فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      طالبان ... والإسلام العالمي

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه

      لا شك أن الصمود الأفغاني، المتمثل في حركة طالبان، قد أصبح مصدرَ إلهام واقتداء للمخلصين من العاملين للإسلام، في كل ركن من أركان الدنيا. فقد تحطمت على صخرة صمود الأفغان امبراطوريات العصر الحديث كلها، البريطانية والروسية والأمريكية. كما تحطمت على صخرة جها..دهم شعارات الخيبة والعار والتضليل والهزيمة، مثل شعار "سلمية"، وممارسات الجماعات المنهزمة المخترقة العميلة، كالإخوان والنهضة وغيرهما، وتصرفات فصائل الخنوع والخضوع والدولار، كفصائل الشام، الهيئة والوطني وخلافهما، ممن تبنوا مفاهيم الاستسلام والتسليم، واشتروا الضلالة بالهدى والدنيا بالآخرة.       وليس في هذا جديد خافٍ على أحد.

      لكن من أهم المهمات هو فهم طبيعة توجه حركة طالبان، وتفاعلاتها مع الحركة الإسلامية الحقة، التي لا دخل لها بتلك النفايات من الجماعات والفصائل التي ذكرنا.

      فإن الخلل في فهم وضع طالبان العقدي والسياسي الحركيّ، قد يؤدي إلى انحرافات في العمل والتصور معا.

      طالبان ليست خلافة إسلامية. لم تعلن طالبان أنها خلافة إسلامية، بل إمارة إسلامية.

      والملا هبة الله آخوند ليست خليفة للمسلمين، ولم يطلب بيعة عامة، ولم يدع الإمامة العظمى. فبيعته ليست لازمة في عنق أي مسلم.

      أما توصيف دار الأفغان اليوم، فحسب جمهور أهل السنة هي دار إسلام، من حيث إنها أعلنت أن الشريعة الإسلامية هي الحاكمة في كل مناحي الحياة، دون شريك.

      أما حسب المذهب الحنفي، الذي هو مذهب الأفغان عموما، وطالبان خاصة، فهي كدار إسلام، تفتقر إلى أحد الشروط الثلاثة التي نص عليها أبو حنيفة، ويتحقق فيها شرطان. أما ما يتحقق فيها فهو الحكم بالشرع وحده والأمان الأول للمسلمين بإسلامهم، وهو ما أعلنوه مرارا من قبل أنهم لا يسلمون مسلما لكافر. أما ما يفتقر إليه حكم تلك الدار فهو شرط المتاخمة، أي أن ليس لها حدود مع أي كيان مسلم، بل هي محاطة بديار كفر من كل جانب[1].

      من هنا فإن مسألة وجوب الهجرة لتلك الأرض هي مسألة خلافية. فإنه حسب مفهوم طالبان وعقيدتهم، فإنه لا يلزم أحدا أن يهاجر إليهم، بل وهم، حركيا، أظنهم يفضلون هذا خاصة في هذه المرحلة. وإمامهم الملا هبة الله، حسب مذهبه الفقهي، ليس ضامنا لأموال وأعراض المسلمين في أي مكان، وليس أميرا إلا للأفغان على أرض الأفغان.

      أما من وجهة نظر جمهور الفقهاء، فإن الأمر فيه خلاف فقهي أيضا، من حيث إنه رغم أن الأرض في أفغانستان دار إسلام، فإن أميرها ليس ضامنا لأموال المسلمين وأعراضهم، ولم يدعِ الإمامة العظمى، التي بيعتها لازمة في عنق كل مسلم في كل مكان.

      أما إعانة المسلم للمسلم في كلّ مكان، وتقديم المساعدة له في أي مجالٍ، واجبة. كما أن الترحيب بالمسلم في أي دار إسلامٍ فهي ثوابت لا تحتاج حديثا فقهياً ولا مجادلة فلسفية.

      هذه مقدمة وجدت فائدة في التعجيل بذكرها من حيث أن اختلاط الأمور والتغبيش على المواقف والمفاهيم الشرعية، سواء للجهل بها أو لتبديلها، يؤدي لمشكلات مزمنة لعل المسلمين في غنى عنها اليوم، إلى حين.

      والله من وراء القصد

      د طارق عبد الحليم

      1 صفر 1443 – 8 سبتمبر 2021

      [1] راجع المبسوط للسرخسي ج10 ص 114، طبعة دار المعرفة (7 أجزاء)، وانظر بدائع الصنائع للكاساني ج7 ص 127، طبعة دار الكتب العلمية (10 أجزاء)، وبحثنا "ضوابط في السياسة الشرعية" ص 24 https://tariq-abdelhaleem.net/ar/post/73337