فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      جسر العبور .. من الإستبدال إلى التمكين

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      لا أكاد أجد ما أتحدث به إلى القارئ اليوم، فقد تجاوز الأمر في مِصرنا ما يمكن أن يحاول المحاولون السيطرة عليه أو التقليل من أثره المدمر علي الإسلام والمسلمين، كما هو حال أهلنا في الشام. قتل وتدمير واعتقال وسحل واعتداء على الحرائر والأطفال.

      لكن الفارق بين مصر والشام أنّ غالب الشعب السنيّ في الشام، معتدى عليه من الأقلية النصيرية المسلحة، التي يرأسها الكلب النصيري بشار. لكن في مصر، أمّ العجائب، يقف غالب الشعب "السنيّ"[1]، صفاً مع المرتدين من جيش وشرطة وبلطجية، برئاسة السيسي الخائن الصهيونيّ، يقفون ضدّ المسلمين "السنيّين" الذين يدافعون عن الحرية والشرف والكرامة والإسلام.

      هذا ما تحتارُ في استيعابه العقول، وتتعثر في وصفه الكلمات، ويتجمد بإزائه العقل، وإن عرفنا سببه تحليلاً وتحقيقاً.

      ما يحدث الآن على أرض مصر، يتجاوز كل التوقعات في ضرب الإسلام والمسلمين، والقضاء على كل ما يمت للدين بصلة، بتأييد ودعم وتفويض الشعب الأعمى المرتد من غالبية المصريين.

      الخطة الآن هي أن تلفق تهمة الإرهاب لمحمد مرسى، ثم يُحكم عليه بالإعدام، ويُنفّذ الحكم على الفور، فإن وجوده على قيد الحياة، في أي وضعٍ كان، يمثل للمرتدين عقبة كأداء لا حل لها، إلا بموته.

      المتظاهرون، أو ما بقيَ منهم، من عشرات أو مئات في سلاسل بشرية، يتم إبادتهم رويدا رويداً، عشرات كل مرة، كما صرّح فلوباتير اللعين، إن لا حياة للصليبيين في مصر مع من يحمل فكرة الإسلام، فمصرُ مسيحية كما قالوا!

      القوانين والدستور، وسائر الزفة الديكورية، يطبخها عملاء المرتدين في مؤسسات الدولة المختلفة لتناسب ما يريد الحيوان الأعظم، السيسي.

       السيطرة التامة على أرض مصر قد تحققت للمرتدين.

      الشعب المرتد غالبه، قد غيبه سحر الإعلام، والطبع المُشَوّه، والفطرةُ المنكوسة رأسا على عقب، فما عادت فيه فائدة مرجوة.

      إنه عصر الإستبدال ولا شك، لمن عنده أدنى معرفة بالسنن الإلهية والشريعة الإسلامية.

      انظر إلى قول الله تعالى "وَإِن تَتَوَلَّوْا۟ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓا۟ أَمْثَـٰلَكُم " محمد 38، فالتولي يستلزم الإستبدال، والإستبدال لا يأتي إلا بالمصائب والفتن، تقرع المستبدَلين، وتقتلع جذورهم.

      ثم انظر إلى قول تعالى "وَٱتَّقُوا۟ فِتْنَةًۭ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ مِنكُمْ خَآصَّةًۭ" هذه الفتنة التي تصيب مصائبها من استحقها، لا تصيب الظالمين المرتدين خاصة، بل والمتورّعين المخلصين كذلك من الأقلية التي تعاشرها. وقد جاء في الشريعة بعض ما يبيّن حكمة هذه السنة الإلهية، ومنها أنهم تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الإنحراف في العقيدة والحركة، أو غير ذلك مما صَحت فيه أحاديث كثيرة. لكن هذا ليس ما نسعى لتقريره هنا، بل إننا نقرر، أنّ الإستبدال، أي الإستئصال، واقع لا محالة، وليس للظالمين وحدهم، بل لمن حولهم كذلك. وهذا قَدْرٌ لا يشك فيه إلا شَاكٌ في القرآن نفسه.

      ولا يحسبنّ أحدا أنّ الإستبدال قد بدأ في عصرِ السيسي المجرم، بل والله بدأ منذ أن ضَعفت الدولة العثمانية، قبل غزوة الفرنس على مصر والشام. ذلك بأننا تجاهلنا سُنن الله التي ذكرنا، ولم نتق الفتنة، فحسبنا أنّها ستتجاهلنا، ولا تصيبنا منها قارعة. لكنها بلغت الذروة في أيام الناس هذه، فأثمرت شجرة الشيطان ثمارها، وألقحت كشافاً وسفاحاً، وأنتجت توائماً، السيسي والمرزوقي وبشار والغنوشي وأضرابهم، ومخانيث الخليج كلهم.

      أقول، والله شاهدٌ على ما أقول، إن الإستبدال واقع أمام أعيننا الآن، والفتنة تضرب الكلّ، الغافلين المرتدين ممن لا يعون حقيقة ما يؤيدون ويدعمون ويفوضون، كما لم يدرك قوم فرعون نتيجة ما يفعل فرعون، ولم يدرك آل لوط ما سيحل بهم. فهي تُضرب بفعل السنة الإلهية التى لا تختار من تستأصل، كما ورد في حديث عائشة رضى الله عنها عن الجيش الذي يغزو الكعبة[2]، كما تضرب غير الغافلين من أصحاب الدين، مُخَلّطين فيه أو غير مُخَلّطين. فهي تأخذ من ظلم وفوّض ودعم بجريرته، ومن لم يفوّض ولم يدعم بجريرة السكوت عنه.

      ويقول قائل، لكن المرتدين المباركين للكفر والداعمين والمفوضين لا يصيبهم أذى، بل يصيب غير الداعمين من المسلمين، قتلا وسحلاً واعتقالاً؟ فنقول إنما هو المدّ والإملاء من الله حتى يأخذهم أخذة واحدة في الدنيا، ثم ينقلبون لى جهنم في الآخرة خالدين فيها أبدا، جزاء للكافرين. أما المسلمون، فهو جزاؤهم في الدنيا على السكوت عن الردة التي تفشت بينهم فلم يردوها، بل لم يعرفوا عنها إلا بعد أن ضربتهم ضربة قاضية، ثم يردون إلى الله، فيجازى المُحسن منهم بإحسانه، ويعاقب المسئ منهم أو يتجاوز عن إساءته. قال تعالى "أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ ﴿٣٥﴾" القلم. "قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلْأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ" الرعد 16.

      الإسلام باقٍ بقاء الدهر، لكن هذا الجيل، زائلٌ مُستبدلٌ لا محالة، إلا مختارون موفقون منه، من عوامه ودعاته وعلمائه.

      المهم اليوم هو أن نتصور كيفية الإنتقال من جيل الإستبدال إلى جيل التمكين، فلابد من جسر يعبر عليه المختارون من جيلٍ إلى جيل.

      سيكون هذا الإنتقال إنتقائياً إلى أقصى حدود الإنتقاء، بحيث لن يبقى أحدٌ ممن تشوب عقيدته شائبة، أو تنحرف حركته درجة، مهما صحت نيته، فهو من الذين تصيبهم فتنة الإستبدال، وإن لم يظلموا خاصة. ذلك أنّ التخليط قد يصلح حين يكون المجتمع غالبه صحيح الإتجاه، كما أن قليل الخبث لا ينجس الماء إن كثر، لكن ينجس القلة والقلتين. هكذا الحال في المجتمعات، حين يصبح النجس هو الأصل والطهارة هي الفرع. حينها، لا ينجو إلا من هو على الجادة، قدر الفطرة الإنسانية.

      هؤلاء الناجون، هم قِلَّة من قِلِّة، مثلهم مثل من حارب مع موسى عليه السلام بعد أن تمت تنقية صفوفه ثلاث مرات.

      المشكلة اليوم أنّ دعاة الجيل الوسيط، بين جيل الإستبدال وجيل الإنتقال، لا يزال أكثرهم لا يرون الصورة الكونية التي يمر بها الإسلام اليوم. لا يزال الكثير منهم يتمسك بماضٍ زائل، وحاضرٍ واهم. لا يزال منهم من يتحدث عن الإخوان، الذين هم مشلكة الماضى وكارثة الحاضر، ولا يعلم هؤلاء المفتونون أنهم ملتحقون بركب المستبدلين، وأن تنقية الصف، وإخلاص التوجه، وتصحيح البداية هو شرطٌ في أن يكونوا ممن كُتب لهم العبور من على جسر الإنتقال إلى الجيل الجديد، جيل التمكين.

      نعم، من العامة الدعاة والعلماء، من سيعبر هذا الجسر، لكن هؤلاء هم كما قلنا قِلَّة من قِلِّة. ونحن لا نعرفهم بأسمائهم، بل نعرفهم بأوصافهم، وعلى رأسها أنهم نبذوا الماضى المُخلّط، نبذاً تاماً ولم ينظروا إلى وراء، كما لم ينظر الناجين من أهل لوط إلى الوراء "وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ "، بل حرّروا توحيدهم، وارتفعوا عن واقعهم، ورؤوا الفتنة واستوعبوا سنن الإستئصال والإستبدال، واحترموا سنن الله تعالى، ولم يعاندوها، أو يحاولوا تجاوزها، وكأنها ستُحابيهم لأنهم مخلصون، رغم علمهم بالآية التي ذكرنا، أنّ الفتنة لا تُصيب من ظلم خاصة. هؤلاء، عوام ودعاة وعلماء، هم من سيعبرون على جسر الإنتقال، وهم من سيقودون جيل التمكين، في العقود القادمة، لا السنين القادمة، فسنن الله في التغيير بطيئة لا تأبه بحياة الإفراد، بل تتعامل مع حياة المجتمعات، وصعود وسقوط الحضارات.

      فمن أراد أن يَجِد هذا الجسر، وأن يكون ممن تأهّل للعبور عليه، فعليه بالخلاص من خَلطَة الدين التي عاشها المسلمون منذ عقودٍ، وقادهم في صحرائها الإخوان، وأغرقتهم في لُجَجِها سلفية الداعرين.

      هذا، أخي المسلم، هو ما يجب أن ينصَبّ عليه جهدك اليوم، أن تكون من هؤلاء، ولا تيأس فتقول "لكنى كنت من عوام هذا الخَليط البالي"، فإن التمحيص اليوم هوالإختبار النهائي، فإن أصرَرت على موقفك، فأنت في ركب الإستبدال، وإن أردت النجاة، فالطريق إلى جسر العبور واضح بيّن، على ما فيه من صعوبة مخالفة العادات ومصارعة التصوّرات الباليات، والقدرة على مواكبة سنن التغيير بفهم وثبات.

      فهلم نُصَفّى تصورات العقيدة، ونعدّل انحراف الحركة، ونتبرأ مما فعل السفهاء منا، قديماً وحديثاً، ونجأر إلى الله في الصَعدات أن يجعلنا ممن يَستدل على جسر العبور، لنكون طلائع جيل التمكين، الذي لا بد قادم، لكن بعد حين.

      ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.

      5 أغسطس 2015

       

      [1] المرتد عن دينه

      [2]  عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم قالت : قلت يا رسول الله ، كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال ، يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم" متفق عليه