فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مصداقية على المحكّ!

      قرأت قبل أمس مقالين في جريدةٍ، كليهما عن جماعة الإخوان المسلمين: المقال الأول فيه تعهد من المرشد العام بمحاسبة ومحاكمة أعضاء المجلس العسكري على ما اقترفوه من جرائم منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011، والمقال الثاني فيه تصريح عن مشاورات بين الإخوان وبعض الأحزاب الفلولية الأخرى ـ كالوفد ـ لإعطاء أعضاء المجلس العسكري حصانة قضائية لتحميهم من المساءلة القانونية عن كل جرم ارتكبوه قبل الثورة، وأثناء الثورة وبعدها، على نقيض المقال الأول، وفي غالب الظن عدم محاسبة العسكري عن ميزانيات الجيش في الماضي أو المستقبل، ولا التدخل في السياسات العسكرية، ولا في أي من أمور الجيش المصري.

      ثم تلا هاتين المقالتين اليوم مقال ثالث أفصح فيه جماعة الأخوان صراحة عن مبادرة لإعطاء المجلس العسكري حصانة قانونية تحول دون ملاحقته قضائياً عن كل ما إرتكبوه من أخطاء متعمدة أو بجهالة أدت إلى قتل وضرب وسحل وإنتهاك أعراض المتظاهرين - لِما قد قدموه لثوار شعب مصر، وفي لقاء لاحق على إحدى الفضائيات المصرية سأل مقدم البرنامج المتحدث الرسمي للجماعة عما إذا كانت هناك صفقة تمت بالفعل أم أن المشروع مازال في طي الدراسة، فأقسم "المتحدث بإسم الأخوان" بالله العظيم أنهم لم يعقدوا صفقة مع المجلس العسكري وأنها كانت مبادرة "حتى يسهل تسليم السلطة بدون مشاكل" حسب تصريح متحدث الأخوان، وهذا بالطبع منافي للواقع. ونرد على الأخوان بأن نسألهم: من الذي خولكم لإعطاء هذه الحصانة للمجلس العسكري أو أعضائه؟ وكيف يمكنكم التنازل عن حقوق غيركم من أهالي الشهداء والمصابين ومن إنتهكت أعراضهم ظلماً وجوراً؟ كما وإنه لا يجوز شرعاً أن تتنازلوا عن دماء الشهداء وأعراضهم بغير حق أو تفويض - بإختيار أقل الضررين حسب زعمهم - وإلا أصبحتم شركاء مع المجلس العسكري في الجرم، وهذا النوع من التدليس السياسي يُعد من الكذب والتآمرعلى الشعب. فهل يعتبرون أن المؤامرة والمداهنة والكذب من السياسة؟ أوَ ليس على المؤسسة العسكرية وأفرادها شأنها شأن باقي مؤسسات الدولة الخضوع للقوانين؟ أم أنهم لا يعلمون أن الشعب قد ثار للمطالبة بتطهير جميع مؤسسات الدولة؟ ونذكر الأخوان بأن سلطات مجلس الشعب هي التشريع "حسب ما يتفق مع الشريعة" والرقابة الحكومية، وليس في هذه السلطات ما يبيح المناورة أوالمتآمر على الشعب كي لا تصطدم الجماعة مع المجلس العسكري. كما ولا يجوز تقديم مصلحة الجماعة على مصلحة الشعب والوطن. وإذا إعتبرتم أن الحصانة القانونية "وهي بمثابة الرشوة"هي سبيلكم الوحيد للخروج من الأزمة فأنتم تقدمون جلب المصلحة الجزئية عن درء المفسدة الكلية وهذا يتنافى مع المباديء الشرعية، ولم إذن لم تعطوا مبارك حصانة وتطالبونه بحل مشاكلكم؟

      كما ويجب مناقشة أبعاد هذه التصريحات المتناقضة والاتفاقات التي قد يدخلها مجلس الشعب - ذو الأغلبية الإخوانية - مع المجلس العسكري دون إعطاء الشعب المصري - ضحية جرم العسكر - الحق في القبول أو الرفض، وكأنّ الإخوان بوصولهم لمجلس الشعب أصبح يحق لهم التنازل عن حقوق الشعب من دماءٍ وأعراض وأموال، والتحدث باسم الشعب، ولو كان بما يتناقض مع الإرادة الشعبية والشريعة، والشعب المصري يرفض ابتداء هذا النوع من الوصاية الإخوانية أو من أي طرف آخر.

      ولو رجعنا لمحاولة تحليل تضارب المقالات سنتطرق إلى سؤالين آخرين، أولهما: هل لدى جماعة الإخوان وأحزاب المداهنة الإرادة الفعلية لمحاسبة العسكر؟ وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن نتساءل: هل هنالك مصلحة في إعطاء هذه الحصانة لأعضاء المجلس العسكري دون وجه حق؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فمَنْ هو المستفيد من تحقيق هذه المصلحة؟ والإجابة الصريحة على السؤال الأول هي طبعًا بالنفي، فليس للشعب أية مصلحة في تحصين المجلس العسكري وأعضائه ضد المساءلة القانونية، ولا في التنازل عن حقوق أهالي الشهداء والمصابين الذين قامت السلطات المصرية بعرض الرشاوى عليهم للتنازل عن القضايا؛ حيث إنّ القصاص واجب قرآني صريح فرضه الله سبحانه ويستوجب إقامة الحد الشرعي ليردع المجرمين عن التورط في المزيد من الجرائم. وعليه فإجابة السؤال الثاني هي أن كل مَنْ يريد تحصين المجلس العسكري وأعضائه عن المساءلة القانونية إنما يفعل ذلك بدافع مصالح شخصية أو فئوية (حزبية) لصالح الإخوان أو الوفد، يُرجَى من ورائها "تطييب خاطر العسكر"؛ حتى يتفادى أصحاب هذه المصالح التصادم معهم، ولو كان ذلك على حساب الشعب وأسر الضحايا، من إهدار الدم والعِرض المنتهك. وبالتالي الإجابة الصحيحة والصريحة هي انتفاء إرادة الإخوان في محاسبة أومحاكمة المجلس العسكري تمامًا، والزعم بها كذب وتضليل.

      ثم يجب أن نتطرق للسؤال الثاني والأهم وهو: هل لديهم الأسنان لمحاكمة المجلس العسكري أو أعضائه محاكمة عادلة نزيهة أمام القضاء في ظل غياب قضاء شريف؟ وحتى لو تم افتراضًا محاكمة العسكر هل لدى المجلس الأسنان لتنفيذ تلك الأحكام؟

      ولمناقشة هذا السؤال يجب طرح أسلوبين للمحاكمة: أولهما أن تكون المحاكمة عسكرية وهذا درب من المستحيل أن تحاكم النيابة العسكرية والقضاء العسكري وزير الدفاع (القائم بأعمال رئيس الدولة) وقادة الفرق واللواءات. والطرح الثاني هو إمكانية محاكمتهم أمام النيابة العامة والقضاء الجنائي، وهذا أيضًا شبه مستحيل لتورط النيابة العامة والقضاء المصري مع المجلس وأعضائه في تدليس قضائي منذ اندلاع الثورة حتى الآن.

      ولو افترضنا مجازًا أن النيابة العامة والقضاء المصري سينتبهان لأهمية محاسبة رموز مبارك وفلوله والمجلس العسكري ـ وهذا أمر مستبعد ـ فهل لمجلس الشعب المنتخب أسنان تنفيذية لتنفيذ القانون على المتهمين بما يحقق العدالة ويُرجِع لكل ذي حقٍ حقه؟ والإجابة الصحيحة والصريحة هي أيضًا بالنفي، خاصة في ظل الانفلات الأمني في الداخلية وانسياب الطابور الخامس الذي يقوده كبار ضباط الداخلية وأمن الدولة والشرطة العسكرية والمخابرات. وتجربة مصر منذ قيام الثورة للآن تجزم أن الطابور الخامس لن يسمح سلميًا بقيام دولة قانون، ولا بنتائج الانتخابات، ولا بإرجاع الحقوق لأهلها، ولا بتعويض أسر الضحايا.

       والسؤال الأخير : هل لدى مجلس الشعب المنتخَب الجديد إمكانية للرقابة على الحكومة ومؤسساتها أو لتطهيرها من الفساد الإداري بما في ذلك النيابة العامة والقضاء؟ والإجابة هي أيضًا بالنفي؛ لأنّ جميع السلطات التنفيذية في مصر تعمل لصالح الطابور الخامس "الخفي" الموالي لمبارك وعائلته وحاشيته وفلوله، وهؤلاء مرقوا عن القانون والشرعية، ويعملون بمعزل عن التوجه الحكومي. وبالتالي فإن هذه السلطات السرية لن تحترم أي تغيير دستوري أو شرعي يدعو لتطهير مصر.

      إذنْ تبقّى لنا سؤال واحد لأعضاء المجلس: كيف إذن لمجلس الشعب الجديد تطهير النيابة والقضاء والسلطة التنفيذية والفساد الإداري دون أجهزة تمكنه من التطهير وبدون أن يتآمر مع العسكري على الشعب والثورة؟

      وهذا ما يدعونا للقول بأنّ "مصداقية  حزب الحرية والعدالة بل ومجلس الشعب الجديد بأكمله أصبحت على المحكّ" بسبب خطأ لم يُرتكب بعد.