فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مفهوم النصرة عند حزب التحرير – انحراف حركي

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ

      من المناسب أن أبدأ هذا المقال بما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عن أصناف الناس في الفهم عن الشارع، قال:

      "أحدها قوم اعتقدوا معاني ، ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها! .

      الثاني : قوم فسروا القرآن بمجرد مايسوغ أن يريده من كان من الناطقين بلغة العرب بكلامه من غير النظر إلى المتكلم بالقرآن ، والمنزل عليه ، والمخاطب به!

      فالأولون راعوا المعنى الذي رأوه من غير نظر إلى ماتستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان، والآخرون راعوا مجرد اللفظ، وما يجوز أن يريد به عندهم العربي من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم ، وسياق الكلام"([1])

      وأود أن أسجل ملاحظة هنا وهي أن الاضطراب في استخدام اللفظ دون النظر للمعنى قد يتعدي الأمور المتعلقة باللفظ البحت، بل قد يكون السياق أو الواقعة هي "لفظ" يتمسك البعض بظاهرها، دون مراعاة لكل ما يتعلق بها من مداخلات.

      فمن خبثاء النية مثلا، المداخلة الذين راعوا اللفظ بحتاً، في بعض الأحاديث، دون مراعاة الواقع والمناط والسياق، فكانوا من أسوأ من سار على النهج الأول المذكور، وحاكوا منهج فهم المشبهة والحشوية وغيرهم، في موضوع طاعة الإمام وإن زنى ولاط على الهواء! ومنهم الذين وقعوا في الصنف الأول فاعتبروا ما يهديه إليهم عقولهم هو الرأي وراحوا ينبشون في الآيات ليجدوا مسوغا لهم مثل من أسموا أنفسهم "العقلانيون" وهم المعتزلة الجدد أو الإسلامقراطيون، من حيث فعلوا نفس فعلهم ونهجوا نفس نهجهم.

      وهذا الذي قاله ابن تيمية، يظهر في الخلفيات الفكرية التي نرى الكثير من الكتاب والباحثين وأصحاب الرأي، يقعون فيها، بشكل أو بآخر، وبدرجة أو بأخرى، حسب نشأتهم الفكرية، أو انتمائهم الحزبي، رغم أن بعضهم حسن النية سليم العقيدة!

      لكن حسن النية وسلامة القصد لا تمنع من أن يكون خطأ الفهم والترجمة عن السيرة والحديث، أو القرآن، مقبولاً مسموحا، خاصة إن تعدى إلى الصالح العام، وأمور تخص توجيه الأمة.

      ومن ذلك القول الذي تنشره بعض دوائر حزب التحرير، والذي رغم وجود تحسن كبير في فكره وتوجهه عما رأيناه في الستينيات من تشوهات فكرية، تحدثت عن بعضها في بعض مقالاتي، بل وكثير من صحة التحليل والنظر في أدواء الأمة، لكن لا يزال أصل الداء كامناً في ثنايا بعض الحلول والتصورات، بطريق خفيّ.

      وهذا الأمر الذي أشير إليه اليوم، هو من باب قصد الإصلاح والصلاح، لا الجدل والمناكفة، فلست في عمرٍ ولا مزاجٍ يسمح لي بمثل هذا النهج، إنما هو واجب البيان على قدره، لإخلاء المسؤولية أمام الله سبحانه، لا أكثر.

      وهذا الأمر هو ما يراه البعض طريقاً للتغيير في واقعنا المعاصر.

      فإن النهج التحريري الذي نصره ذاك الحزب، كان يرنو دائما إلى "النصرة"، ومفهوم يقوم على محاولة إيجاد "من" هم على قوة أو سلطة من الحكام، ليعين الدعوة ويقيمها! وهو مفهوم مقتبس حرفيا من نهج الصنف الثاني ممن أشار إليهم ابن تيمية، من اتخاذ واقعة دعوة الرسول ﷺ لثقيف وبكر وكندة وبني عامر وبني شيبان، التي يسمونها "النصرة"، وكأن رسول الله ﷺ لم يكن يدعوهم لإسلام! يقول المقريزي " ثمَّ عرض صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل أيَّام المواسم، ودعاهم إلى الإسلام، وهم بنو عامر، وغسَّان، وبنو فَزَارة، وبنو مرَّة، وبنو حنيفة، وبنو سليم، وبنو عبس، وبنو نصر، وثعلبة بن عكابة، وكندة وكلب، وبنو الحارث بن كعب، وبنو عذرة، وقيس بن الخطيم، وأبو اليسر أنس بن أبي رافع". فهذا رسول الله ﷺ يدعو للإسلام، من هم داخل مكة ومن هم خارجها خاصة بعد أن وقف منه قومه موقفهم. فرسول الله ﷺ لم يدعهم ليحونه ويبقوا على كفرهم! حاشاه، هذا لافيه استخاف بدعوته ﷺ واستهزاء به لعل قائله أن يعود لتجديد إسلامه، بل دعاهم لاتباعه ومن ثم نصرته وحمل الدعوة لإقامتها، وإلا فلا كرامة! هذا ظننا برسولنا ﷺ فما ندري ما ظن أتباع ذاك الحزب برسولهم!

      إن القول بأن تغييراً إسلاميا حقاً، سيتم من خلال جيوش بُنيت عقيدتها على اتباع القيادة دون أي تفكير، وأن القائد هو الأمة وهو الصواب، وأن حماية النظام هو الهدف الغائي، لهو قول لا يقول به عاقل اليوم، خاصة بعد شاء الجيوش بكاملها، عن طريق دفع أعلى المرتبات وإعطاء أفضل الميزات! هذا قول يحمل لونا من الخبال والانفصام عن الواقع بالكلية.

      التغيير في واقعنا يجب، أقول يجب أن يكون بيد نخبة من خارج النظام القائم، من خارج المنظومة الحالية، فهؤلاء التحريريون لا يعون أن تلك القبائل لم تكن تنتمي إلى "نظام" واحد متكامل في الترابط داخليا والتكامل مع النظام العالمي خارجياَ. هنا وقعوا في محظور الظاهرية اللفظية البغيضة الغبية!

      القوة اليوم هي في يد الفئة التي لا تريد إسلاما. وهي ليست كعامر وثقيف وكندة وغيرهم من القبائل، التي كان كلّ منها مستقل بقراره، لا يعرفون إسلاما أصلاً، ففطرهم يمكن أن تقبل أو لا تقبل. أما كفار أيامنا في الجيوش، فهم يعرفون إسلاما هو إسلام القائد، ودين القائد، وغيره هم الخوارج المارقة.

      لكن الحزبية لا عقل لها عادة. هو أثر البدعة حين تتمكن من عقل صاحبها فلا تخرج لا برقى ولا بالطبل البلدي كما يُقال.

      ونحن لا نهتم كثيرا لمثل هذه الإقوال، فبعض أصحابها ينشر لونا من الحقائق لا يضير الاستفادة منه، لكن الأمر في نشر مثل هذه الثقافة التي هي خطوتين عن الفكر المدخلي المسالم للحكام فعلا وإن ناوأهم قولاً.

      د طارق عبد الحليم

      22 جمادى الأولى 1444 – 16 ديسمبر 2022

      تحميل

       

      ([1]مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص81.