فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      دولة الجولاني العميقة .. قراءة في الوضع السوري

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

      ليس كرهاً في الجولانيّ، فقد ناصرناه أمدّا قصيّا، لكن حبا في الثوار المخلصين، المجاهدين العاملين، الذين قدّموا، وما زالوا يقدمون، حياتهم وأهليهم ومساكنهم في سبيل رب العالمين.

      الجولاني شخصية قوية، متلونة، مؤثرة، زلقة، مما مكنه من أن يتقمص عدة شخصيات، ويضع عدة قمصان، يخلعها واحدا بعد الآخر، حسب الحاجة. وهو يُحسن استغلال من حوله ممن اتفقت مصالحهم معه، أو ممن هم من المغفلين من الأشبار والأفتار. بل تلاعب بعقول شيوخ من ذوي الغتر واللحى والأسماء اللامعة.

      لكن المُحزن، كما سنرى، أن العاقبة لم تكن في صفه، فتلك الصفات، مع حداثة السن، إذ لم يبلغ سن الرجولة بعد، تجعل الانحراف عن الهدف أسهل وقوعا وأوجع أثراً.

      لكن الجولاني، نجح في إيجاد فصيل كأنه "دولة عميقة"، أراد أن يثبت أركانها بحكومة الإنقاذ تلك، لكن هيهات، فهو ليس في الساحة وحده أولاً، ثم هناك من هم أكثر دهاء وحنكة منه، مرات عديدة.

      ولنر، باختصار، ما كان من الجولانيّ في السنوات الخمس الماضية، وأطوار تحوله من شرنقة إلى أخرى حتى وقع في مصيدة إدلب.

      لبس الجولاني أولا قميص البغدادي، ولعب على وتره، واستخدمه عسكريا وماليا، وهو يعلم تماما عن البغدادي وفكره واتجاهه، حتى تمكن من الخروج لسوريا، وإنشاء جبهة النصرة. ثم حان موعد تغيير القميص، بعد أن بان للجميع تلوّث البغدادي أولا، وحلول موعد الاستقلال عنه ثانيا.

      ثم لبس الجولاني قميص القاعدة، واحتمى باسمها، واستغل كوادرها وصيتها ومالها، تماما كما فعل مع البغداديّ، حتى آن أوان خلع قميص القاعدة، ووضع لباس التوحّد، الذي اعتقد أنه يمكن أن يكون رأسه وكبيره.

      أراد الجولانيّ في مرحلته الجديدة، جبهة تحرير الشام، أن يلعب دوراً كدور عصا موسى عليه السلام، فيلقف الثعابين المنتشرة على رؤوس الفصائل الأخرى، لكن الجولاني ليس بموسى عليه السلام، ولا قريب منه، فهدفه ليس هداية القوم، بل هدفه تكوين الدولة العميقة عن طريق "وما أريكم إلا ما أرى"، فتبعه أصحاب المصالح عالمين، وسار وراءه من ظن أنه يهديهم سبيل الرشاد من المغفلين.

      ولما فشلت عصا الجولاني، في لقف الثعابين الأخرى، حاربها ما استطاع، ثم جاء وقت قميص هيئة تحرير الشام، ثم حكومة الإنقاذ.

      كلّ هذا، والشاب المغامر يخسر الأرض والمحرر قطعة قطعة. فالتلون وتغيير اللباس والقبعات والقمصان، لا يخدم هدفا صالحا، ولا يحفظ مبدأ واضحا. فانكمش حتى لم يعد إلا فصيل في بعض أجزاء إدلب، تحت السيطرة التركية العلمانية، دون مجال للتفلت. وبالطبع فقد عرف الكل تبعية بقية فصائل الخيانة من أول أمر الثورة، كالأحرار وجيش الأفلام، ثم الزنكي .. وهلم جرا.

      والآن، صارت الهيئة محصورة حصارا تاما في إدلب، مع بعض قواتٍ في اللاذقية وحلب وحماة. وصارعمل الهيئة الحفاظ على عملية جمع الضرائب واعتقال المفسدين (سواء بحق أو من المعارضين لهم)

      قراءة في الوضع السوريّ الحالي

      ·      أما عن الغرب والجنوب السوري، فقد استقرت روسيا، وتبعها النظام وإيران، في تلك المناطق، مع نزاع إيراني روسي حول مناطق التواجد الإيراني.

      ·      أما عن الجنوب الشرقي، فلا يزال ما يسمى التحالف الدولي يضرب تنظيم البغدادي في دير الزور وما حولها، ويستخدم قوات ال YPK الكردية في تلك الهجمات.

      ·      أما عن الشمال السوري، وما أدراك ما الشمال السوريّ! فبقايا فصائل الثورة بما فيها الهيئة والجبهة الوطنية، لا تتواجد إلا في غرب الفرات، وتواجه من الشرق قوات قسد وPKK الكردية. وتواجه من الغرب النظام وروسيا المتربصين بهم، وهم يتقاتلون فيما بينهم!

      ·      إعلان القوات الأمريكية الإنسحاب الجزئي المفاجئ من شرق الفرات ومنبج أصاب القوات الكردية العلمانية بنكسة شديدة، حتى أن قوات ال YPK هددت بسحب قواتها لمواجهة الاجتياح التركي الوشيك.

      ·      ما أرى هو أن هذا القرار، الذي صدر أساساً من البيت الأبيض، لا البنتاجون، قد تم بناء على اتفاقية بين ترمب وأردوغان، أن يسمح لهم باكتساح الأكراد، مقابل التعتيم على قضية خاشقجي، التي تهدد ترمب بالسجن سنوات عديدة، لو كشف ابن سلمان ولي العهر ما بينه وبين ترمب من علاقات مالية شخصية.

      ·      التوسع التركي في الشمال، دفع الروافض المجوس أن يتواصلوا مع تركيا على الفور، حيث أن خلو الساحة من الأمريكيين يتركها مفتوحة أمام الكيان الصهيوني لضرب تجمعاتهم.

      ·      الرئيس التركي، بصفته براجماتي محترف، رحب بالروافض الإيرانيين، ورفض قرار العقوبات الأمريكية عليهم، خاصة تصريح زعيمهم، من إنه يؤكد على وحدة أراضي سوريا، ومعناه التضامن مع تركيا في رفض دولة كردية على الإطلاق. وإيران لم تسعَ لهذا التقارب إلا بعد خلو شرق الفرات من الكثافة العسكرية الأمريكية، التي تفتح الإجواء لضربهم.

      ·      التوسع التركي في الشمال وزيادة النفوذ التركي عامة، لا يمنح فرصة زائدة للفصائل، وعلى رأسها الهيئة، من حيث ذكرنا أن تركيا يحكمها نظام علماني براجماتي، يهتم بمصالح مواطنيه قبل أي شئ وكل شئ. وتركيا على استعداد لمقايضات مستقبلية شبه موكدة، تسمح بإنهاء الفصائل المسلحة، تبعا لمعاهدة سوتشي، وهو ما صرح به أردوغان في مقابلته مع رئيس الروافض، روحاني، وما صرّح به وزير خارجيته من إمكانية التعامل مع بشار، إن انتخبه الشعب ديموقراطيا!!

      من هذا العرض السريع للوضع السوري، يرى الناظر أنّ الفصائل التي تحمل سلاحا اليوم في الشمال السوري، في وضع لا تُحسد عليه. بل يكاد يُجزم أن الثورة، إسلامية كانت أو قومية، قد لفظت أنفاسها تحت وطأة الضغوط الداخلية والخارجية، وأساسا بلف الحبل حول عنقها بيدها فيما بينها.

      والجولاني، يعيش اليوم في شبه حلم دولة، كما عاش البغدادي قبله، وهو يستخدم قطاعات دولته العميقة في تعزيز اتفاقاته الحالية مع تركيا، التي تصرّح في كل وقت بأنها ملتزمة بسوتشي، التي تنص على القضاء على المنظمات الإرهابية!

      رجال الثورة الحقيقية لن يكونوا من نوعية الجولاني، الشاب الطموح المتعطش للإنفراد بالسلطة.

      رجال الثورة المسلمة الحق سيكون فيهم التجرد لله، وتوحيده، وتوحيد الهدف والنظر والوسيلة.

      هؤلاء سيكونون هم جيل التمكين، إن شاء رب العالمين.

      والله المستعان

      د طارق عبد الحليم

      20 ديسمبر 2018 – 12 ربيع ثان 1440

      • العميقة

        العميقة