فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      حكم جمع المال للمساجد داخلها

      Fund Raising Inside Masjids 

       الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد

      السؤال: هل يحلّ جمع المال لصالح المسجد، أو أي غرض خيريّ إسلاميّ آخر داخل المسجد؟

      الجواب: بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

      طلب المال للإنفاق على المساجد أو للفقراء أو لأي غرضٍ إسلامي، هو عمل مندوب اليه بالأصل، إلا إن كان لتغطية ضرور قائمة أو حاجة ملحة، فهو واجب.

      أمّا طلبه والدعوة اليه داخل المسجد فهي حرام شرعاً، وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح "مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا". رواه مسلم. وقد اتفق العلماء على إنّ هذا لايصح ولو كان الضال آدمياً. ولا يخفى وجه ذلك على صاحب علم، بقياس الأولى أو القياس الجليّ، إنه أشدّ منعا فيما هو أقل من ذلك وجوباً، فما بالك بما هو غير واجبٍ أصلاً. ولا يقال: هذا لضالة فرد، وهذا لصالح جماعة، فإنّ الحديث بيّن بالنصّ إنّ المساجد لم تبن لهذا، أي لجلب مصلحة، ولم يفرق بين فرد وجماعة.

      كذلك فإن الطريقة المتبعة في جمع المال، لم تأت بها سنّة، بل جاء في السنة ما يجعلها مكروهة قياساً على النذر، الذي هو مكروه بتداءً لقول رسول الله "إنما يُستخرج به من البخيل". ففي هذا توجيه إلى أنّ كل ما يكون من دفع غير اختياريّ خارج عن المعتاد من المسلم للتبرع بمال مكروه وإن كان في سبيل الله.

      وقد ورد عدم الإلحاح في السؤال كما قال النووي في شرح مسلم : باب النَّهْيِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ . ثم قال :مَقْصُودُ الْبَابِ وَأَحَادِيثِهِ النَّهْيُ عَنِ السُّؤَالِ ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ عَلَى وَجْهَيْنِ ؛ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا حَرَامٌ ، لِظَاهِرِ الأَحَادِيثِ ، وَالثَّانِي حَلالٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِثَلاثِ شُرُوطٍ :أَنْ لا يُذِلَّ نَفْسَهُ، وَلا يُلِحَّ فِي السُّؤَالِ، وَلا يُؤْذِيَ المسؤول، فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَهِيَ حَرَامٌ بِالاتِّفَاقِ".

      كما جاء في السنّة عن جرير بن عبد الله البجلي قال "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة" إلى آخر الآية "إن الله كان عليكم رقيبا" والآية التي في الحشر "اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد" واتقوا الله تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال ولو بشق تمرة قال فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت قال ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" مسلم. والأمر أشدّ لو جاء في وسك صلوات نفل اجتمع لها الناس.

      وفي الحديث السابق تأكيد لما ذكرنا من حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلحّ في طلبٍ، ولم يكررها عادة أن يطلب مالاً في المسجد. إنما هي من قبيل "حكاية الحال" التي تعارض نصاً، فتعامل في موضعها، ولا تُعمم. كما لا يقال: الفرق بين طبيعة الناس زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وطبيعتهم اليوم له حساب! من حيث إن ذلك في كلّ أمر من أمور السنة بلا استثناء. وهذا التوجّه يرفع كثيرا من التكاليف بدليل عقليّ. فنحن مخاطبون بمثل ما خوطبوا به حذو القذة بالقذة.

      ولا يقال: لكن في هذا مصلحة واضحة. قلنا هي واضحة بنظرك القاصر، وهو الفرق بين البدعة وبين المصلحة المرسلة والاستحسان. فالصدقة من باب العبادة والتقرب إلى الله، وإنشاء الأمور فيها بدعة، خلاف المصالح المرسلة التي تقع في باب الوسائل أي المعاملات، ولا يَرِد فيها نصّ ابتداءً لا بتحليل ولا بتحريم.

      فاتقوا الله، ولا تقيموا مساجدكم على ما جمعتموه خلافاً للسنة، فسيأتي به الله شهيداً عليكم يوم القيامة. ولا تغترنّ بما تجمعون، فإنه لا يصح إلا السنة.

      د طارق عبد الحليم

      رمضان 28 1436