فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      السيساوية والنظرة القومية الشعوبية أبناء الحظيرة!

      الحمد لله والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه

      يتفق الكثير من أبناء الحركة السيساوية، في سمتٍ هام، من سمات الخروج عن الفهم الأصيل للإسلام، وهو الظاهرة التي عرّفها مؤرخونا القدامى بظاهرة "الشعوبية"، والتي ترعرعت في أوروبا منذ القدم، وإن أخذت شكلها الحديث بعد العصر التي يسمونه عصر النهضة، باسم "القوميات".

      والشعوبية، أو القومية، أو ما يروجه الإعلام المضلل عنها "الوطنية"، هي ظاهرة تشتد في بني آدم كلما ازداد قربا من الخاصة الحيوانية، وابتعد عن الخاصة البشرية.

      ذلك أن من خواص الإنسانية أن يجتمع أبناؤها على مبادئ ومُثُل وقيم فكرية أو أدبية أو أخلاقية، مثل اللغة أو الأيديولوجية الفكرية، حتى لو هبطت به بعض تلك الأيديولوجيات عن مقام الإنسانية، كما فعلت الفاشية مثلاً. وعلى رأس تلك الخواص هو الاجتماع على الدين.

      والاجتماع على الدين أمر فطريّ جامع لكل ما تقدم من خواص. فالدين، الذي هو الإسلام "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ" آل عمران 19، وكل ما خلا ذلك باطلٌ ووهم، يتغشى عقول الكثير، بل الأكثر من البشر، يحسبون أنهم على شيء، وهذا ليس افتراءً من عندنا، بل هو تقرير ربّ العالمين "وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ" يوسف 103. يجتمع في الإسلام الأيديولوجية الفريدة الحقة، التي بنيت على وجود الحق سبحانه، ومن ثم عبادته وطاعته. ثم، تقوم على قيمٍ خلقية تحرص أشدّ الحرص، في كلّ جوانبها، سواءً ما خفي منها عن بصيرة الإنسان أم ما ظهر له، على مصالح البشر، في البعدين الدنيوي والأخرويّ، وعلى الصعيدين الفرديّ والمجتمعيّ. وهذا الشمول يعم في مبادئ الأخلاق ووسائل التعاملات المادية والمعنوية والصلات والبحث عن الحقائق العلمية وفهم النفسية الإنسانية، وكافة مجالات العمل المادي والعقليّ للبشر، مما يضمن لهم التقدم الخُلُقِيّ الناهض، دون تعصب للون ولا تراب ولا عنصر ولا جنس.

      والشعوبية، أو القومية، أو الوطنية، هي على الضد من ذلك كلّه. إذ يجتمع فيها البشر على الولاء لقطعة أرض تجمعهم، يحافظون عليها، ويتضامنون فيها، سواء منهم العلماني الكافر أو القبطي المثلث أو السيساوي المُستحمر، أو الشيوعيّ أو الناصري، أو النازي أو ما شئت من مذاهب وفرق مرتدة عن دين الله وحدوده ومفاهيمه. الجامع هنا بين البشر في هذا السياق، هو التراب، الأرض، الحظيرة التي يأووا إليها كل ليلة. تماما يحددوا لها حدّها كما يحدد الحيوان منطقة نفوذه بالبول في أربعة أركانها.

      وهؤلاء القوميون، عباد الوطن والأرض والتراب، يتخذون من صنم الأرض إلها، إذ إن كل نفس جبلت على تعظيم إله أقوى منها وأكبر وأقدر، في نظرها. انظر إلى تلك الفطرة في حكاية إبراهيم عليه السلام " فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ* فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ" الأنعام 76-78. تدرجت به الفطرة من الكوكب إلى القمر إلى الشمس، فلما رأي عليه السلام، إنها كلها تزول وتحول، توجه لله وحده، خالقها.

      فلابد للبشر إذن من إله. ويقع اختيار هؤلاء الضالون من أصحاب تلك الفرق، كلّ إلى إله مختلف متخالف. منهم إلى عقله، أو هواه، أو تراب أرضه، كما يفعل هؤلاء "الوطنيون".

      ولا يغرنّك قولهم بألسنتهم إنهم مسلمون، فهذا قولٌ باطل على الحقيقة، بما يعتنقونه من مبادئ تزاحم المفاهيم والأصول والثوابت الإسلامية الكبرى، من توحيدٍ في الطاعة والولاء، وتقديم طاعة الغير، سواء النفس، أو الحزب، أو الشعب، أو غير ذلك، على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فلا تخلُص لهؤلاء دعواهم بإسلام، وإن صلوا وصاموا وزعموا أنهم مسلمون! وهذا ينضبط بالتفرقة بين كفر الطائفة والمعيّن في غالب الأحوال.

      ويعتمد هؤلاء الضالون على حديث يروونه، يتخذونه سنداً لهذا الباب من الردّة، لا يفهمنه على صفته كعادة أهل البدع، المكفّرة وغير المكفّرة، وهو قول الحبيب المصطفى عن مكة "أنْ عبداللَّهِ بْنِ عَدِيِّ ابْنِ الْحَمْرَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ فِي سُوقِ مَكَّةَوَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ. وهذا الذي قاله صلى الله عليه وسلم لا يمت لصفة القومية أو الوطنية أو الشعوبية في شيء. إنما قرر المصطفى عليه السلام أن مكة أحب بقاع الأرض إلى الله، وكيف لا وقد بني فيها بيته العتيق!؟ وكيف لا يحب رسول الله، بل ويحب كلّ مسلمٍ لو جاور فيها مستأمنا ضارعاً على عتبات بيت الله تعالى. فخصوصية مكة هي من عند الله سبحانه، وهو وحده يختص الأزمنة مثل رمضان، والأمكنة مثل مكة، والرجال كالأنبياء والرسل بالتشريف. فأين في هذا من تبجيل التراب، يا أهل التراب!؟

      ثم إن رسول الله قد بيّن حُرُمَاتٌ لله في مواضع أخرى من الأرض مثل المدينة، قال في حديث عليّ رضي الله عنه "عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْمَدِينَةِلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمَنْ أَشَادَ بِهَا، وَلَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أَنْ يَحْمِلَ فِيهَا السِّلَاحَ لِقِتَالٍ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يقْطَعَ فِيهَا شَجَرَةٌ إلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. وهذا ما يؤكد أنّ ليس هناك حبّ لترابٍ، بل قداسة وحرماتٍ لأماكن مُختارة في دين الإسلام.

      هؤلاء الوطنيون، السيساويون، العلمانيون، من أبناء الحظائر، وعاشقي التراب، قد اضلهم الله وأعمى أبصارهم، وجعلهم على حسّ رجل واحدٍ يتشاكسون فيما بينهم، كلّ على مذهبه في الكفر "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا" الزمر 29. هذا التشاكس الذي يعيشه هؤلاء، إن وعوا عني ما أقول، لا يستو مع من أسلم نفسه لله وحده، بلا تعدد في الولاءات، كرجلٍ سلماً لرجل، ولله المثل الأعلى.

      اللهم عليكم بهؤلاء ومن لفّ لفهم، وذهب مذهبهم، وعبد عجلهم ووالى على ترابهم وحظيرتهم، فإنهم كما قلت سبحان "إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلً" الفرقان 44.

      د طارق عبد الحليم

      21 شعبان 1442 – 4 أبريل 2021