فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      شبهات من واقعنا المعاصر - من حصيلة غزة العزة

      (1)

      من أسخف الاعتراضات التي نراها، على من قدم نقداً لمعبودة الجماهير، حماس الرفض الفارسية، قولهم:

      "وماذا قدمت أنت للقضية"؟

      "وما قدمت أنت، وأنت جالس في مأمن بعيد في حكم الكفار"؟

      -----------------------

      دعوني أرد على هذا الخبال الرويبضي، كما رددت على شبهات من قبل، وبالله التوفيق:

      أولاً: وأين في بلادكم، يا من تتحدثون، دار إسلام، تُرفع فيها أحكام الشريعة الغراء، ويكون الأمان الأصلي الأول فيها للمسلم، كونه مسلماً؟

      هيا، قولوا لي!!

      مصر، أم السعودية، أم الإمارات، أم الخليج، أم سوريا، أم الأردن، أم الجزائر، أم تونس .. فقط أعطوني دولة واحدة، يمكن لقائلها أن يقول: لا أعيش تحت حكم الكفار الطواغيت؟

      ثانيا: أين، في كل دولكم، مأمن لمسلم، مع كونه لا يزال في خطر، أفضل من بلاد الغرب، في واقعنا الحالي؟ يمكنه أن يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بأوسع ألف ألف مرة من بلاد العرب، التي لو فتح فيها فاه، ضاع وضاعت أسرته معه، وليس ببعيد منا ما فعله طاغوت الكويت الذي حرم سليمان الخالدي، وأبناءه وأحفاده من جنسيتهم التي ولدوا بها، والتي سيولد بها أحفادهم!!!

      ثالثا: أين في كتاب الله وسنة رسوله ، وقول السلف كله، أن فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الإفتاء مقتصرٌ على من هم في ساحة قتال! فإن هذا يعطل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أساسها.

      فإنه معلوم أن الخارجين للقتال فئة من القوم، والباقين يتعلمون ويفتون ويوجهون، قال تعالى:

      "وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون" سورة التوبة 122. وهي واضحة للأعمى .. !

      رابعا: إن قولة "لا يُفتي قاعد لمجاهد"، هي قولة كذب على الشرع، ليست من القواعد الفقهية البتة، وأمامكم قواعد ابن رجب، والقواعد الفقهية لمصطفى الزرقا، وشرحها لابنه أحمد الزرقا، والفروق للقرافي، والأشباه والنظائر للسيوطي، والأشباه والنظائر للسبكي، والأشباه والنظائر لابن نجيم، قد نخلتها نخلا، في مكتبتي شخصيا، فلم أجد لهذا القول من أثر!

      وصدق من قال "وإنما يستخدمها بعض الساسة أو قيادات الحركات الإسلامية والجهادية أو المتعصبين لهم لفسح الطريق أمامهم ليختاروا ما يريدون ويقرروا ما يشاؤون دون رقابة علمية أو حسبة فقهية حتى لو صدرت من أهل الذكر المختصين المخلصين الذين أمرنا الله تعالى أن نرد إليهم أياً من أمور الأمن أو الخوف: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (النساء: 83)، قال العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسيرها: «أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة، وفي هذا دليل لقاعدة أدبية؛ وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ»."

      بل حاجة المجاهـ**ن للعلماء من أهل المدن أكثر وأشد من حاجتهم للسلاح، كي يهدونهم السبيل فلا يقع منهم خطأ أو تعد على الشرع. ولنا في أعظم قادة وسلاطين وخلفاء المسلمين مثلا، حيث كانوا لا يتركون للقتال إلا ومن ورائهم علماء، لا يشاركون في القتال، لن تصلهم الأخبار فيرسلون بالفتاوى والتوجيهات.

      فكفوا هراءكم عنا، لا أصلح الله شأن الرويبضات.


      (2)

      شبهة أن عملية السنوار هي ردّ فعل!

      قيل، في تبرير آخر: كانت فعلة السنوار ردة فعل لسبعين عاما من الاحتلال!

      كم من ردة فعل غير مدروسة العواقب ألحقت بصاحبها أضعاف ما كان يعانيه !!

      ثم إن ردة الفعل الفردية قد تستساغ في بعض الأحيان، أما حين تكون متعلقة بمجتمع كامل، فهي أمر يُحسب له ألف حساب!

      السنوار فعل ما هو من ردة فعل فرد به حنق وغضب على عدوه، لا رجل دولة يحسب حساب قومه وما سيصير بهم حين يقوم بردة فعل غير محسوبة العواقب جماعياً!

      أليس لنا في رسول اللهﷺ أسوة حسنة!

      في أكثر من نصف عمره الشريف ﷺ بعد البعثة (56% بالتحديد)، لم يقم بردة فعل غاضبة، وهو يشاهد المسلمين من حوله يقتلون ويعذبون، ويتعرض هو شخصياﷺ، فداه أبي وأمي، للإهانة والإيذاء الشديد؟!

      ماذا فعل ﷺ حين رأى ما يحدث لآل ياسر، وغيرهما من المسلمين في مكة؟!

      لم يحرك ساكنا إلا حين تهيأت الظروف اليقينية، بحسب السنن، لأن يكون هناك لون حقيقي من التكافؤ، ولمنع إيقاع الضرر العام بمجتمع المسلمين.

      أليست هذه مدرسة رسول الله الحبيب المصطفىﷺ؟

      هكذا يتصرف رجل الدولة المسؤول عن أرواح قومه وقضيتهم!

      لا كما فعل السنوار، ولي الروافض، من تصرفٍ طفولي مقيت إجرامي، مهما برر المطبلون والمرقعون والمراهق، فكريا وجسدياً!

      السنوار، لا أرضا قطع ولا ظهراً أبقى! ولا دينا حفظ!

      هذا ما فعل سنواركم، المتحفظ على حفنة رهائن، يتعلق بها كقشة، أمام زحف تتاري وحشي جحفلي صهيوني مقيت غشيم لا دين له ولا ذمة ولا ضمير!

      (3)

      خطأ شرعي آخر أوجه إليه النظر، يقع فيه من لم يدرس الشرع دراسة تحقيق، وهو عدم التفرقة بين المشيئة الشرعية والمشيئة الكونية ..

      فالمشيئة الكونية هي ما قضى الله بأن يقع حسب قدره ومشيئته الكونية التي لا يخرج عنها شيء في الأكوان، ومنها كفر الكافر وإيمان المؤمن.

      أما المشيئة الشرعية، فهي داخلة في إراد العبد، تأتي على حسب عمله واختياره، وهي التي نحاسب على أساسها، ونطالب بالتخطيط لها، وإتقان أسبابها.

      فمن روج أن عملية السنوار، هي من مشيئة الله التي لا مرد لها، قلنا، نعم، بأحد الوجهين، وهي المشيئة الكونية. أما المشيئة الشرعية، فالرجل مجرمٌ في حق قومه، فاشل لم يحسب حساباً لشيء إلا كبره وغطرسته.

      أما عن أهل غزة، فنعم، لعل الله أن يعوضهم ما أصابهم من بلاء لم يطلبوه ولم يسعوا إليه، فهم واقعون تحت المشيئة الكونية، وتحت حكم العادل الذي لا يُظلم عنده أحد أبدا.

      اللهم اجعل ثوابهم جنات الخلد وارفق بالباقين منهم

      (4)

      تحليل شرعي - غير دُويري - لوقائع غزة!

      من بديهيات الشريعة وأولياتها، أنه لو تعارضت مصلحتان، مصلحة كبرى ومصلحة صغرى، تركنا الصغرى لتحصيل الكبرى. ولو تعارض شريّن، أكبر وأصغر، تحملنا الأصغر لتفويت حدوث الأكبر. ونصها:

      "جلب أعلى المصلحتين بتفويت أدناهما، ودرأ أشد الضررين بتحمل أدناهما".

      وهي قاعدة عامة كلية، منصوص علها في كل كتاب لأصول الفقه، ولا تعزب عن فهم ذوي الألباب.

      فإذا حاكمنا الوضع في غزة، قبل عملية السنوار، وبعدها، وجدنا قبلها شرا واقعا:

      وجود الاحتلال ذاته، قتل وأسر بعض الفلسطينيين من آن لآخر، بأعداد تزيد وتنقص على مدى السنوات الماضية، تدنيس المسجد الحرام، حصار غزة، وتسرب المستوطنات الاحتلالية للضفة على التدريج.

      فإذا نظرنا للواقع بعد عملية السنوار، وجدنا شراً هائلا، هو:

      استمرار وجود الاحتلال، مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، منهم عشرون ألفا من الأطفال، تشريد كامل غزة، احتلال غزة بالكامل، وجود موانئ أمريكية في غزة ورفح، أسر عشرة ألاف فلسطيني في الضفة، استمرار حصار غزة أو ما تبقى مما كان غزة يوما ما!

      ومن الواضح لأي عاقل، أن الشر الأدنى كان واقعاً قبل العملية، وأن السنوار استدعى الشر الأعلى وحصَّله، وفوّت على أهل غزة وفلسطين الشر الأدنى.

      فعملية السنوار مخالفة لتوجيه الشرع الذي أتى بتمام السياسة، لو كان لهم قلوب يفقهون بها، أو آذان يسمعون بها.

      وكل ذلك بدعوى تحقيق مصلحة، هي تحرير القدس والأقصى، بادعائه (لا ندري كيف بمجرد ألف رجل يهاجمون غلاف غزة ويعودون بأسرى!)، وفك حصار غزة. وهي مصالح، مع كون إنها لم تتحقق بالمرة، فإن القاعدة الثانية الكلية العامة هي:

      "درأ المفاسد مُقدمٌ على جلب المصالح".

      فدرأ مفسدة الشر الأعلى فيما حدث في غزة من جراء عملية السنوار، يتقدم على جلب المصلحة، التي لم تتم أصلاً، ولا معشارها.

       

      والله ولي التوفيق

      فإن كان صوابا فمن الله تعالى، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان