فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      همسة في أذن السيدة الفاضلة آيات عرابي

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وآله وصحبه ومن والاه، وبعد

      لاشك أنه، بفضل الله ونعمته التي أتمها على السيدة الفاضلة، صاحبة القول القوي الجرئ، قد أراها طريق الحق والهدى في عدة السنوات الماضية، ثم أنعم عليها بالحجاب امتثالاً لأمر الله سبحانه. وهذا فضلٌ ما بعده فضل، لمن عرف الفرق. وقد أحسنت السيدة آيات في هجومها على العسكر الكافر، وفضح ألاعيبهم وخبائثهم للعامة، بأسلوب يفهموه عنها، ويأتي بحصاد وافر من نشر الحق في هذا الباب، وفي باب زلات الإخوان، ونفاق بلاد الغرب، وما يجرى من تآمر على عالمنا الإسلامي. وهو أمر كتب فيه علماء وأئمة كتباً ونشروا فيه أبحاثا وعلماً منذ أكثر من ثلاثة أرباع قرن، بينوا فيه وكشفوا ووضحوا، فهي أمور قديمة لنفر، جديدة على آخرين حسب الجيل والإطلاع.

      لكن ... كما قيل "من تحدث في غير فنه أتى بالعجائب". فقد كررت السيدة الفاضلة قولها بأنّ كلّ ما مر بالحركات الإسلامية، هو مؤامرة كبرى، وهو تمثيليات نظمها الحكام المتتاليون مع أبطالها من الإسلاميين في الحركات المتعددة، ليدخلوا في روع الناس، الخوف والرهبة، أو ما رأت أنه غرض لذلك.

      وأستطيع، بثقة العارف الحاضر المعايش، أن أقرر أن هذا تزييف محض للتريخ، وتقليل من شأن من كان لهم دورٌ في نشر عقيدة الموحدين، يوما ما، سواء ثبتوا على العهد، أم انتكسوا.

      وفكرة التآمر التي تصدر عنها تحليلات الكثير من المعاصرين، ممن لم يعايشوا أحداثا بعينها في تاريخنا الحديث، هي فكرة تسهّل الأمور على الناظر، إذ ليس أسهل في معرض شرح علاقة متعددة الجوانب بين أضداد، قد انقلبوا أنصاراً يوما ما، أم لم ينقلبوا، أن نفترض أن ما حدث كان مرتباً! فلا داع للتحليل حقيقة. ثم تصبح نظرية المؤامرة مضطردة وتتحول لمرض في عقل المحلل يعزوى اليه فهم كل الأحداث في العالم المُعاش. نعم هناك تآمر وخيانات، لكن يجب أن نراها في حجمها وفي ضحيح أخبارها، لا بمجرد التخمين والرمي بالغيب، كما فعلت السيدة الفاضلة في موضوع خالد الإسلامبولي أو الشيخ الظواهري، أو حتى عبد المنعم أبو الفتوح.

      أفتقول السيدة المحترمة أنه لم يكن في تاريخنا الحديث رجالا أبداً يؤمنون بقضية الإسلام التي اكتشفتها مؤخراً، وأنهم جميعا كانوا جزءاً من تمثيلية مرتية، عملاء محض لا أكثر؟! ألا ما أظلم وأبشع هذا التصور.

      لقد عشت بنفسي فترة القبض على أيمن الظواهري، وأنا أسنّ منه بثلاثة سنوات، ثم عاصرت أحداث الفنية العسكرية بقيادة صالح سرية، ثم خروج الإخوان من السجن وانقسامهم إلى طائفتين، بناء على تصورات كتابهم المرجعي "دعاة لا قضاة" المنسوب لحسن الهضيبي، المكتوب بقلم ابنه مأمون الهضيبي، والذي رددت عليه في كتابي "حقيقة الإيمان" عام 1979. ثم عرفت الجيل التالي لي، جيل العريان وأبو الفتوح، الذين يصغروني بأكثر من عشر سنوات، حين كانوا في الجامعة، وفي لجان شؤون الطلبة. ثم أحداث مقتل السادات والشهيد الإسلامبولي وصحبه. عاصرناه معاصرة لا محل لذكر تفاصيلها هنا. حتى خروجي من مصر فرارا في أبريم عام 1982.

      أقول هذا لتعرف السيدة الفاضلة أن هناك لا يزال شهود على تلك الأحداث، أحياء يرزقون، ويتحدثون، همالذين يرجع اليهم الناس في تدوين ما يتعلق بتلك الوقائع التاريخية، فهي أمانة لا يصح أن يدلي فيها كل من سول له عقله فكرة، يزيّف بها التاريخ، ويفترى عليه، بقصد أو بدون قصد.

      كان الإسلامبولي رحمه الله مخلصا تقيا يرى صحة ما يفعل، لا علاقة له بتمثيلية أو بمؤامرة، وسبقه في ذلك الشيخ الجليل أيمن الظواهري، الذي كان، ولا يزال، رمز وعلم لتلك الحركة التي أدّت، بفضل الله إلذي فتح أعيننا وأعيناً منها أعين السيدة الفاضلة. حتى عبد المنعم أبو الفتوح، فقد بدأ بداية إخوانية لا خداع فيها، وإن صاحبتها العقيدة الإخوانية المنحرفة، لكن دون تمثيل أو ادعاء. ثم تبدل حاله، من كثرة مخالطة الباطل الديموقراطي وشدة التميع الإخواني، وسبحان من يقلب القلوب كيف يشاء. حتى أخس أهل الأرض اليوم، زعماء الجماعة الإسلامية المنكوسة، عائلة الزمر وأتباعهم، فقد كانوا من المخلصين الصادقين في أول طريقهم، حتى انتكسوا في السجن الطويل بتراجعاتهم، التي أدت لسقوطهم في قبضة الطاغوت سقوطا تاماً شاملاً. حتى ناجح إبراهيم، رأس النفاق اليوم، بدأ بداية صحيحة يعرفها من عاشره في أول الطريق، لكن الشيطان لا يضيع وقته هباء.

      ثم حين تخترق المخابرات جماعة، وتوجه بشكل ما بعض تصرفاتها أو تستثمرها لصالحها أو تسكت عن معلومات لتتم العملية التي نتائجها لصالح العمل المخابراتي، لا يمكن أن يُقذف أعضاء الجماعة بأنهم يقومون بتمثيلية! هذا تبسيط مخلّ للأمور. بل يُفصّل ما هو من عمل المجموعة وما هو من أثر الاختراق إن صح

      رسالتي إلى السيدة الفاضلة أن يكون تركيزها على ما أحسنته وأتقنته من ضرب العسكر في مقاتلهم، وبيان خراب عقائد الجيوش العربية كافة للعامة الذين هم في حاجة شديدة إلى من يتحدث معهم كما تتحدث السيدة آيات حفظها الله

      د طارق عبد الحليم

      18 فبراير 2018 – 3 جمادى الآخرة 1439