فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      نقاش مع الشيخ الفاضل عبد الرزاق المهدي

      من المسؤول عن إبادة أهل السنة في العراق وضياع من بقي منهم؟

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد

      فإن أول البيان حسن السؤال. وقد وضع الشيخ الفاضل عبد الرزاق المهدي بعض أسئلة هي في حقيقتها من الاستفهام التقريريّ[1]، والذي يفيد بأن ما ورد في السؤال هو ما استقر في عقل سائله بالفعل.

      لكننا سنتناولها على أنها أسئلة استفهامية، نجيب عنها لأهميتها وصواب توجيه النظر اليها.

      سأل الشيخ المهديّ على صفحته في تليجرام، على ما وصلنا منها:

      من المسؤول عن إبادة أهل السنة في العراق وضياع من بقي منهم؟

      1. "هل هو مشروع الإخوان الذي قاده الهاشمي من خلال مشاركته في الحكومة على ضعف؟
      2. أو هو مشروع القاعدة من خلال الجهاد العالمي وإعلان الحرب على طغاة العالم؟ مع عدم وجود جناح سياسي يفاوض من أجل تحقيق مصالح أو دفع مفاسد!
      3. أو هو مشروع الخلافة؟ والذي يعتمد أسلوب التحدي واستفزاز وإثارة العالم من خلال التفجير في بلاد الغرب مع التحريق والتغريق والذبح والإصدارات الرنانة!
      4. أو هو فتاوى الشيوخ الغلاة المنظرين الذين ساهموا في تمزيق أهل السنة؟".

      فنقول وبالله التوفيق:

      أولاً: مشروع الهاشمي

      أمّا عن مشروع الهاشميّ الإخوانيّ، الذي ترك الحزب الإسلامي الإخواني في العراق، والتحق بإياد علويّ العلماني المتأمرك، مدّعياً رفض الطائفية! ثم استقال من حكومة طالباني عام 2013، اعتراضاً على ما تمارسه في الأنبار.

      والأمر أن الهاشميّ هو صورة من تربية الإخوان المتميعة، التي تنفلت إلى أقصى اليسار حين تترك جماعتها، كما رأينا في الهلباوي وعبد المنعم أبو الفتوح بمصر، والتي لا تنضبط بشرع إلا ما تضعه لنفسها من أراء تراها مصالح أو مفاسد. فهل يصدّق أحداً، خاصة في عمر الهاشمي الذي تجاوز الخمس والسبعين عاماً، ألا يعرف حقيقة العلويّ وصلاته بأمريكا وإيران، وصلات إيران بأمريكا؟ الجواب، لا! فإن الإخوان هلاميون زئبقيون في تناولهم لأمور، ولا يبالون على أي أرض يقفون. فمشروع الهاشميّ كان ساقطا قبل أن يبدأه، من حيث هو مشروع ملوّث بالفكر الإخوانيّ. والإخوان على كلّ حال، لم يكونوا في يوم من الأيام ليرفعوا يداً ضد صائل، إذ طريقهم "عش خاضعا ولا تمت عزيزاً". فلا أظن أن مشروعه كان ليغيّر شيئاً مما حدث.

      ثانيا: مشروع القاعدة والجهاد العالميّ.

      والحق أن هذا التساءل التقريريّ هنا من الشيخ المهديّ، فيه ظلم وإجحاف وقلبٌ للحقائق وعدم تبصرٍ بالواقع، وتأثر بالإعلام!

      الجميع يعرف أنّ الهجوم الأمريكيّ على الشام، وما أسموه الإرهاب، بإجماله، ما هو إلا لعبة خسيسة لإطالة عمر سيطرتها وبسك نفوذها على المنطقة، ولا دخل لقاعدة أو غيرها بذلك.

      هل كانت القاعدة هي من افتعلت خرافة أسلحة الدمار الشاملة لتدمير العراق؟ وما دخل العراق بأفغانستان أصلاً؟ فغزو العراق، إن كان الشيخ يتساءل عن دور القاعدة فيه، لا دخل له بأي شئ حدث هناك من غزوٍ وقتل. بل إن تكوين الجماعات السنية التي قامت لمقاومة الاحتلال، ولصد عادية الصحوات، كانت ردّة فعل كبيعية ضد صائل محتل، سواء كانت تنتمي للقاعدة أم لا. وكانت أمريكا ستضربها على أية حال، لسبب أو لآخر تصطنعه.
      فإلصاق تهمة أجندة القاعدة، بغض النظر عن كوننا نؤيدها أو نرفضها[2]، خطأ من حيث إنه تقديم القاعدة كضحية على محراب أمريكا، ومحاولة استخدام أفعالها لتعويض نقص في تصرفاتنا.

      أمّا عن أن ليس للقاعدة جناح سياسيّ، فهذا والله أغرب أمرٍ مرّ بسمعي! إذ كيف يتوقع أحدٌ أن ترض أمريكا، حتى لو قبلت القاعدة، أن تفاوض عدوها اللدود الأول، والذي تستخدمه كشماعة للتدخل في كلّ أمر يحدث في الشرق الأوسط، والعالم الإسلاميّ كافة!؟

      أمريكا تتصيد قيادات القاعدة، واحداً واحداً، على مستوى العالم كلّه، فكيف بالله يسأل سائل أن يكون لها وفدٌ في جنيف يفاوض عنها؟ ثم أيّ هوية تحملها القاعدة ليصبح لها وفدا للتفاوض؟ طالبان أنشأت دولة دامت خمس سنوات، ثم أنشأت مكاتبا للإتثال في الخليج لتسيير أمور ما تسيطر عليه في أفغانستان، فهل رأينا أية مفاوضات نجحت مع أمريكا حتى الآن؟ ثم النصرة وما أدراك ما النصرة، إن لم يكن الشيخ الفاضل المهديّ يعرف، لم تهدد يوماً أي دولة خارجية، بل أجندتها داخلية محضة. وحتى بعد أن تركت القاعدة، خرج التعساء، الخونة لدينهم وبلادهم، يقولون لا. يكفي، يجب أن تشقوا صدوركم لنرى ما فيها من كراهة القاعدة! فأي تفاوض يتحدث عنه الشيخ الفاضل المهدي؟!

      ثم، أين نجح أيّ تفاوض مع الغرب، في أية قضية إسلامية، مع أي فريق صائلٍ، في أي وقت مضى؟ أهناك سابقة واحدة يمكن الرجوع اليها، ليصبح الطلب ذا شرعية ما؟

      ثم أية دولة تنطلق منها القاعدة أصلا ليكون لها ممثلاً؟ من يمثل؟ الحركات العسكرية في سوريا تتحرك من الواقع السوريّ، ومن مواجهة نظام بعينه، فما للقاعدو وذاك؟

      إن إقحام القاعدة في هذا الأمر ظلم وإجحاف لا حدّ له كما قلنا.

      ثالثاً: مشروع الخلافة

      وهنا يمكن أن نضع أيدينا على أول خيطٍ حقيقيّ لكارثة العراق، وإن كان السبب الحقيقي للكارثة هو قرار أمريكيّ بالغزو، وفتح البلاد لإيران منذ عهد بوش الصغير، لعنه الله.

      ولا شك أن جنون العظمة وانحراف العقيدة عند الحروري العواديّ أعطى سببا جديدا للغرب أن يغزو ويقصف ويمحق، بعد أن ظهر زيف أسلحة الدمار الشامل، وصارت فضيحة تطارد الجمهوريين، وإن كنا نرفض فكرة أن تكون الخلافة هي السبب الأصيل وراء الغزو، لآنه تم قبل ظهور الحرورية بنصف عقد على الأقل، في الحرب الخليجية الثانية. فالخلافة نتيجة أسيفة، لا سبب في هذا السيناريو.

      وجرائم الحرورية في العراق، رغم أنها جزء يسير من جرائمهم في الشام، للأسباب المعروفة، لكن لا يزال ما حدث من ظلم للمدنيين، وسحي سلاح العشائر، خوفا منهم، كان له أثرا كبيرا على القدرة النفسية والدفاعية لأهل السنة عامة، في تلك المناطل التي أسلمها الروافض للمخبول البغدادي، حتى يكون مبررا ليعودوا فيغزوها ويعيدوا التوزيع الديموجرافي للبلاد، وإلا فأي سبب لهم في غزو تلك المناطق؟! سقط كلب أهل النار خذله الله ولعنه في المصيدة، وكان ستاراً لتدمير البنية السنة العراقية.

      رابعا: شيوخ الغلو والتطرف، كما يسميهم الشيخ المهديّ.

      وكنت أود أن يضع الشيخ المهديّ النقاط فوق الحروف، كي لا يُتهم أحد بظلمٍ. لكن على كلّ حال فإن مشايخ الغلو والتطرف ينقسمون قسمين، حيث ينقسم التطرف طرفين، لهما وسط. فطرف التميع والتسيب العقدي الذي قد يصل إلى الكفر والعياذ بالله، وطرف التشدد ووالتطنع الغلو الذي يصل إلى الحرورية والعياذ بالله. ثم الوسط الأعدل، وقليل ما هم.  

      أمّا طرف التميع والتسيب العقدي فتبدأ سلسلة أطيافهم من علماء السلطان الخُلّص الذين باعوا دينهم خالصا مخلصاً للحكام، يروجون لهم كفرهم ويحملون فوق نظمهم ستارة شفافة من إسلام، من أمثال على جمعة والطيب والغنامي والعرعور وديرانية.. حتى تصل إلى أمثال حاكم المطيري وطبقته من المضطربين، بين اعتدال وتفريط، ثم من تبقى في القاع، مثل هاروش وشريفة وطيفهم، ممن هم من العلم كحشرة الطفيليات على الجسد.

      وطرفٌ من الغلاة المتنطعين، من أنصار الحرورية الفكرية، وليس في الساحة من يُنسب للعلم الحق أو "مشيخة العلم"، فالعوادية ليس فيهم شيوخاً أصلاً، وهو ديدن الخوارج، إلا أشباه مشبوهة، وأعلى من في أطيافهم شهرة عصام البرقاوي الفلسطيني، وبعض التلامذة مثل الحايك والبنغلي وحسين ابن محمود وهو أعلمهم جميعا.

      وأهل الوسط، وهم من يجرى على مذهب السنة في غالب الأمور، وإن تفلّت منه أمر هنا أو هناك، لكن تراهم يرجعون إذا عُرِضَ عليهم الدليل الواضح دون كثير مغالبة. وهؤلاء أطياف كذلك، تبدأ بطيف صفته التي ذكرنا، وقليل ما هم، مثل الشيخ الحكيم أيمن الظواهري والشيخ د هاني السباعي، والشيخ عمر محمود عثمان الفلسطيني (أبو قتادة)، والشيخ مصطفى عبد القادر السوري (أبو مصعب)، والشيخ أبو اليقظان المصري، ,والشيخ أبو الفتح فرغلي، والشيخ طلحة الميسر، والشيخ أبو العلا الراشد، ومن هم في تلك الطبقة، تدرجاً علمياً ودعويا وجهاديا، التي تتراوح أعمارها الدعوية والجهادية بين الثلاثين وما فوق الأربعين عاما، ثم كثير من العلماء العاملين في صمت دون ضجة. ثم من استشهد منهم كالشيخ الزرقاوي وأبي الحارث النظاري والشيخ الربيش وتلاحظ إني لم أضع أسماء الدعاة الجماهيريين، من حيث إننا نبحث في أصحاب العلم الشرعيّ، أو أدعيائه، لا دعاة الخطب والمنابر، مع فضلهم.  وأحب أن أضع الشيخ الفاضل عبد الرزاق المهدي في هذا الموضع، من حيث أنه صاحب علم في الحديث، ولعله يقدّم دليلا على ذلك بطرح أدلة وبراهين شرعية على ما يفتي به، أو أن يتراجع عن قوله، كما في حالة أردوغان.

      ولم أقصد فيمن ذكرت أعلاه الحصر بل الذكر، كما أن هؤلاء في كلّ طيف، يتراوحون في العلم والدعوة والجهاد تراوحا كبيرا.. لكنها طبيعة التقسيمات، لا فرار منها!

      وهؤلاء لا شك أن كان لهم، أو لبعضهم تأثير يتراوح بين المباشرة والتوجيه الأكاديمي البعيد.

      ونعود لسؤال الشيخ المهديّ: هل كان لشيوخ الغلو أثرٌ فيما حدث بالعراق، أو في سوريا على السواء. والإجابة نعم، وأيّ نعم! لكن بطرفيهما في الغلو، إفراطا وتفريطا.

      فالغلاة في الإفراط، مثل البرقاوي ومن معه، ساهموا في وضع حدود للدين ما أنزل الله بها من سلطان، تبجحوا بها على الله، وتأولوا آياته، دعماً لغلوهم، فجروا البلاء في أعقابهم أينما حلّوا.

      والغلاة في التفريط، وليس لهم رأس معتبر يذكرون به، سمحوا للعدو الصائل أن يتوغل ويتغوّل في القصف والقتل، دون خشية مواجهة، إلا على طاولات الخشب الماهوجني، وزجاجات المياه الباردة فوقها!

      هؤلاء هم من كسروا المقاومة السنية في العراق ثم في الشام على السواء. بل وفي مصر وتونس من قبلهما، وخاصة غلاة التفريط من الإخوان وأشباههم في مصر وتونس.

      والحق الذي لا مفر منه هو أن استفهام التقرير هنا يجب مراجعته ليكون استفهاما للطلب، من حيث أنّ لكل منها إجابة واضحة كما بيّنا، واستفهام التقرير ليس عليه إجابة إلا الإقرار والتصديق.

      د طارق عبد الحليم

      4 أبريل 2017 – 8 رجب 1438


      [1] واستفهام التقرير قد يبدأ ب"هل" عند كثير من علماء اللغة كقوله تعالى "هل في ذلك قسم لذي حجر".

      [2]  ومن باب التحليل السياسي لا غير