فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      الحل في مصر .. بين السلمية والسنية

      لا شك أن الوضع في مصر قد دخلت فيه عوامل جديدة على الواقع المصري، لم يعهدها من قبل. ونقصد بها التفجيرات والمفخخات الكبيرة التي تستهدف مسؤولين حكوميين مرتدين، ونشير بذلك إلى عملية الهالك هشام بركات.

      ولا نريد أن نُضخّم من أثر الحادث، كما تعود الإخوان، بتعبيرات مثل أن الانقلاب يترنح، أو إن النصر على زاوية الطريق، فهي عملية نوعية فريدة. لكن لا ننسى إننا نواجه نظاماً كاملاً مسلحا بالعتاد والإعلام والمال، مسيطرا بالفعل على كافة مفاصل الدولة بلا استثناء. كما لا يجب أن ننسى أن قطاعا كاملا كبيرا من الشعب يؤيده، جهلا أو مصلحة أو تغريراً. وهو لن يترنح ويسقط لمقتل فرد منه، بل ولا أفراد عدة.

      لكن من الواضح أنّ هناك اتجاه جديد على الساحة المصرية، ، قد تبنى فكر المواجهة المباشرة مع العدو الملحد، السيسي وجنده.

      وهذ الاتجاه، سيتبنى عمليات أخرى ولا شك، قد تتقارب وقد تتباعد، حسب اختراقهم للأمن، لكنها ستحدث لا محالة، إذ متى بدأ هذا الاتجاه لا يعود، مهما اشتدت قبضة الأمن، بل هو أصلاً بسبب اشتداد قبضة الأمن وتحكمها وبطشها وجبروتها.

      وقد عزا بعض المحلّلين هذا الحادث الى النظام نفسه، كي يتخذه توطئة لإعدام د محمد مرسى فك الله أسره ومحمد بديع وغيرهم. ولا أظن أن النظام في حاجة لهذا الحدث، الذي يكشف عن ضعف أمنه، ليعدم من صدرت بالفعل أحكاما بشأنهم. كما أن إعدام محمد مرسى يفقده ورقة في حوزته يلعب بها وقت الحاجة. فهذا التحليل أقرب للتهمة منه للفهم الواقعي للوضع القائم.

      وقد يعزو البعض هذا إلى داعش، كما قد يعزوه البعض إلى جناح عسكري سري للإخوان! ولا أرى أن كلا التفسيرين صحيح. فداعش أقل إمكانيات وأضيق تغلغلاً من أن تفعل هذا في القاهرة، كما إن سياستها براجماتية بحتة، فلو فعل بعض أتباعها في سيناء فعلاً، فللدعاية ليس إلا.

      أمّا الإخوان، فليس لهم ذراع، ولا حتى صباع عسكري، ولو كان، لتحرك هذا الإصبع العسكري من قبل في أوقات الشدة التي مرّت بهم، حتى كادت أن تنهى وجودهم بالكلية من على الساحة السياسية برمتها.

      وقد يدعى بعض الإخوان إنّ لهم زراع سياسيّ ينكر ويشجب ويقف موقف المعترض على أية عملية ضد العسكر، بينما الأصبع العسكريّ يعمل في الخفاء. وهذا إلى جانب إنه إدعاء لا برهان عليه ولا دليل، إلا قول أصحابه، فإنه غير مقبول حتى لو صح. فأولاً، ماذا جنى الإخوان من هذه الثنائية النفاقية؟ لا شئ. لا يزالوا إرهابيين، ولا يزال أكثريتهم المطلقة في السجون تنتظر الإعدام، ولا يزال بقيتهم النادرة هاربين مستخفين! فماذا جنوا من هذا النفاق الصريح. ثم أليس الصمت أفضل سياسة؟ خاصة والنفاق ومسح "الجوخ" للغرب وللنظام لم، ولن يجدي فتيلاً. أنفعهم الغرب بشئ إلا دعم السيسي علناً؟ هذا تفكير طفولي.

      الصحيح أن الإخوان، في مرحلتهم الثالثة من التطور الذي تحدثنا عنه من قبل، وفي جيلهم القياديّ الحالي، لا يشتمل إيمانه على مصطلح "الجهاد" أصلاً، وينفر من أي دعوة لقتال أو استخلاص حقٍ بالقوة. هذا الجيل القياديّ، من أمثال محمد حشمت ومحمد غزلان وعصام العريان، وأبيهم الروحي محمد بديع، فك الله أسر كلّ مظلوم، هم جيل يؤمن بالممارسات السياسية البحتة، من داخل الأطر المجهزة مسبقاً، والتي وضعها النظام، كما صرح من قبل عمر التلمساني، مرشدهم السابق. فهم يتعلقون بالعمل البرلمانيّ ويؤمنون بأنّ التغيير لابد أن يكون سياسياً لا غير. ولم يفهم هؤلاء البشر المُضَلَّل الرسالة التي بعثها الله اليهم أخيراً، في شكل سقوط محمد مرسى، بعد أن كسب أكبر معركة برلمانية.

      نسي هؤلاء المنحرفون عقديا وعملياً، إنهم إن كانوا يسعون برلمانيا، فهناك ألف طريقة وطريقة لإفشالهم[1]، كتخريب القضاء الشامخ، مثلا واحداً. قد رأوا الفشل لمنهجهم أمام أعينهم بعد سعي أكثر من ثلاثة أرباع قرن، لكنهم لا يزالوا على دينهم الذي يقولون أنّ حسن البنا سنّه لهم. لا يرون من التاريخ إلا ما بعد 1928، وكأن الزمن قد بدأ مع إعلان جماعتهم! وهذه الحزبية المفرطة المقيتة، هي التي أخذت بمصر كلها إلى الهاوية، بعد أن وثق الشعب الجاهل في كلامهم وحديثهم، فنحن المصريون سماعون لأي قوم آخرين، آذان "مطرطقة"، ببغاوات تردد ما يقع في آذانها، مع الأسف، هذه طبيعة شعبنا، كانت وستظل!

      وقد يتراجع بعضهم اليوم، فيطالب بأن تعود "الجماعة" عن خطها الحزبيّ، وأن تترك العمل الرسميّ، وتعود للدعوة، حتى لا يقال إنها تسعى للحكم أو إنها طامعة فيه.. وهذا قد يكون توجها مفيداً، لكن لسبب مرفوض عقلاً وشرعاً. فلماذا لا يكون الحكم مسعى للمسلمين، ومن قياداتهم الشرعية إن كانوا يريدون أن يكونوا قيادة روحية وشرعية؟ وهل هناك فرق بين إخوانيّ داع وبين رجل شارع حين يأتي وقت تولى حكم؟ وأين في تاريخ الصحابة ومن تلاهم، فعل المسلمون هذا؟ ما هذا النوع من التطهر الرهباني؟ تولى أبو بكرٍ رضى الله عنه الحكم، وتمسك به القرشيون. وتمسك الهاشميون به أيام عليّ رضى الله عنه وحاربوا عليه. ثم، أين في دين الله يكون من يتولى الحكم منتخبا من العوام الذين لا يحسن أغلبهم الوضوء؟ أين هذه الدنيا التي فيها الشفافية في مثل هذه الانتخابات؟ الإخوان يحلمون ويعيشون في دنيا لا وجود لها، ويحملون جراثيم كافة الفرق البدعية التي تُدمر قيادات طامحة للإسلام، كالصوفية والعلمانية والاعتزالية. قد يصلح مجتمع فيه هذه المركبات، من حيث تنوع المجتمعات، لكن القيادات الموجِّهة لا يمكن، بل يستحيل أن تنجح بمثل هذا المنظور.

      ثم نعود للحادث المبارك، فالأصح والأوجه إنه من عمل مجموعات جديدة لا تنتمى لأحد، إلا تحرير الأرض من كفر السيسي وسيطرة عسكره على مصير الأمة. فإنه من السهل إرجاع الأحداث إلى كيانات قائمة، لسهولة ذلك على المحلل، ووجود الأطر الجاهزة للتفسيرن بأن يقال هي من عمل النظام أو الإخوان. ومن المحتمل أن يكون بعض أفرادها ممن "كان" ينتمى للإخوان، ثم انشق عن قياداتها، لمّا رأي الانبطاحية السلمية.

      ولا شك في أنّ هذا النبأ مصدر فرحة لأصحاب التوجه الجهاديّ، ، لا مقتل الهالك، فهذا مصدر فرحة لكل مسلم، لكن بداية عهد جديد في التعامل مع النظام.

      لكن السؤال اليوم، هل يمكن أن تؤدى هذه العمليات إلى سقوط النظام؟ الراجح لا، بل أقصى ما يمكن أن يكون هو إقلاق النظام، وبثّ الاضطراب في قيادته، وكلما زاد اضطراب القيادة، كلما زادت أخطاؤها، ومن ثم احتمالات سقوطها. لكنها لن تكون كافية لإسقاط النظام بحال. النظام متغلغلٌ في كافة الهيئات والمؤسسات والأجهزة. بل غالب الأجهزة تحت سيطرته الكاملة، كالإعلام والقضاء والشرطة والخارجية والتعليم، بل وكافة المؤسسات الدينية الرسمية كالأزهر ودار الإفتاء والأوقاف. فقتل واحد، أو عشرة أو مائة من القيادات المرتدة لن يغير من الأمر شيئاً، وإن سبب قلقا شديدا للنظام، وأخرجهم عن طورهم وأظهر ضعف قبضتهم في بعض المجالات على الأقل.

      لكن في الناحية المقابلة، فإن الشعب المصري، كما أوضحنا، يفهم بأذنيه، فمثل هذه العمليات ترفع من أسهم السيسي، حكام للبلاد من الإرهاب. ولذلك يجب أن يتبعها شرح مفصّل للعملية وغرضها ونتائجها.

      فهل معنى ذلك عدم جدوى هذه العمليات، بالطبع لا، فقلق السفاح الطاغية واضطرابه مطوب، لكنها تنجح بالتوازى مع ما يجب أن يكون من عمل جماعيّ مصاحب لها.

      فما هو شكل الحل النهائي إذن؟

      ما نراه حلاً في مصر هو "الثورة الشعبية الإسلامية"، ونعنى بالإسلامية التي تحمل الهوية الإسلامية وحدها، لا تختلط بغيرها، من قومية أو وكنية أو مواطنة أو مثل تلك الشعارات الخائبة التي يرى الإخوان أنها هي أساس "الثورة". فالثورة في مفهوم الإخوان هي ثورة شعبٍ بكل أطيافه، مسلمها وكافرها، على حكمٍ ظالم، ثم الأمر متروك للأغلبية. والثورة الإسلامية كما نراها، ويراها تاريخ المسلمين قبل حسن البنا، الملهم لتلك الجماعة، هو أنّ الثورة الإسلامية يجب أن تكون خالصة نقية في مفاهيمها، ترفع شعار لا إله إلا الله، لا شعارات "تحيا مصر"، ولا "عدالة اجتماعية" ولا "تساو في الفرص"، ولا "مواطنة"، وإن كانت كلّ تلك الأمور لها محلها في منظومة لا إله إلا الله.

      هذا ما نفترق فيه عن الإخوان. وهو فرق بين السنة والبدعة، بين الإسلام النبوي، والإسلام الوسطيّ كما يدّعون. وقد بيّنا من قبل أن الوسط هو موقف بين باطلين، لا موقف بين حق وباطل، لو كانوا يفقهون.

      إذن الدعوة، وتحريك الجمهور والعمل الجماعي السري، بتواز مع كلّ تلك الوسائل الأخرى، لحشد أكبر كمّ يمكن لحراك جماعيّ يجعل الأمن عاجزاً عن مواجهته، كما حدث في حركة 25 يناير، التي لم تكن إسلامية بأي درجة من الدرجات، وإن شارك فيها إسلاميون. لكن أتت مثالا لهذا الدين المختلط المبني على الوطنية المصرية، وحقوقها، لا على إعلاء لا إله إلا الله، ففشلت فشلاً ذريعاً.

      د طارق عبد الحليم

      15 رمضان 1436 – 1 يوليو 2015


      [1]  ورد الآن أثناء التدوين خبر قتل 13 إخوانيا في اجتماع بمدينة 6 أكتوبر كثأر للهالك بركات. هذا مصداق ما نكتب هنا جاء ليؤكد أن المواجهة ليست سياسية.