فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      في سبيل الله ... وفي "سبيل" الله

        الحمد لله والصلاة والسلام على الحبيب المصطفي وآله وصحبه   حين تأملت كلمة "في سبيل الله" التي وردت في القرآن الكريم مرات عديدة، في معرض الحديث عن القتال بالنفس أو بالمال أو بالكلمة، رأيت فيها عجباً لم ألحظه إلا قريباً، غفلة مني عن التعمق في كلمات الله تعالى!   وأريد القارئ هنا أي يربط بين هذا التعبير "في سبيل الله" وبين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح "خطَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خطًّا بيدِه ثم قال: هذا سبيلُ اللهِ مستقيمًا، وخطَّ خطوطًا عن يمينِه وشمالِه، ثم قال: هذه السبلُ ليس منها سبيلٌ إلا عليه شيطانٌ يدعو إليه، ثم قرأ: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكم عَنْ سَبِيلِهِ” رواه أحمد والنسائيّ.   الأمر هو أنه حين يقوم المسلم بعملٍ "في سبيل الله"، ليس فقط يعني القصد إلى الله لا غير، بل يجب أن يكون على سبيل الله الذي بيّنه لنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، لا في أي سبيل آخر. ولا أعني هنا النفاق مثلاً، أي في سبيل غير الله، بل في سبيل الله، كما يراها المرء، لا كما هي عليه، سبيلاً من سبل الله، ليست من السبل الذي حذرنا منها. والمعنيان متغايران تمام المغايرة.   فأنت تجد من يعمل "ظاهراً" في سبيل الله، لكنه يقصد به رضا الحاكم أو جلب نفع شخصي من مال أو شهرة أو غير ذلك. وهذا نفاق، وعمل ليس في سبيل الله، بل في سبيل من عمل له.   أمّا ما أشير إليه هنا هو أن يكون العمل مقصوداً به الله، لا غيره، لكنه على سبيل آخر، لم يعتمده الله في كتابه ولا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في سنته. فالسبيل هنا بمعنى "الوسيلة". و"السبيل" هو "وسيلة" لغة وعرفاً وشرعاً إذ هو طريق موصلٌ لشيء ما.   وتأمل قول الله سبحانه "وَٱبْتَغُوٓاْ إِلَيْهِ ٱلْوَسِيلَةَ "، أي الطريق الصحيح المؤدي إلى رضاه، ثم جاء بعدها بأحد تلك الطرق على سبيل التخصيص من العام، فذكر الجهاد في سبيله "وَجَٰهِدُواْ فِى سَبِيلِهِۦ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" المائدة 35.   فالعمل إذن في سبيل الله، يجب أن يكون في سبيل الله، وعلى سبيل الله، وكلاهما مطابق لبعضه، لا ينفصلان. فإنه إن لم يكن على سبيل الله، أي بوسيلته، لم يكن في "سبيله" أو طريقه. من هنا قال علماؤنا أن اتخاذ الوسائل غير المشروعة، المضادة للكتاب والسنة، لإدراك أغراض صحيحة شرعاً هو ليس عملاً في سبيل الله، ولن يفلح الناس أبدا في الوصل لهدف شرعيّ إلا بوسيلة شرعية، غذ الهدف والوسيلة متحدان في الطلب شرعاً.   ومن هنا قلنا، وصرخنا وحذرنا من أن اللجوء إلى الحلول الديموقراطية وموالاة لليبرالية والتعاون مع العلمانية، تعاوناً مستسلماً مُخزياً ضعيفاً، كما يفعل فلول الإخوان والجماعات المنتكسة في تركيا والشام، هو ليس عملاً في سبيل الله أبداً، لا عقلاً ولا لغة ولا شرعاً! لكنهم ممن أعماهم الله عن الحق، وكانوا ممن قيل فيهم "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا*الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا".   فاحذر أخي المسلم، أن تقول كلمة، أو تعمل عملاً، تحسبه في سبيل الله تعالى، وتقصد أن يكون في سبيل الله تعالى، ثم إذا بك تقول أو تعمل ما ليس على سبيله سبحانه، بل على سبيل السياسيين أو القانونيين أو القاعدين أو المخذلين أو المتآمرين أو المتعاونين أو "الحكماء الرويبضات المُحَدثين" كما يسميهم بعض من أضل الله. وها نحن نرى نتيجة هذا الخلط بعد قرن من سقوط الخلافة. فشل شنيعٌ ذريعٌ مريعٌ، وسفك للدماء وهدر للأموال والإمكانات، التي لو استُخدمت "بوسائل الله" المشروعة، لكان أمرنا غير ما نرى، لكنه القدر لا رادّ له.   في سبيل الله، على وسيلة الله وفي طريق الله، شعارنا   د طارق عبد الحليم 29 يناير 2021 – 15 جماد ثان 1442