فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      نقاط استراتيجية .. في التعامل مع العوادية

      الحمد لله الذي لا يحمد سواه، المحمود على كل حال، وبكل لسان ومقال، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد

      لعلنا، مهما اختلفنا، أن نتفق على أن الهدف الأول والأخير، بل والوحيد، هو إحياء هذه الأمة، وتمكين أهلها في أرضهم، وتطبيق شرع ربهم، على سنة رسولهم صلى الله عليه وسلم.

      ومن بديهيات الأمور أنّ وجود استراتيجية عامة لمن يسير في هذا الاتجاه هو أولوية دون ثان لها. فهي التي تنظر إلى دروس الماضي وتعتبر معطيات الحاضر وتتوسم مآلات المستقبل.

      وقد عرف المسلمون أعداءهم من كل طائفة، معرفة واضحة جلية لا ريب فيها. فهم اليوم، ليس كالأمس القريب، يعرفون النصيرية والروافض ودورهم في تخريب الكيان العقدي والخلقي للأمة. ويعرفون منذ عقود وقرون، دور الصهاينة والصليبيين في تدمير الكيان الأخلاقي والاقتصادي والاجتماعي للأمة. فهذا أمر يعتبر الحديث فيه، من ناحية استراتيجية من باب الحديث فيما لا يفيد.

      لكن الواجب الآكد هو في بيان ما يشتبه على الناس، فلا يعرفون حقيقة عقيدته، ومن ثم لا يمكنهم تحديد موقف محدد منه.

      ولن نتحدث اليوم عن الإخوان المسلمين، فقد صنفهم غالب من له رأي يُعتد به في فرقة المرجئة، وكذلك السلفية المدخلية وأمثال تلك الطوائف التي تعتبر فرق فرعية (sub sects) تحت مسميات الفرق الأكبر المعروفة. ومن المعلوم أن كلّ فرقة فرعية قد يكون لها آراء تختلف اختلافا بيّنا عن الفرق الفرعية الأخرى، لكن يجمعهم أصل واحد هو البدعة في أصلٍ كُليّ، ثم بعدها يتخذ كلّ منهم عقائد وشرائع تختلف جدّ الاختلاف.

      لكن كائنة اليوم هي "الحرورية العوادية" الذين خرج بهم إبراهيم بن عواد في أيامنا النحسات هذه. تكفير المسلمين بما ليس بمكفر عند أهل السنة، ثم قتلهم على ذلك. هذا هو الأصل الكليّ الذي اجتمعت عليه "الحرورية العوادية". ثم منهم من كفّر الجاهل عينا، ومنهم من كفر عاذر الجاهل، ومنهم من كفر مَنْ لم يكفر عاذر الجاهل .. وهكذا سلسلة التكفير واستباحة الدماء المعروفة عن الخوارج، كفرقة كبرى.

      ولا أعتقد أن أحداً خالف في أن هذا ما يدين به الحرورية العوادية أتباع ابن عواد، حتى من اعتبرهم بغاة. المشكلة في أنّ هذا ليس من فعل البغاة. فالبغاة لا يكفّرون. وأشعر والله بالأسى إذ أقول هذا لمن أرى أنهم من أعلام الساحة اليوم.

      وكون أنّ هناك في هذه الفرقة أخلاط، لا يرفع عنها الوصف الكليّ، إذ الخلط ليس في الإيمان بتكفير من يقتلون من المسلمين، بل في وصف سبب هذا عند بعضهم، فمنهم بسبب الجهل، ومنهم بسبب التغرير، لكن الأصل موجود لدى الكلّ. ومرة أخرى أشعر والله بالأسى إذ أقول هذا لمن أرى أنهم من أعلام الساحة اليوم.

      أيعتقد البعض أن لم يكن هناك جهلة أو مغرّر بهم بين خوارج عليّ رضى الله عنه؟! أو لم يكن هناك جهلة أو مغرر بهم بين خوارج أيّ عصر آخر تحدث عنهم التاريخ وصنفهم العلماء؟! ومرة أخرى أشعر والله بالأسى إذ أقول هذا لمن أرى أنهم من أعلام الساحة اليوم.

      على كلّ حال، فقد كتبت عدة تغريدات تويترية أوضحت فيها، على عجالة، موقفي من الفتوى التي صدرت بشأنهم عن بعض العلماء الأحباء، مما لم يصبهم فيها التوفيق فيما أرى.

      كما كتبت عدة تغريدات تويترية أخرى أوضح فيها استراتيجية "الحرورية العوادية"، وأنهم يعتمدون على قوة الوازع العقدي، وانضباطه وثباته، وعدم التميع أو التلبس بغيره، حتى أنهم يقتلون من يتردد فيه من صفوفهم[1].

      وهذه الاستراتيجية المتشددة الغالية، تجدها مقابلة في جانب من يمثلون المجاهدين  أهل السنة، ويقومون بنصح قادتهم، وترجع اليهم الأمراء في شؤونهم القضائية والشرعية، لينا وتشتتا وتلعثما واضطرابا وخلطا! أمرٌ يُشعر بالحزن والأسى.

      هناك فرق بين أن يتخذ أصحاب الرأي موقفا حازماً شرعياً موحداً، يلتزمون به، وتخرج فتاواهم على أساسه، دون محاباة أو "توسط"، حتى لو شذّ منهم واحد أو اثنين، وبين أن تخرج مواقفنا لتزيد الشباب بلبلة على بلبلتهم، وتقوى من روح الاضطراب والخوف من التصدى لهؤلاء الحرورية، والورع البارد الذي نقول بألسنتنا إننا لا نرضاه! ولا نبالي بمن شذّ، فمصلحة الأمة أعلى من مصلحة إرضاء طرف ومجاملته، ولو كان أخا قريبا أو صديقا حميما!

      نعلم جميعا أنّ هذا الفكر الحروري، وهذه البلية التي قامت عليه، والتي تقتل المسلمين وتبْطئ بهم السير للنصرعلى النصيرية، ستنشأ حربا سجالاً طويلة المدى، على المستويين العقدي والعسكري. وهذه الحرب لن تكسبها السنة بمثل هذا التلعثم والتردد والتبلبل. إنما يحتاج الأمر إلى حزم في الرؤية، ينعكس إيجاباً على الجيل الحاليّ والأجيال القادمة، بحيث يرتكز في عقيدتهم أن هؤلاء من حذّر منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم من ورد فيهم حديثه، وأنهم لا يصلح معهم صلح ولا تجدى مداولة.

      ولا يعنى هذا إنه يجب التجييش لقتالهم اليوم، في كلّ جبهة. فإن هذا من تكتيكات القواد في الجبهة ذاتها، لا يتدخل فيه زيد ولا عُبيد. ولكنّ المنظرين، المسموعي الكلمة، هم من يجب أن يرسخوا هذا الفكر، كما رسّخ الحرورية فكرهم فأطاحوا بالسنة في كثير من المعارك. والفرق إننا نؤسس لفكر صحيح يرى البدعة بدعة، والكفر كفرا والسنة سنة، لا كهؤلاء الضالين المضلين. فلم قوتهم في ضلالهم وضعفنا في حقنا؟

      وأكثر من ألوم في عدم الأخذ بهذه الاستراتيجية هم من أعلنوا رأيهم أن هؤلاء حرورية صرف لا خير فيهم! فما شأنكم إذا بهذه البلبلة.

      الاستراتيجية السنية يجب أن تبدأ على الفور، يشارك فيها من يشارك، وينأى عنها من ينأ، لكن، يجب أن تكون واضحة ثابتة لا تميع فيها ولا تدسس. فإن التاريخ لا يرحم. ثم ليكون لمن شذّ رأيه موقفه وحده. فإن غلب الرأي، بالأدلة الشرعية أن هذه الطائفة بغاة لا تنطبق عليه الحرورية، فليكن إذن هذا ما يلتزم به الجمع. لكننا دعونا، ولا زلنا، أن نرى تأصيلا شرعيا ممن يقول بهذا النظر، دون جدوى.

      شباب الأمة اليوم في محنة، وعلماؤها متحيرون في حكم طائفة. وضعٌ لا نُحسد عليه!

      أقول قولي هذا وأسأل الله الاخلاص والثبات وإصابة الحق، وإلا فالخطأ منى ومن الشيطان.

      د طارق عبد الحليم

      يونيو 04 2015 – 18 شعبان 1436


      [1]  وردتني هذه الرسالة الآن من أحد الشباب المقاتل في مكان قريب من أماكن تواجدهم بحلب " وعندهم في مناطقهم لا يروا إلا ما يرى كبرائهم. سياسة لا أوريكم إلا ما أرى، حتى ممنوع اي جندي يتحرك من ولاية لولاية غير ومعاه ورقة رسمية مختومة من الوالي يأذن له فيها بالذهاب تحركاتهم حتى داخل مناطقهم مقيدة. و الإعلام عندهم مقيد. ولو فيه أخوة من النوع اللي بيفكر وبيبدأ يشوف أخطاء ويتكلم عنها، في الوقت اللي بيتكلم بيبقى خطر على الدولة وبيسجنوه، ولو خطره زيادة ومفيش منه امل بيقتلوه"