فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      مقالتان خفيفتان على اللسان .. يحذرهما المسلم!

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد

      "لحوم العلماء مسمومة"

      سبحان الله، كم من حق يُقصَد به باطل. ألم يقل الخوارج لعليّ رضى الله عنه "إن الحكم إلا لله"، فقال "كلمة حق أريد بها باطل". وأيم الله كلمة لا أحق في الحق منها. ولكن الأمر فيمن استعملها، وكيف وضعها وأوّلها، وعلام أنزلها وأناط حكمها. وكان هذه ديدن الخوارج منذ أن التوى أسلافهم بهذا الفهم السقيم، كما التوى الفهم بالمرجئة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "أشققت عن قلبه"!

      مثل ذلك قول بن عساكر "لحوم العلماء مسمومة" تحذيراً من غيبتهم وسبهم. وهذا من أصح الصحيح. لكن .. لكن يجب الحذر في اطلاق القول، فقد ضل بها من ضلّ. فالمعنى هنا ينطبق على العالِم. والعالم ليس كل من تكلم بعلم بلا عدل، ولا كل من تكلم بعدلٍ بلا علم. بل العالم من تكلم بكليهما. العالم، الذي يقصده بن عساكر، هو من أقر له العلماء وشهد له القرناء، وقامت بأعماله الحجة على علمه، واتفق الناس على إخلاصه وفقهه. أما غير هذا فكثير، لا تقوم بهم قدمٌ في مجال العلم وميادينه.

      فترى منهم من تحرّش بالعلماء وزاحمهم في ميادينهم، بلا رصيد معدود أو باع ممدود. بل كلّ زاده تجميع وترتيب، أوقص ولزق، أو خطب كلامية رنانة، أو غير ذلك مما قد يخيل عاميّ، ولكن لا يعدّ صاحبه من العلماء. وهذا طيبٌ إن لم يزاحم ويتحرش، بل يتعدى ويلاعن! فإن هاجمه من هاجم، قيل له "لحوم العلماء مسمومة". لا والله لا من هذا حاله فلحمه طيب للشواء على السفود!

      كذلك، من تحدث بعلم بلا عدل، كعلماء السلولية والسرورية، من أحذية السلاطين، وكلابهم النابحة. ترى الواحد منهم له شهادات وإجازات، ومناصب ومحاضرات، ثم تجده يتحدث عن وليّ أمر مرتد، فيتعذّر له، ويتمرغ على أعتابه، ويستدل بما لا محل للإستدلال به، لينفق بها سلعة الردة، غير آبه بكتاب أو سنة. فمن كان هذا حاله، فلا دخل لابن عساكر فيه، بل يلحق لحمه بأخيه الأول على السفود!

      "نعرف الرجال بالحق ولا نعرف الحق بالرجال"

      نعم، حقا وصدقا، لكن من يعرف الخلق بالحق؟ لقد اخنار الله سبحانه رجالاً، رسلاً وأنبياء، ليعرفوا الناس بالحق، ولم يظهره مجرداً، وهو القادر على كل شئ. نعم هم أنبياء ولكنهم رجال بشر "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ".

      ثم إن الله سبحانه وجّه الناس إلى أن يطلبوا العلم من أهل الذكر، فهل أهل الذكر رجال أم ملائكة؟ فإن لم يصح أن يطلب الناس الحق من رجاله، فماذا تعنى آيات الله إذن؟

      ثم، قال صلى الله عليه وسلم "إنما دواء العيّ السؤال"، فهل يسأل العيّ رجالاً أم جماداً أم ملائكة؟ فإن كانوا رجالاً، وهم رجال، فهل هم على علمٍ أم هم أدعياء علم؟

      إذن فما الصحة في هذه القولة إذن، إن عارضتها أدلة الكتاب والسنة والعقل؟ نقول، الخلل في فهم مرددها هو الباطل، لا القولة ذاتها. فإنه يجب أولاً أن نعرف الرجال الذين يتحدثون باسم الحق، وأن نختبرهم بما يكشف عن حقيقة ادعائهم، لا بهوى، ولا بتشهى ولا بأعمال خارقة، بل بما هو مقبول في العقل، معلوم في الشرع، مستقر في الفطرة. فقد عرّف رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه لقومه قبل أن يبلغهم أنه يتلقى وحياً، بأمانته التي شهدوا بها له من قبل. وكان صالحاً مرجوا في قومه قبل أن يعلن النبوة "قَالُوا۟ يَـٰصَـٰلِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّۭا قَبْلَ هَـٰذَآ"هود62. ومقاييس الاختبار تتعدد حسب الزمان والمكان، لكن تتفق كلها على انها شهادة لصاحبها بأنه على الحق، أو طالب له، أو عارف به.

      والمقياس الذي لا يتبدل في هذا الصدد هو العلم والتقوى. فقد شهد العقل ومستقرات العادة والفطرة أنّ العالم هو من تُطلب شهادته وتؤخذ كلمته، وترجى حكمته، لا أيّ رجلٍ كان "إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَـٰٓؤُا۟". ومقياس العلم ودليله هو نتاجه، كما بيّنا من قبل في مقلات عديدة، وهو ما اتفقت عليه دوائر العلم قديما وحديثاً. أمّا التقوى، فهي أمرٌ باطنٌ، يطهر بين الناس بالعدالة. والعدالة لا تنخرم إلا بأسباب ثابتة ظاهرة، وإلا فالأصل أنّ المسلمين عدولٌ يسعى بذمتهم أدناهم.

      إذن، فالطريق هو أن نعرف رجال العدل والعلم، ثم نعرف منهم الحق، ثم نعرض من لا نعرف عنهم العلم والعدل على هذا الحق الذي ثبت لدينا بقول العدول العلماء. هكذا، لا ذلك الواغش الذي يدور على ألسنة الغوغاء، ممن لعبت بهم كلمات من خرج عن العقل والشرع بأنّ العاميّ قادرٌ على تمحيص الحق بين الخلق!

      د طارق عبد الحليم

      14 يونيو 2014 – 16 شعبان 1435