فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      متى تُحمد للناس أقوالهم!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه

      نسمع كثيرا من "الطيبين" من المسلمين، بل ومن الإسلاميين منهم، أنهم إنما يمدحون فلاناً، ممن عُرفت عنه البدعة، على قولٍ طيب أو صحيح قاله، عملاً بالحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" رواه البخاري في الأدب المفرد وابن حبان وصححه الألباني.

      والحديث الشريف صحيح نصّا ومعنى. وهو يدل على ضرورة شكر الناس على ما يفعلون من خيرٍ، إذ مصدر هذا الخير هو الله سبحانه في غاية الأمر.

      ومن هذا الباب راح عدد من الدعاة، طيبين وخبثاء، يحمدون أقوالاً وأفعالاً ظاهرها الحسن، تقع من آخرين، عُرفت عنهم توجهات بدعية ومشاركات اسلاموقراطية، وبلاءات متعددة الجوانب والأوجه.

      والخطر هنا في هذا السلوك بيّنٌ واقعٌ يجب التحذير منه، وهو يقع في سلسلة التربية التي أشار إليها حكيم الأمة حفظه الله مؤخراّ.

      فإن هذا العمل، الذي هو مدح المبتدعين ومُوالي الطاغوت، لقول حسن قالوه، يضاد ثوابت في التصرف العقائدي يقوم على نبذ أهل البدعة وتجنب مجالسهم والغلظة عليهم والتبرؤ منهم، ومنعهم من حضور مجالس أهل السنة، وهو أمرٌ مُجمع عليه، لا يحتاجُ إلى سوقِ دليل (راجع الاعتصام للشاطبي ج1 ص106 وبعدها، طبعة دار المعرفة)

      والتعامل مع الشريعة، باعتبار جزئياتٍ وغضّ البصر عن جزئياتٍ، فيه تبعيض للقران والسنة، ومجانبة لمنهج أهل الحق في النظر إلى الشريعة ككل واحدٌ متكامل، كصورة الإنسان في أجزائه (الشاطبي، الاعتصام ج1 ص184 طبعة ابن عفان).

      ولو قال قائل: هذه الأقوال هي في أهل البدعة، وأولئك الممدوحون بغير حق لم يرتكبوا بدعا! قلنا: هذا خطأ كبير في النظر. فإن تصحيح دين من خرج عن الشرع بالكلية، واتخاذ ذلك مذهبا عاما في التعامل مع تلك الفئة هو بدعة من أشنع البدع الحقيقية. ثم إن رفع شعار "سلمية" ليحل محل طلب "الجهـ.ـاد" بشكلٍ عام يتبناه الأتباع في كلّ وقت وحال، لهو من أشد البدع التي قد ترقى إلى الكفر.

      والأمر هو أمر التخليط على العوام، فإن العاميّ لا يعرف تفاصيل ما يقول أهل الزيغ والانحراف على حقيقته متكاملا، ثم يرى رجلا موثوقا به يمدح ذاك القائل، فيعتقد الصحة في مجمل كلامه أو مذهبه، فتكون الطامة. وهذه النقطة في الحقيقة هي التي جرت على العوام في عصرنا، كبقية العصور، أشد البلاء. وانظر كيف ينجرف العوام وراء أسماء لُمّعت وأُخرجت للناس عن طريق الإعلام، بسبب بعض رقائق وأقوال من الكتاب والسنة، يغلفون بها باطلهم. وهي طريقة معروفة منذ القديم، قال ابن القيم "وأخرج أرباب البدع جميعهم بدعهم في قوالب متنوعة بحسب تلك البدع، فكل صاحب باطل لا يتمكن من ترسيخ باطله إلا  بإخراجه في قالب حق" إغاثة اللهفان ج2 ص81.

      ولنكون مواكبين لآفات العصر، فهاك بعض أمثلة على ما نقصد.

      المدح الذي يُكال بالطن للددو الموريتاني، حافظ المتون، وسامسونج الحفاظ، تنعته المميعة والإسلاموقراطية وأشباه الصوفية بعلامة العصر وابن تيميتها! والرجل من داعمي ولاة الأمر الحاكمين بغير الشريعة، المبدلين لشرع الله، وهم يستخدمونه آلة لصرف الشباب المعتقل عن دينهم، وماذا يقدر شاب متوسط العلم، محبٌ لله ورسوله في مواجهة نسخة زائدة من المتون، لم ينتفع بها صاحبها إلا ممالأة الفاسدين والطغاة من الحكام.

      ثم مدّاحي المغرب العربي من مشايخ الطبقة المتوسطة، الذين يمدحون كلّ من تودد إليهم، كمن مدح الساقط الهراري العراقي مدحاً كأنه علامة الشام! ومدح غيره من حثالة الثورة الشامية، ومدح المنتكس في منهجه أبو قتادة الفلسطيني البزرميطي وجعله علامة عصره. وهذا التغول وتلك المبالغة في المديح ذميمة عظيمة لم نعهدها من قبل في علماء السلف، خاصة لمن هم من دعاة البدعة وموالي الظلم والطغاة والاسلامقراطية والتفسخ والتميع في الدين. وقد تُقبل نوعا ما لو كانت في محلها، لكن لمثل تلك الشخصيات، فلا والله لا تصح، من حيث إنها تبرر أفعالهم، وتضم مادحيهم إلى زمرتهم.

      ومثل ذلك من يمدح أحمد الطيب مثلا على قولة قالها، وهو متورط لقمة رأسه في موالاة الطاغية الملحد السيسي ونظامه، أو من يمدح كتّابا عُرفوا بانحرافهم في منهجهم على قولة قالوها، مما ينخدع به العامة، فيحسنوا صورة الممدوح، ويصححوا في نظر العامة سائر باطله.

      فعلى المسلم الواعي أن يضنّ بمدحه عامة، وألا يمدح منحرفا أبدا، وأن يتخير من يذكر بكلمة طيبة، بأن تكون في موضعها ولمستحقها، وألا يبالغ فيها على أية حال.

      د طارق عبد الحليم

      19 ذو القعدة 1443 – 18 يونيو 2022