فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      السنة ومكانتها في الساحة الشامية

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وبعد

      أشار أخي الفاضل الشيخ د هاني السباعي، في تغريدة قريبة له، عن "أفيقوا .. أين هم السنة الذين تستنجدون بهم؟"، فوصف أنواعا ممن يشار اليهم بأنهم سنة، وهم بين مبتدعة حرورية أو صوفية أو متدمقرطين، أو مرتدة علمانية كأنظمة الحكم كلها، وبعض الجماعات المتدسرة بالإسلام. فكانت هذه لفتة جديرة بالنظر والتعقيب.

      وأخي د السباعي أراد أن يبيّن أنّ "السنة"، أي أهل السنة، في عالمنا "الإسلاميّ" ما هم إلا أولئك النفر المجاهدين في أنحاء متفرقة من هذا العالم الإسلامي، إلا من انحرف منهم عن الجادة، فصار عدوا لله ورسوله، كالحرورية والعلمانية.

      وقد رأيت فيما أكتب، وما يكتب غيرى، إشارة إلى أهل السنة في مقابل بقية الفرق كلها. إلا إني وجدت أنّ تعريف ذلك، وتخليصه من شوائبه يحتاج إلى بيانٍ أوثق، يكون دليلاً للمتابع عما نقصد بالسنة أولا، ثم من نقصد بالسنة ثانيا.

      حين يُطلق مصطلح "السنة" يذهب الفكر بأصحابه إلى اتجاهات مختلفة. فالفقيه يقول "هي قول النبيّ صلى الله عليه وسلم وفعله وتقرير"، والأصوليّ يقول "هي المصدر الثاني في التشريع، والمفسّر يقول "هي البيان والحكمة"، ، والمحدّث يقول "هي مجموع ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسندٍ متصل عن العدل الضابط عن مثله من غير شذوذ ولا علة"، واللغويّ يقول "هي الطريق والمنهج"، والعاميّ يقول "هي المندوبات التي سنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير فرض". وكلها صحيح لا إخلال فيه ولا اختلال. والسنة هي كلّ ذلك، وأكثر منه.

      السنة هي الطريق الذي بينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واضحا مستقيما لا عوج فيه، ليحيا على أساسه المسلم، من خلال نصوصه الثابتة، وأفعاله المقررة، ومجموع ما يتحصل من توجيهاته المنتشرة في تلك الأقوال والأفعال جميعا.

      وهذا الطريق، ليس فقط فعلاً بعينه يدل عليه قول في نصٍ، يقوم به به المسلم، فيكون على السنة. بل هي منهج مستل من كلّ ما ذكرنا، يرسم خطة الحاضر بناءً على ما جاء، واستهداء به، ورعاية لما سيأتي وتقديراً له.

      ومن ثمّ، كانت فتوى العالِم السنيّ اليوم، مبنية على معنى ما ذكرنا من أقوال تصف السنة، مع نظرة ثاقبة يمحص الواقع وتنزل الأقوال والأفعال النبوية على مناطاتها وحوادثها، فإن لم تجد، فزعت إلى ما تحصّل من توجيهاته صلى الله عليه وسلم المنتشرة في تلك الأقوال والأفعال. وهو أمرٌ عزيز دقيق، يحتاج إلى فقيه، مفسر، أصوليّ، لغويّ، محدثٌ، ثم يحيا بين العامة، يعرف حاجاتهم ويعيها أشد الوعي.

      فالسنة، ليست تمسكاً بظاهر حديثٍ، وإن صحّ، ولو كان التمسك به صحيحاً على العموم، في مناطه. والسنة ليست عمل يوم وليلة يقوم به المسلم ثم يخلد لنومه مطمئناً! قد يكون هذا نافعا في أحوال فردية، وبشأن أحوال فردية، لكن حين يتعلق الأمر بجماعات وبتوجهات شعوب وبحروب مع بدع وكفر، فالسنة أكبر من ذلك بكثير .. كثير جداً.

      ولسنا بصدد الحديث الأكاديميّ عن السنة ومكانتها، رغم خطورة الموضوع وأهميته في وجه التمدد الرافضي، لكننا نود أن نشير إلى الساحة الشامية، وما فيها، حين نطلق فصائل السنة، في مقابل الحرورية، فماذا نعنى؟

      أولاً: تلك الفصائل التي ارتضت شرع الله حكماً في خاصتها وعامتها، وجعلتها هدفاً لمنظومة الحكم إن مكنها الله في الأرض، حسب التصور الواقعي، وحسب تدرج الأحكام بين الوجوب والتحريم، وبما يسمح به تدرج العامة في إدراك الواجبات الشرعية، ورفع الجهل عنهم فيها.

      ثانياً: تلك الفصائل التي تعرف أن الله لم يكلف نفسا إلا وسعها، وأن الدين يسر لا عسر، وأنه سبحانه ما جعل علينا في الدين من حرج، وأن المتنطعين هالكون، وأن الرفق ما كان في شئ إلا زانه، وأن الحسنة بعشر أمثالها وأن السيئة بمثلها، وأنّ الله عزيز ذو انتقام، وأنه لا يخلف الميعاد.

      ثالثا: تلك الفصائل التي يرتفع بها ضميرها، الفردي والجمعيّ، فوق التحزبات والقوميات والتجمعات، إلى أفق الأمة والجماعة المسلمة الواحدة، فلا تتفرق من بعد ما جاءها من البينات، ولا يسطر هوى أنفسها، من رغبة في التسلط والتحكم والسيطرة وإملاء الرأي غلى الغير، بحيث تعمى من حيث لا تدرك.

      رابعا: أن يكون العلم الشرعيّ حاديها، ورأي العلماء رائدها، لا تعمل دون علم، فالعمل دون علم ضرب في عماية، وجهل وبدعة.

      خامساً: أن يكون تعاملها مع غيرها من الفصائل السنية على أساس أخوة الإيمان، ووحدة الهدف، لا الاستعلاء وضيق الأفق، وأن يكون الأصل هو الاجتماع لا الافتراق، فالحق يقع حيثما وافق الشرع، لا حيثما وافق هوى القائد أو الأمير.

      سادساً: أن يكون تعاملها مع الكفار والمرتدين من باب ما يمليه الشرع، بالعلم والأدلة. فربّ تعامل مع كافرٍ، لا يكون فيه ولاء بحال، ورب تعاون مع مسلم يكون فيه إثم وعدوان. فاعتبار المناطات والأحوال هو الأصل لا الشكل والمظهر، والعبرة بالنيات والمقاصد، إن صحّت الوسيلة.

      سابعاً: أن يكون في اعتبارها أنّ حكام العرب، لا خير فيهم، ولا أمل في صلاحهم، فهم دائما وأبداً معول هدم، وكذا الغرب. فالحذر والامتناع عن التعامل معهم هو الأصل المعتبر، إلا ما استثني بدليل. فلا يحرم مطلقاُ، ويكفر فاعله كما تقول العوادية الحرورية، ولا يصح فاعله كما يزعم غالب طوائف الجيش الحر وبعض الجبهات المحسوبة على السنة. بل الأصل الحرمة إلا بدليل ثابت صحيح.

      ثامنا: الفصائل التي:

      • ترى الكفر ما تقرر عن أهل السنة إنه كفرً بيقين
      • كما ترى أهل البدعة ببدعتهم، وتصفهم بوصفهم، بلا تهاون ولا لين.
      • فالعوادية الحرورية هم كلاب أهل النار، لا أخوة منهج ولا أتباع دين.
      • وترى حربهم واستئصالهم اتباعا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم هو طريق الناجين، لا المتنطعين

      تاسعا: تلك الفصائل التى تعلن البراءة من العلمانية، أو السبل الديموقراطية، تحت أي مسمى، ومن مفاهيم الإرجاء الإخوانية، ومن الحرورية، سواء بسواء.

      تلك هي الفصائل التي نعنيها حين نردد "يا أهل السنة"، و "يا مجاهدي السنة"، لا غيرها. فمن كان من هؤلاء، فهو منا ونحن منه، ومن لا، فعلى قدر بعده يبعد عن السنة.

      وقد رصدنا هنا كليّات عامة، لا يجب ولا يصح الخروج عنها، دون تفاصيل لا داع لجعلها حدودا يفترق عليها الناس، كما في مسائل توقيت تطبيق حدّ ما، أو تطبيق الحدود في وقت الحرب، وكلّ ما ثبت في الفقه إنه من مسائل الخلاف، إذ لا يصح التفرق عليها ابتداءً.

      والله ولي التوفيق

      د طارق عبد الحليم

      7 رمضان 1436 – 24 يونيو 2015