فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      اللاجئون .. وداعش .. والغرب

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وبعد

      سرت أنباء تفيد بأن داعشاً تدسّ مقاتلين بين اللاجئين، ليتوغلوا في بلاد أوروبا، ومن ثم يقوموا بعمليات تفجير وتفخيخ وما إلى ذلك.

      ولعل البعض يرى أن هذا من الحكمة، ومن الشجاعة، ومن إرهاب العدو، لكني أرى الأمر بمنظار آخر، أعتبر فيه الصورة الأكبر، وما عليه حال المسلمين اليوم، وما يمكن أن يصل بهم إلى تغييره، حقيقة لا خيالاً.

      كنت، ولا زلت، وسأظل أرى أنّ السبب الرئيس لما تعانيه أمتنا ليس قادما علينا من الغرب، بل هو ممن هم من جلدتنا ويتحدثون بألسنتنا. السبب الرئيس هو مجموعة من الخونة المرتدين الذين كفروا بدين الإسلام كما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم واستبدلوا به ديناً لا يمت لإسلامنا بصلة، دين يبيح كلّ ما حرّم الله، ويحرّم كلّ ما أحل الله، في كلّ مجال. وجعلوا أساسه العلمانية الصريحة أو المتخفية، سيان.

      هذه الطائفة الغادرة المرتدة، هي من ظل يحكم بلاد المسلمين منذ سقوط الخلافة، ,اسلافهم إبان حكم محمد على في مصر، في وقت احتضار الخلافة العثمانية يوطئ لهؤلاء ما آلوا اليه من كراسي الحكم وعروشه.

      وكان من نتيجة ذلك أن فتحت تلك الطائفة أبواب البلاد الإسلامية للغرب، فتعرض المسلمون فيها للمفاهيم العلمانية الغربية ديانة وخلقاً. وظلّ ذلك العمل الهدام، من الخارج، بمعاول الداخل، حتى آل الأمر إلى ما نرى، مما لا يخفى على أحد.

      لكن المفاتيح لبلادنا قد استحوذت عليها تلك الطائفة، ففتحت أبوابها للغرب، ووقفت تراقب ما يفعل، وتعينه وتعضده، ديوثون لا يغارون على بلادهم!

      فإذا عدنا في الزمن إلى الوراء، عدة قرون، وجدنا أنّ الخلافة الإسلامية قد قامت قوية عزيزة قادرة، متمكّنة من ديارها وقرارها، لها جيوشها التي تسيّرها للفتوحات شرقاً وغرباً. هكذا كان الجهاد، وهكذا كان الفتح، جهاد الطلب. والغرض منه ليس قتل أهل تلك البلاد، بل إزاحة الموانع القائمة بنظمها الطاغوتية وحكامها، ليرى الناس نور الإسلام دون مشوشات، ثم يكون "لا إكراه في الدين".

      لكننا اليوم، لا يمكن لعاقل أن يتحدث عن جهاد طلب، بل اليوم نحن نحيا، بالكاد، عند من لا يزالون يؤمنون بالجهاد ابتداءً، في جهاد دفع، أي دفع الصائل، وإزالة العدوان.

      والمنطق يقول أنّ من يدفع الصائل يجب أن يكون في داره، يدفعه عنها، لا أن يكون خارجها ابتداءً، فهو معنى "الدفع".

      القائل  يقول، إن تفجير وتدمير وقتل أنفسٍ في الغرب يصب في صالح الحركة الإسلامية، ويرهب الغرب. فداعش إذن محقة إن فعلت ذلك. فمن منا لا يريد أن يرى قتلى من النصارى وبيوت هدمة، مثلما نرى في بلادنا، إذ لم نموت ولا يموتون؟

      التساؤلات المطروحة هنا هي:

      • من هو الصائل الحقيقي في بلادنا؟
      • أألغرض من التفجير والقتل في أوروبا هو الثأر، أو النكاية، أو الإضعاف، أو منع الاعتداء، أي دفع الصائل؟
      • ما هو الحجم اللازم ليتحقق الغرض إن كان لمنع الاعتداء وبالتالي دفع الصائل؟
      • أهناك مردود معاكس لهذه العمليات؟ فإن كانت الإجابة بنعم، فما حجمه؟ وهل يعادل المردود الإيجابي؟

      أما عن السؤال الأول، فإني أرى الصائل الحقيقي هو النظم القائمة، بجيوشها الي تقمع المسلمين وتعتقلهم وتقتلهم بما لا تفعل أوروبا بأي مسلم في بلادهم. وما الدعم الذي يقدمونه لتلك الحكومات إلا لأنها تقبله وتطلبه وتريده لتستمر في ممارسة القتل والاعتقال والتنكيل بالمسلمين. هم الصائل الحقيقي هنا، والغرب صائل ثانوي. ألا يرى العاقل ما يفعل السيسي بمصر، وما يفعل ملوك الخليج بالدعاة الربانيين، لا التابعين الأذلة؟ كم من معتقلٍ في مصر والسعودية وحدهما؟ هم الصائل لا غيرهم.

      ومن ثمّ، فإن الأصل الواجب هو تركيز الجهود على إزالة الحكام الصائلين، بكل جهدٍ ممكن. وهو ما كنت اتمنى لو أنّ القاعدة قد ركزت عليه منذ أول تحركها في البلاد الإسلامية. إذا لكان الأمر جدّ مختلف الآن ولا شك.

      أمّا السؤال الثاني، فهو ما الذي نريد أن نصل اليه بتلك العمليات؟ أن نثأر لقتلانا؟ فلا شك أن الثأر يشفي الصدور. أهو النكاية، فلا شك أن تلك الدول ستتحمل خسائر مادية وبشرية ومعنوية. أهو إضعاف قوتها؟ هذا ما نشك فيه، بل نجزم بعدمه. فكيف يضعف المانيا أو فرنسا أو أمريكا قتل ألف أو الفين أو عشرة آلاف من مواطنيها المدنيين، وهم الهدف عند داعش أصلا، المدنيون. كيف يضعفها تهديم عشرة مبان أو مائة؟ هذا مما لا يتصوره أحد. أيكون إشاعة الرعب والخوف بين أهلها، لا شك، وقد يكون ذلك مبررا عند البعض أن الشعوب ستجبر حكامها إذن على تغيير سياساتها. ومن يقل بهذا لم يستوعب حقيقة تلك الشعوب، وطرق تفكيرها، ولم يستفد مما حدث عقب أحداث سبتمبر 11 من عزو العراق وتدميرها بالكامل، ثم تسليمها للرافضة.

      أم هي لدفع الصائل؟ الشعوب في الغرب لها كرامة ككل البشر، إن رأت ما يهددها فسيعطون الضوء الأخضر لحكانهم أن يمارسوا أبشع الوسائل انتقاما لقتلاهم، حربا لا تبقي ولا تذر. لن يتردد برلمان في أوروبا بعد أول عملينين أو ثلاثة أن يصوّت لأكثر القرارات المتشددة ضد بلادنا. وكأننا نستعدى القوة الغربية كلها، مع الطائفة الخائنة لتقتل المزيد. فأين دفع الصائل هنا؟ لقد أدى ذلك إلى تهييج الصائل أكثر وأكثر بدلا من دفعه، إن كانوا هم الصائل الأصلي ابتداءّ.

      ثم السؤال الثالث، وهو كم نحتاج إلى عدد من المقاتلين في أوروبا ليرتدعوا عن دور الصائل الثانوي؟ كما رأينا، ذلك الأمر يحتاج إلى وجود دولة مركزية متمكنة في أرضها وقرارها ولها جيوش تسيّرها لما تريد، لا حرب عصابات وتفجيرات هنا وهناك.

      ثم التساؤل الرابع، ما الجانب السلبيّ في هذا السيناريو؟ أول أمر هو زيادة دعم الصائل الأصلي، الحكام الطواغيت، لقتل المسلمين. ثم عمل معسكرات تركيز للمسلمين[1]، حيث تجمع كل دولة عشرات الآلاف من المسلمين في تلك المعسكراتن كما فعلت أمريكا مع اليابانيين عقب موقعة بيرل هاربرز فلا تظنن إنهم يتورعوا عن ذلك، بل وبمباركة شعوبهم. ثم، لا نراه غريبا أن يشنوا حملات جوية مدمرة على مدن يتحججون بأن فيها "إرهابيون" ليقتلوا عشرات الآلاف من الأبرياء.

      ألا نرى أنه من الحكمة دراسة مآلات الأفعال قبل أن نقدم عليها، وأن ندفع عن أنفسنا التسرع والتهور والحماس الزائد، وكأن دين الله تحركه العواطف والشعارات.

      إنّ جزءاً من صواب الرأي في قرارات تتصل بردّ فعل جهة عدوة معينة، يستلزم، عقلا وشرعا، معرفة من يقع عليهم الفعل، وفهم طبائع وطرق معاشهم وثقافته بالمعني الأوسع للثقافة. والمؤسف أن من يتخذ مثل هذه القرارات، التي تأتي في مرحلة ضعف المسلمين، في الشرق والغرب، وانعدام وجود دولة مركزية، لا يعرف تلك الشعوب ولا طبائعها ولا ما تبني عليه مواقفها. بل غالبها قرارات من قادة عاشوا حياتهم في الشرق، لا يفهمون إلا طبائعه ولا يعرفون إلا منطقه. ومن ثم، لا يكون هناك أي حساب دقيق لمآل.

      لقد عرفنا داعش من قبل. لا يفعلون إلا الخراب، ولا ينتج عن تصرفاتهم إلا ما يضر المسلمين ولا ينفعهم، إلا عند قصار النظر، سفهاء الأحلام.

      أن هذا الأمر يخضع لدليل المصلحة المرسلة، إذ ليس فيه حكم تفصيلي سلبا ولا إيجابا. ومن ثم تحكمه حسابات المصالح والمفاسد. وقد عرفنا أن داعش قد قلبت موازين قواعد الشرع الحنيف، فما كان ضرره أكبر من نفعه فعلوه، وما كان نفعه أكبر من ضرره تركوه، وكذلك يفعلون.

      أرى، كما كتبت من قبل في عدة مقالات، أنّ العدو ها هنا. في بلادنا، في حكوماتنا، في جيوشنا وشرطتنا، في حكامنا الأذلين الذين فتحوا أبواب بلادنا للغزو الثقافي أولا، ثم وصل الأمر إلى احتلال نصف الخليج، ثم بداية الاحتلال الروسي باستدعاء النصيرية لهم، ثم ما يفعلونه هم بالمسلمين، كل يوم، كل ساعة، في كل مكان. فليكن التركيز على إنهاء بشار، وحفتر والسيسي والحوثي والسبسي وكلّ طاغوت مريد. ثم يكون بعدها لكل حادث حديث.

      ثم إني لست بعازف عن رأي معارض، بل أرحب به كلّ الترحيب، على أن يكون من عالم سني، ومشفوع بأدلة شرعية تخدم وجهة نظره المعارضة، فبغيتنا الحق لا غيره.

      د طارق عبد الحليم

      16 سبتمبر 2015 – 4 ذي الحجة 1436


      [1] Concentration camps