا يصح هنا أن يُعتذر بالجهل، فإن العلم بأن هؤلاء العلمانيين يريدون سحق الإسلام أصبح من المعلوم بالضرورة لإنتشاره في كل أخبارهم وتصرفاتهم وتصريحاتهم، من قتل للأبرياء رجالا وأطفالا ونساء، ومطاردة مظاهر الإسلام كالحِجاب واللحية، بما لا يحدث حتى في بلاد الغرب أو في دولة الكيان الصهيوني، وإغلاق مساجد الله ومنع ذكر اسم الله فيها، وحرقها "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُۥ وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَآ ۚ أُو۟لَـٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَ ۚ لَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌۭ وَلَهُمْ فِى ٱلآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌۭ" البقرة 114،  والإستهزاء بالدين علنا. ثم يأتي من يتحدث عن جهل هؤلاء التابعين المُرتدين بحقيقة ما يحدث على أرض مصر.

      إن من يزعم أن الصفوفَ لم تتمايز اليوم في مصر، وأن معسكريّ الكفر والإسلام لم يتبيّنا، هو أعمي بصر وبصيرة، منافق محضٌ وجاهل جهل كفر ناقل عن الملة،  بل اليوم يتلو المسلمون "قُلْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ ﴿١﴾ لَآ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴿٢﴾ وَلَآ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴿٣﴾ وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٌۭ مَّا عَبَدتُّمْ ﴿٤﴾ وَلَآ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴿٥﴾ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ" الكافرون.

      والفائدة في هذا التقريرهو معرفة ما ينبغي قوله أو فعله في مواجهة السلطة الكافرة العسكرية السيسية، وداعميها من أبناء الشعب الآخر الموازى للشعب المسلم.

      ثم يبقى أن نتحدث عن مفهوم الجهاد في واقع حالنا اليوم، فإلى الحلقة القادمة إن شاء الله.

       

      الجزء السادس

      قبل أنْ ينصرف بنا الحديث إلى مفهوم "الجهاد"، وهو النقطة الثانية التي انحرف فيه الفكر الإخوانيّ، وأدت لظهور حركات خرجت عن النهج السُنيّ الوسطيّ كما ذكرنا، أود أن أؤكد على ما ذكرته من أنّ مناط الحركة الصحيحة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتكييف الشرعي للقوى المغالبة، وهي النقطة التي فشل الإخوان، بل جبنوا، عن أن يتصدوا لها، فكان أن أودوا بنا إلى ما نحن فيه اليوم.

      ما أريد أن أبيّنه هنا أنّ الفئة العسكرية السيسية، وداعميها ومفوضيها، ليست فئة باغية كما يروّج جاهلي الإخوان، فالفئة الباغية هي التي تحارب خصومها على السلطة السياسية والإستيلاء على الحكم في إطار الحكم بالشريعة بعد الإستيلاء عليها، لا بالخروج عليها، لكن هذه الفئة العسكرية السيسية وداعميها ومفوضيها يحاربون على السلطة السياسية والإستيلاء على الحكم بهدف إقصاء الشريعة وتدمير الإسلام والخروج على الإطار الإسلاميّ بالكلية. وقد يظهر للمتعجل أنّ الإشتراك بين الشكلين من الصراع على السلطة السياسية والإستلاء على الحكم، يجعل حكمهما واحدا وهو البغي، وهو خطأ لا يقع فيه إلا العوام. فالشكلين من الصراع على السلطة يختلفان كلية من الوجهة الشرعية والعقدية، سبباً ونتيجة.

      (8)

      أما الحديث عن "الجهاد" فأود أن أشير إلى إنني اتناول هنا الجهاد الذي يندرج تحت حكم "دفع الصائل" في بلادنا العربية والإسلامية، لا الجهاد بمفهومه العام كجهاد الطلب، إذ الحديث عن هذا اللون من الجهاد في أيامنا هذه عبثٌ لا طائل تحته.

      وقد يتوهم البعض أنّ الصائل لا يكون إلا غريباً محتلاً. والحق أن الصائل هو كل من صال على الآمنين في ديارهم، فروَّعَهم وسلب مالهم وقتل أنفسهم وخرب ديارهم. وأفحش الصائلين هو من أضاف إلى ذلك منعهم من أداء دينهم وإقامة شرائعهم، سواء كان معتدٍ خارجيّ أو مقيمٌ داخليّ. وهذا التعريف، الذي لا يفرق بين المقيم والغريب، يمكن استنباطه بطريق تنقيح المناط [9]، إذ الوصف الذي جعل الصائل صائلاُ، إن حررنا مناطه كما في أصول الفقه، لم يكن لوصف الإقامة وكونه من أهل الديار أو غريب عنها أثرٌ في علة هذا الحكم.

      إذن فنحن نتحدث عن صائلٍ عسكريِّ كافرٍ بضباطه وجنوده، مدعوم بفصيل شعبيّ مرتد.

      وهذا الصائل يجب قتاله وقتله، قيادة وضباطاً وجنوداً محاربين، بلا خلاف، وجهاده واجبٌ على القادر بلا خلاف. الأمر اليوم هو التمكن من القتال، وإعداد العدة له أفراداً وعتاداً. فإن أي وسيلة أخرى لن تجدى نفعا.

      القوة المشركة هائلة بالنسبة للشعب المسلم "المسالم". وآلة الحرب التي تستوقى بها شديدة البطش. والشخصية العسكرية، سواء في الأمن أو الجيش، شخصية معقدة، جاء غالبها من أحطّ الأوساط الإجتماعية،  ثم نُشِّأَت على الإجرام وعدم الضمير والبعد عن الدين، وكراهية الغير عامة. فهي شخصية لا خير فيها ولا مجال للتفاهم معها، فهم جند فرعون بكل ما تحمله الجملة من معنى.

      ويسأل سائل "إذن لماذا اعتبرت أنّ جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية كانا على خطئ بيّن فيما فعلوه من قبل"؟ ونقول، الفرق جدُّ كبير. فإن مناط الحالين مختلف إختلافاً بيّنا.  إن من اعتبر الجهاد فرض عين على كل مسلم آنذاك إنما اعتبر الحكم الشرعي، أو المناط العام النظريّ. فالقول بأن الجهاد فرض عين على كل مسلمٍ لا ينشأ عنه أن كل مسلم سيقوم بالجهاد بالفعل، بل فرض هذا هو فرضٌ نظريّ لا مراعاة فيه للمناط الحقيقيّ الواقع، وهو أن غالب المكلفين بالجهاد لم يحرجوا له. وقد كان الشعب وقتها غيرَ مؤهلٍ لأن يدعم جهاداً، ولم يخرج منه أحد لدعم العملية الجهادية لأسبابٍ عدة. ولا شك أن الإحجام عن الجهاد في وقت طلبه إثم كبيرٌ، إلا أنّ ذلك كان هو الحال والمناط وقتها في الثمانينيات. وإنما يجب على الفقيه أن يعتبر المناط الخاص أو الفتوى. فحين خرجت جماعة الجهاد أو الجماعة الإسلامية، خرجتا دون دعمٍ ولا استعداد لمواجهة حقيقية، خلاف الحالة في أفغانستان على سبيل المثال. والجهاد كالصلوات الخمس والزكاة والحج، له شروط وموانع، إلا إنه يختلف عنهما في أنه عمل جماعي مثل صلاة الجمعة، إن لم يصل العدد إلى حدٍ معينٍ لم تجب على الفرد.

      أمّا اليوم، فإن جمع غفيرٌ من الشعب، وهو ذلك القطاع من الشعب الذي بقي على إسلامه، قد أدرك، بوقائع الإحداث على الأرض، ما لم يكن ممكنا أن يدرك في قرونٍ من التعلم النظريّ، وصار مستعداً لدعم حركات جهادية داخل أرض مصر لإستراداد حقه المغتصب. وإنه لا شك أن الخراب الفكريّ الإخوانيّ لا يزال يعمل عَمله في عقول الناس بحديث "السلمية" ومنهج "سلميتنا أقوى من الرصاص"، وأن طريقنا هو الديموقراطية، إلا أنّ الأحداث ستتجاوز هذا الفكر العفن سريعاً إن شاء الله.

      إلا أن هذا لا يعنى استعداد الشعب المسلم اليوم للقتال. فإن كثيرا من هذا الشعب لا يزال لا يعي معنى الخلل الديموقراطيّ، ولا يعي معنى النهج السلميّ كمنهج دعوة، إن صلح كتكتيك قريب المدى، فإنه لا يصلح كمنهجٍ للتغيير.

      ومن هنا فإننا نسعى في هذه السلسلة لأن نجد الطريق لتعديل المسار الحاليّ، الذي خَطّه الإخوان، بما شَاب دعوتهم من انحراف في إدراك واقع الإسلام والكفر من ناحية، ودعوة السلمية والتخلى عن جهاد نظام السيسي الكافر العلماني كطريقٍ يُنتهج.

      (9)

      الواقع المصريّ إذن، إذا اعتبرنا كلّ المعطيات التي تحدثنا عنها، لا ينبأُ بتغيير مرتقبٍ سريعٍ على الأرض. فقوة التظاهرات الحالية تتضاءل يوماً بعد يومٍ، والعنف والبطش العسكريّ السيسي ترتفع وتيرته. ومظاهر الكفر تعلو كلّ يوم في كافة أنحاء البلاد من إغلاق مساجد وطرد أئمة واعتقالات وقتل وتخريب. وما نراه مؤخراً من محاولة لطرد أهل سيناء من أراضيهم لتصبح حزام أمانٍ لإسرائيل بطولها وعرضها، وهو ما يعيد سيناريو الإجلاء الصهيوني للفلسطينيين إلى الأذهان.

      إن الدعوة إلى التظاهرات دعوة مشروعة لا غبار عليها، بل إن استمرارها بكثافة ضرورة لعرقلة جهود الكافرين، إلا انها لن توصل لحل الأزمة التي وضعنا فيها الإخوان، بتقاعسهم عن الخروج مرات، قبل استلامهم السلطة، وتواطئهم مع العسكر مرات، وانتهاجهم الديموقراطية التي كفر بها أولياؤها، إذ صنعوا منها إلها من العجوة، ركع له الجميع، بمباركة الإخوان، إلا أنّ من صنعها أكلها حين لم تفي بحاجاته، وظل الإخوان، ومن تابعهم يعبدونها إلى يومنا هذا! هذه الديموقراطية التي رفضها مؤسس الإخوان حسن البنا رحمه الله، في رسالته "مشكلاتنا في ظل النظام الإسلامي"[10] في حديثه عن النفاق العالمي وأنهم يتحدثون "...باسم الشيوعية أو الديموقراطية، وليس وراء هاتين اللفظتين إلا المطامح الإستعمارية والمصالح المادية في كل مكان"، ويقول "ولو أخذنا بالحزم وأعلناها صريحة واضحة: أننا معشر أمم الإسلام لا شيوعيون ولا ديمقراطيون ولا شئ من هذا الذي يزعمون، ولكننا بحمد الله مسلمون" وهذا الكلام حجة على إخوان اليوم الذين خانوا إمامهم وعهدهم وساروا وراء الزيف الديموقراطي، وشوّهوا عقول الكثير من الشباب، وتسببوا في قتلهم وضياع ثورتهم.

      نصل إذا إلى السؤال الذي يحيرنا جميعا، وهو ماذا نحن إذا فاعلون؟

       

       الجزء السابع

      (10)

      لا يمكن أن يَزعم أحدٌ اليوم معرفة الحلّ الناجِع والنهائي للوضع الحاليّ الذي تمر به أمتنا المسلمة في مصر، أو الطريق إلى الخروج من ظُلمة الكفر التي أحاطت بها من كل جانب، إلى نور الإسلام وضيائه. فالوضع غاية في التعقيد والصعوبة، والتاريخ الذي أوصلنا إلى هذه النقطة، والآثار التي ترتّبت على الأخطاء المُتراكمة فيه، جعل هذا الطريق وذلك الحلّ كجنين متوارٍ عن أعين محبيه ومنتظريه، لا يروْن منه إلا ظاهراً من بطنِ أمه غير مُحدّد المعالم. إلا إننا نرى أن التصدّر لتحديد معالم هذا الطريق، بل ومساره وبنياته، رغم صعوبته وتعقيده، أصبح الواجب الأهم الذي يجب أن يُرَكِّز عليه المُهتمون بالقضية الإسلامية، من العلماء والدعاة المؤهلين لهذا النظر، فهو أمرٌ ما لا يَجْشَمُه إلا القادرون عليه.

      هناك نقاط ، منها شرعية ومنها عملية، يجب أن ينطلق منها تصوّر الحلّ، الذي ينحصر، فيما نرى، في تصورين عامين لا ثالث لهما، سنبيّنهما بعد. تلك النقاط، التي يجب أن يتفق عليها العقلاء من العلماء والدعاة[11]، في تصورنا، هي:

      1. أن كلمة "السلمية