وردني من أخ صديق وشيخ جليل، أعرفه من عشرات السنين، كلاماً عن بعض متسوري العلم، ينتقد ما كتبت في شأن الشيخ محمد سرور، رحمه الله، والسرورية، كجماعة لها أيديولوجية مختلطة من الإخوانية، ومذهب ابن عبد الوهاب، وفكر سيد قطب، ثلاثية تأبى على المعتدل فكرا أن يهضمها إلا بفصوص الملح وبذور الليمون!
وقد كان الأخ الشيخ قد راسلني طالبا مني معلومات عن الشيخ سرور والسرورية، فأرسلت إليه روابط مقالين، كنت قد دونتهما منذ أكثر من عشر سنوات، في حياة الشيخ سرور، لا بعد وفاته كما افترى البعض من الجهال (نشرتهما في عامي 2013 و2014، وقد توفي الشيخ 2016!)[1].
ثم كان أن اتصل بي الأخ وقال لي إن البعض قد هاج وماج، وتنكر لما كتبت، وألقى بتساؤلات كثيرة، منها إنني أنشر هذا الكلام عن رجل مات لا يستطيع الردّ، ومنها إنه لو إني أعرف هذا عن الرجل، فلم لم أنشره على الفور! ومنها إنني زعمت أن الرجل كان ضابط اتصالات مع المخابرات السورية قبل سفره للسعودية، فهل عندي برهان على ذلك!
وأبدأ بالقول، إنني لا أنشر باسم مستعار، ولا أتخفَ عن أحدٍ فيما أنشر، ولدي موقع منذ أكثر من عشرين عاماً، ولدي عنوان على الفيس وتويتر وتليجرام. فمن أراد أن يسأل أو ينقد فليتصل بي، ولا يجبن عن ذلك، فإني لا أحب الحديث وراء الظهر، أو نقد الأخ الذي نشر المقالين، وهما ليسا من قلمه ولا من نتاجه.
أما عن تساؤلات من سأل، فأقول وبالله التوفيق:
إن المقالين قد نشرا في حياة الشيخ سرور، لا بعد وفاته كما زعم المخلطون.
ثم إنه كيف لأحد أن يتعرف على فكر أحد ومنهجه وطريقة تناوله للأمور، إلا بعد عشرة طويلة تكفي لبناء رأي صحيح، من خلال التجارب الشخصية والمواقف العملية المشتركة. فهل كان هؤلاء المخلطون يريدون مني أن أكتب عمن لا أعرف، أم أن أكتب ما لا أعرف؟! استغرقت معرفتي بالشيخ سرور أكثر من ثلاث سنوات، عرفت عنه فيها كثيرا من المزايا، والأعمال التي أفاد فيها بعض الخلق، وهي باقية عند ربه. قلت في مقالي "ولا نريد أن نُجَرّد الرجل من كلّ فضلٍ، بل قد عمل جهداً كبيراً في مجال الدعوة إلى الله، وأصلح كثيراً من الشباب، خاصة في جزيرة العرب، في السّبعينيات خاصة. لكنّ هذا مما يشكره الله له سبحانه، ويجازيه به إن شاء الله."[2]
كما عرفت عنه فيها ما ليس هو بحسن، وهو ما بينته. كما أن طريقته في التعامل مع القريبين منه، كما يعلم معاشروه، تتميز بالخفاء والسرية الشديدة. ويشهد الله أن كلّ حرف كتبت عن محمد سرور، فإن لي فيه مرجعا ثقة، فأنا لا أؤلف الكلام من عندي نفسي، فهو أمانه يحاسبني الله عليها.
والشيخ سرور شخصية دعوية عامة، لا نحاكمها لنحكم عليها بجنة أو نار، أو بقبول أو رفض عند الله سبحانه، فلا أحد يتألى على الله بمثل ذلك أبدا. لكننا نزن الرجل من جانب نتاجه، وتوجهه الفكري، وأصول مذهبه، ثم تأثير معالم شخصيته الخاصة، والتي أعرف تمام المعرفة أنها أثرت على دعوته تأثيرا هائلا، فقربت من قربت، وأبعدت من أبعدت، حتى ممن هم من تلامذته من السعوديين، من صرح لي وقتها أن الاتجاه في الفرع السعودي، الذي كان يتولى تمويل مجلة السنة، ودار المنتدى ومجلة البيان الصادرة عنه، أن إخوة السعودية أصبحوا يقصونه عن العمل بطريقة هادئة حتى لا يحرجون أنفسهم به أو يحرجونه لمكانته عندهم!
وأكرر هنا أن مذهب الرجل هو خليط من مذهب سيد قطب، على بعض من مذهب الإمام محمد بن عبد الوهاب، مع مذهب الإخوان الإرجائي. ومن ثم تجد أقوال من تبعه تتأرجح بين الرضا بالديموقراطية حينا، ورفضها حينا، ونقد الحكام حينا، والدعاء لهم حينا آخر، وإن غلب عليهم النهج الإخواني عامة. وقد تميز بفكرة خاصة وهي اعتقاد إننا في العصر المكي، وأن الجها. د مرفوض في وقتنا هذا، بأي شكل من الأشكال. وهي فكرة أصبحت محورية في منهجه، وفي منهج كل من تبعه، من الدعاة. وقد تبين ذلك من موقفه من جها. د الجزائر في الثمانينيات.
والرجل، كما ذكرت عنه، لم يكن من المجيدين من ناحية البحث العلمي الدقيق، وإن كان مميزا في جمع المعلومات وترتيبها، والتعامل بخفاء وسرية، كما رأيت بنفسي لسنوات. كما نُقل لي من ثقة حين كنت في مكتب دار الأرقم ببرمنجهام، ممن يعرفونه من سوريا، إنه "عمل مع المخابرات قبل تركه لسوريا".
وقد اعترض البعض على هذه المعلومة، من حيث صياغتها في مقالي، حيث قلت "ثم إنه، بطبيعته، يحب الخفاء والتدسس، لسابقته كضابط استخباراتي في سوريا."[3]
وقد اختلط الأمر بسبب أصل المعلومة، وكوني كتبت إنه كان "ضابطاً".
فأما إني قصدت أن محمد سرور كان عميلا، فلا حول ولا قوة إلا بالله، لا والله لم أقصد هذا، ولا قريبا منه، ولا أعرفه عنه. بل كان رجلا مسلما داعياً مخلصا، له مزاياه وله عيوبه.
أما عن كوني استعملت كلمة "ضابط" فلم أقصد متخرجا من كلية عسكرية، بل قصدت مثل "ضابط الاتصال" الذي قد يكون من بعد الثانوية العامة، أو مجند لحساب الإخوان، أو شيء من هذا القبيل. وبالنظر إلى الخط الزمني، فإن الشيخ كان في الخامسة والعشرين من عمره حين ترك سوريا، وهي سن تتجاوز وقت التخرج بخمسة سنوات، فليس هناك مانع، من ناحية الزمن، أن يكون قد عمل في جهة حكومية خلال تلك الفترة لعام أو عامين.
أما إني قد ولّدت هذه المعلومة من قدح عقلي، فهذا هراء لا أفعله ما حييت.
والسروريون، لا يعترفون، حتى هذه اللحظة، بأن لهم تنظيم وجماعة، كان أميرها الشيخ سرور، وكان يأخذ البيعة من أفرادها بالفعل. ولا أعلم ما حدث في جماعتهم بعد وفاته، فقد تباعدْت عنهم قبل أن أترك إنجلترا في عام 1989.
وعلى كل حال، فإن هذا المقال، لا يجب أن يُقرأ منفصلا عن المقالين اللذين سبقاه، حتى تكتمل الصورة في ذهن القارئ.
رحم الله الشيخ سرور، وتقبل منه حسناته، وتجاوز عن سيئاته.
د طارق عبد الحليم
17 ديسمبر 2023 – 4 جمادي الثاني 1445
[1] "تجربتي مع السرورية .. بعض من تاريخها" https://tariq-abdelhaleem.net/ar/post/72477
"السرورية في الميزان" https://tariq-abdelhaleem.net/ar/post/72524
[2] راجع "تجربتي مع السرورية .. بعض من تاريخها" https://tariq-abdelhaleem.net/ar/post/72477
[3] "السرورية في الميزان" https://tariq-abdelhaleem.net/ar/post/72524