فضح العرورية العوادية

    وسائل الإعلام

      مقالات وأبحاث متنوعة

      البحث

      أخذ الفتوى من مجاهيل التويتر والفيس بوك

      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

      أما بعد:
      فمن المعلوم أن الأمة الإسلامية تمر بجملة من النوازل العظيمة والملمات الشديدة التي تحتاج فيها إلى أهل العلم الراسخين حتى يوجهوا أفرادها إلى الحق الموافق للكتاب والسنة.
      ولقد لاحظت كما لاحظ غيري من أهل الفضل والخير أن كثيرا من المجاهيل المتخفين وراء الكنى يفتون في نوازل عظيمة وقضايا كبرى لو كان عمر حيا لجمع لها كبار الصحابة.
      بل وأضاف كثير منهم إلى ذلك إسقاط المخالفين من العلماء والتهجم عليهم ومنهم من وصل بهم الحال إلى التفسيق والتبديع والتكفير,والله المستعان.
      كناطحٍ يوما صخرة ليوهنها***فلم يضرها وأوهى قرنَه الوعلُ

      وهم في حقيقة الأمر أولى بالإسقاط والطعن فهم مجاهيل لا يعرفون ولا يعرف لهم نسب في العلم,ولا وجه للمقارنة بين الأئمة الفحول وبين هؤلاء النكرات.
      ألم تر أن السيف ينقص قدرُه *** إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

      كما أنه يلحظ تأثر بعض العوام من الناس بهؤلاء فترى أحدهم ينقل ويكتب قال الشيخ أبو فلان "المجهول",وأفتى الشيخ فلان "المجهول",وهذا القول قول الشيخ فلان "المجهول" مع أن الشيخ هذا لا تعرف عينه فضلا عن معرفة علمه,فجعل الناس منهم أئمة فحولا وقدموا أقوالهم على أقوال الكبار.وصدق من قال" قد ضل من كانت العميان تهديه"
      قَالَ محمد بن سيرين:«إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ عَمَّنْ يَأْخُذُهُ».

      ولذلك وجب علينا التحذير من أخذ الفتوى من هؤلاء,فالمقلدون هم أغلب الأمة والسواد الأعظم وهؤلاء يجب عليهم في النوازل أن يسألوا العلماء لمعرفة حكم الله تعالى فيها وهذه مسألة متفق عليها بين العلماء.
      قال ابن عبد البر{جامع بيان العلم ج2 ص988}:
      فَإِنَّ الْعَامَّةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ تَقْلِيدِ عُلَمَائِهَا عِنْدَ النَّازِلَةِ تَنْزِلُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَيَّنُ مَوْقِعَ الْحُجَّةِ وَلَا تَصِلُ لِعَدَمِ الْفَهْمِ إِلَى عِلْمِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ دَرَجَاتٌ لَا سَبِيلَ مِنْهَا إِلَى أَعْلَاهَا إِلَّا بِنَيْلِ أَسْفَلِهَا، وَهَذَا هُوَ الْحَائِلُ بَيْنَ الْعَامَّةِ وَبَيْنَ طَلَبِ الْحُجَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ تَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْعَامَّةَ عَلَيْهَا تَقْلِيدَ عُلَمَائِهَا وَأَنَّهُمُ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَعْمَى لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَثِقُ بِمَيْزِهِ بِالْقِبْلَةِ إِذَا أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا بَصَرَ بِمَعْنَى مَا يَدِينُ بِهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَقْلِيدِ عَالِمِهِ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْعَامَّةَ لَا يَجُوزُ لَهَا الْفُتْيَا، وَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِجَهْلِهَا بِالْمَعَانِي الَّتِي مِنْهَا يَجُوزُ التَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ وَالْقَوْلُ فِي الْعِلْمِ.هـ

      ولا يعني هذا أن يقلد العامي العَالمَ تقليدا أعمى ويتعصب لأقواله بل متى ظهر بطلان قول العالم وجب على العامي الرجوع عن مذهب شيخه لأنه في الأصل متعبد باتباع الكتاب والسنة,فالمذموم في التقليد هو التقليد الأعمى بحيث أنه يبقى على خطئه ويأبى الرجوع إلى الحق وحجته في ذلك أنه على قول شيخه ولا يخالفه أبدا,وأما الأخذ بقول العالم في النوازل وسؤاله عن حكم الله فيها فهذا واجب على العامي الذي لا يستطيع أن يستنبط الأحكام الشرعية من النصوص.

      وبالتالي لا يجوز للعامي أن يأخذ بفتاوى هؤلاء المجاهيل لأن الله تعالى أمره بسؤال العلماء,فكيف له أن يعرف أن ذلك المجهول عالم؟فهو مجهول العين لا تعرف عينه فكيف سيعرف علمه؟
      واتباع ذلك المجهول قد يكون سببا في الضلال والإضلال,لانتشار الجهل بين الناس في هذه العصور,فلا نأمن أن يكون ذلك "المفتي" ممن يحسن النسخ والنقل ولا يفهم ما ينقل,فيجعل العام خاصا والخاص عاما والمقيد مطلقا والمطلق مقيدا...إلخ,فالمتضرر حينها من يقرأ ويتبع هؤلاء.
      قال تعالى{النساء 59}:
      يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.
      وقد فسر قوله"أولي الأمر" بالعلماء وأهل الفقه والدين وروي هذا عن ابن عباس ومجاهد وأبي العالية وغيرهم.
      قال ابن كثير{تفسير القرآن العظيم ج4 ص136}:
      وَالظَّاهِرُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-أَنَّها عامة في كل أُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ.هـ

      وقال تعالى{النحل 43}:
      فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.
      قال ابن قدامة{روضة الناظر ص408}:
      وقد أمر الله - تعالى - بسؤال العلماء في قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.هـ
      وقال أبو بكر الجصاص{الفصول في الأصول ج4 ص281}:
      فَأَمَرَ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِقَبُولِ قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ مِنْ النَّوَازِلِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّتْ الْأُمَّةُ مِنْ لَدُنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ التَّابِعِينَ، إلَى يَوْمِنَا هَذَا، إنَّمَا يَفْزَعُ الْعَامَّةُ إلَى عُلَمَائِهَا فِي حَوَادِثِ أَمْرِ دِينِهَا.هـ

      فتبين لنا بعد هذا أن الواجب سؤال العلماء المجتهدين وليس النكرات المجاهيل,وقد نص علماء الأصول في كتبهم على الشروط التي يجب أن تتوفر في المجتهد من ذلك أن تكون عنده أدوات الاجتهاد من معرفة نصوص الأحكام والناسخ والمنسوخ ومواطن الإجماع وأصول الفقه والنحو والصرف...إلخ

      قال الجويني{الورقات ص17}:
      وَمن شَرط الْمُفْتِي: أَن يكون عَالما بالفقه أصلا وفرعاً خلافًا ومذهباً، وَيكون كَامِل الْأَدِلَّة فِي الِاجْتِهَاد، عَارِفًا بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي استنباط الْأَحْكَام من نَحْو، ولغة، وَمَعْرِفَة الرِّجَال، وَتَفْسِير الْآيَات الْوَارِدَة فِي الْأَحْكَام وَالْأَخْبَار الْوَارِدَة فِيهَا.هـ
      وقال ابن قدامة{روضة الناظر ص375-376}:
      والواجب عليه في معرفة الكتاب:
      معرفة ما يتعلق منه بالأحكام وهي: قدر خمسمائة آيةٍ. ولا يشترط حفظها، بل علمه بمواقعها حتى يطلب الآية المحتاج إليها وقت حاجته. والمشترط في معرفة السنة:
      معرفة أحاديث الأحكام، وهي وإن كانت كثيرة فهي محصورة.
      ولا بد من معرفة الناسخ والمنسوخ من الكتاب والسنة، ويكفيه أن يعرف أن المستدل به في هذه الحادثة غير منسوخ.
      ويحتاج أن يعرف الحديث الذي يعتمد عليه فيها أنه صحيح غير ضعيف، إما بمعرفة رواته وعدالتهم، وإما بأخذه من الكتب الصحيحة التي ارتضى الأئمة رواتها.
      وأما الإجماع:فيحتاج إلى معرفة مواقعه، ويكفيه أن يعرف أن المسألة التي يفتي فيها هل هي من المجمع عليه، أم من المختلف فيهن أم هي حادثة؟ ويعلم استصحاب الحال على ما ذكرناه في بابه.
      ويحتاج إلى معرفة نصب الأدلة وشروطها
      ومعرفة شيء من النحو واللغة، يتيسر به فهم خطاب العرب، وهو: ما يميز به بين صريح الكلام، وظاهره، ومجمله، وحقيقته ومجازه، وعامه وخاصه، ومحكمه ومتشابهه، ومطلقه ومقيده، ونصه وفحواه ولحنه ومفهومه. ولا يلزمه من ذلك: إلا القدر الذي يتعلق به الكتاب والسنة، ويستولي به على مواقع الخطاب، ودرك دقائق المقاصد فيه.
      فأما تفاريع الفقه: فلا حاجة إليها؛ لأنها مما ولَّدها المجتهدون بعد حيازة منصب الاجتهاد، فكيف يكون شرطًا لما تقدم وجوده عليها؟!.هـ

      فهل يستطيع عاقل أن يجزم أن هؤلاء المجاهيل طلبة علم؟فضلا عن أن يقول "فلان عالم توفرت فيه شروط المجتهدين",فالجهل بهذا سبب كاف لرد فتاوى المجاهيل.

      ومما يشترط في المفتي أن يكون عدلا حتى يؤخذ بفتواه,فكيف لنا أن نحكم بعدالة "فلان" مجهول العين؟

      قال الجصاص{الفصول في الأصول ج4 ص273}:
      فَمَنْ كَانَ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِي وَصَفْنَا جَازَ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ، وَرَدِّ الْفُرُوعِ إلَى أَصْلِهَا، وَجَازَ لَهُ الْفُتْيَا بِهَا إذَا كَانَ عَدْلًا. فَأَمَّا إنْ جَمَعَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ عَدْلًا، فَإِنَّ فُتْيَاهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، كَمَا لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ إذَا رَوَاهُ، وَلَا شَهَادَتُهُ إذَا شَهِدَ.هـ

      وقال ابن قدامة{روضة الناظر ص375}:
      فأما العدالة:فليست شرطًا لكونه مجتهدًا، بل متى كان عالًما بما ذكرناه: فله أن يأخذ باجتهاد نفسه، لكنها شرط لجواز الاعتماد على قوله، فمن ليس عدلًا لا تقبل فتياه.هـ

      وقال النووي{آداب الفتوى والمفتي والمستفتي ص20}:
      وَاتَّفَقُوا على أَن الْفَاسِق لَا تصح فتواه وَنقل الْخَطِيب فِيهِ إِجْمَاع الْمُسلمين
      وَيجب عَلَيْهِ إِذا وَقعت لَهُ وَاقعَة أَن يعْمل بِاجْتِهَاد نَفسه وَأما المستور وَهُوَ الَّذِي ظَاهره الْعَدَالَة وَلم تختبر عَدَالَته بَاطِنا فَفِيهِ وَجْهَان:أصَحهمَا جَوَاز فتواه لأنَّ الْعَدَالَة الْبَاطِنَة يعسر مَعْرفَتهَا على غير الْقُضَاة.هـ

      وقد أجمل الغزالي ذكر الشرطين "العلم والعدالة" في كتابه المستصفى فقال{ج4 ص5}:
      الْمُجْتَهِدُ وَلَهُ شَرْطَانِ.
      أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُحِيطًا بِمَدَارِكِ الشَّرْعِ مُتَمَكِّنًا مِنْ اسْتِثَارَةِ الظَّنِّ بِالنَّظَرِ فِيهَا وَتَقْدِيمِ مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرِ مَا يَجِبُ تَأْخِيرُهُ.
      الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مُجْتَنِبًا لِلْمَعَاصِي الْقَادِحَةِ فِي الْعَدَالَةِ، وَهَذَا يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَى فَتْوَاهُ فَمَنْ لَيْسَ عَدْلًا فَلَا تُقْبَلُ فَتْوَاهُ، أَمَّا هُوَ فِي نَفْسِهِ إِذَا كَانَ عَالِمًا فَلَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ لِنَفْسِهِ وَيَأْخُذَ بِاجْتِهَادِ نَفْسِهِ،فَكَأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطُ الْقَبُولِ لِلْفَتْوَى لَا شَرْطُ صِحَّةِ الِاجْتِهَادِ.هـ

      وقد نص جمهور الأصوليين على أن العامي لا يجوز له أن يسأل من كان مجهولا لا يعرف بالعلم,وذكر بعضهم الإجماع على ذلك.

      قال أبو إسحاق الشيرازي{اللمع في أصول الفقه ص256}:
      وأما المستفتي فلا يجوز أن يستفتي من شاء على الإطلاق لأنه ربما استفتى من لا يعرف الفقه بل يجب أن يتعرف حال الفقيه في الفقه والأمانة ويكفيه في معرفة ذلك خبر العدل الواحد.هـ

      وهذا العدل المخبر لا بد أن يكون من أصحاب الفقه والبصيرة حتى يتمكن من الحكم على الشخص بأنه عالم,فليس للعامي أن يقيم علم الشخص,لكن العامي قد يرشد عاميا آخر إلى أحد المشهورين بالإفتاء.

      قال ابن الصلاح{ آداب المفتي للنووي ص73}:
      وَيَنْبَغِي أَن يشْتَرط فِي الْمخبر أَن يكون عِنْده من الْعلم وَالْبَصَر مَا يُمَيّز بِهِ الملتبس من غَيره وَلَا يعْتَمد فِي ذَلِك على خبر آحَاد الْعَامَّة لِكَثْرَة مَا يتَطَرَّق إِلَيْهِم من التلبيس فِي ذَلِك.هـ

      قال الشيخ عبد الباسط العلموي الشافعي{العقد التليد في اختصار الدر النضيد ص209}:
      وإذا وجب البحث فهل يفتقر إلى عدد التواتر أم يكفي عدل أو عدلان احتمالان صحح الغزالي الثاني، والذي قاله الأصحاب أنه يجوز استفتاء من استفاضت أهليته.هـ

      وممن رجح الاكتفاء بعدل واحد الشيرازي وابن قدامة,وقال الباقلاني لا بد من عدلين,وذهب ابن الصلاح والنووي في الروضة إلى أنه لا بد من الاستفاضة.

      قال الجويني{الاجتهاد ص129-129}:
      فَإِذا ثَبت أَنه لَا يجب عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِي آحَاد الْمسَائِل،وَإِنَّمَا فَرْضه الرُّجُوع إِلَى قَول الْمُفْتِي، فَهَل عَلَيْهِ أَن يجْتَهد فِي أَعْيَان الْمُفْتِينَ؟
      ذهب بعض الْمُعْتَزلَة إِلَى أَنه لَا يجب عَلَيْهِ شَيْء من الِاجْتِهَاد وَهَذَا اجتراء مِنْهُم على خرق الْإِجْمَاع. فَإِن الْأمة مجمعة على أَن من عنت لَهُ حَادِثَة،لم يسغْ لَهُ أَن يستفتي فِيهَا كل من يتلقاه. وَلَو نَفينَا وجوب الِاجْتِهَاد جملَة، أفْضى ذَلِك إِلَى تَجْوِيز الاستفتاء من غير فحص وتنقير عَن أَحْوَال الْمُفْتِينَ,وَهَذَا تورط فِي مراغمة الِاتِّفَاق.
      فَإِذا وضح بِمَا قدمْنَاهُ وجوب ضرب من الِاجْتِهَاد فمبلغه أَن يسائل عَن أَحْوَال الْعلمَاء، حَتَّى إِذا تقرر لَدَيْهِ بقول الْأَثْبَات والثقات أَن الَّذِي يستفتي مِنْهُم بَالغ مبلغ الِاجْتِهَاد،فيستفتيه حِينَئِذٍ. هـ

      وقال الغزالي{المستصفى ج4 ص150}:
      لَا يَسْتَفْتِي الْعَامِّيُّ إلَّا مَنْ عَرَفَهُ بِالْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ أَمَّا مَنْ عَرَفَهُ بِالْجَهْلِ فَلَا يَسْأَلُهُ وِفَاقًا، وَإِنْ سَأَلَ مَنْ لَا يَعْرِفُ جَهْلَهُ وعلمه فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: يَجُوزُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْبَحْثُ؛ وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَبُولُ قَوْلِ غَيْرِهِ فَيَلْزَمُهُ مَعْرِفَةُ حَالِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ مَعْرِفَةُ حَالِ الرَّسُولِ بِالنَّظَرِ فِي مُعْجِزَتِهِ فَلَا يُؤْمَنُ بِكُلِّ مَجْهُولٍ يَدَّعِي أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَوَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ مَعْرِفَةُ حَالِ الشَّاهِدِ فِي الْعَدَالَةِ وَالْمُفْتِي مَعْرِفَةُ حَالِ الرَّاوِي وَعَلَى الرَّعِيَّةِ مَعْرِفَةُ حَالِ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ.هـ

      وقال الزركشي{البحر المحيط ج6 ص309}:
      وَإِنَّمَا يُسْأَلُ مَنْ عُرِفَ عِلْمُهُ وَعَدَالَتُهُ، بِأَنْ يَرَاهُ مُنْتَصِبًا لِذَلِكَ، وَالنَّاسُ مُتَّفِقُونَ عَلَى سُؤَالِهِ وَالرُّجُوعِ إلَيْهِ. وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ عَرَفَ بِضِدِّ ذَلِكَ، إجْمَاعًا. وَالْحَقُّ مَنْعُ ذَلِكَ مِمَّنْ جُهِلَ حَالُهُ، خِلَافًا لِقَوْمٍ. لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ كَوْنُهُ جَاهِلًا أَوْ فَاسِقًا، كَرِوَايَتِهِ، بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْعَدَالَةُ، فَخَبَرُ الْمَجْهُولِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ. وَلَيْسَ الْأَصْلُ فِي النَّاسِ الْعِلْمَ. وَمِمَّنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي اسْتِفْتَاءِ الْمَجْهُولِ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيَّ وَابْنُ الْحَاجِبِ. وَنُقِلَ فِي " الْمَحْصُولِ " الِاتِّفَاقُ عَلَى الْمَنْعِ، فَحَصَلَ طَرِيقَانِ. وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ عِلْمُهُ بُحِثَ عَنْ حَالِهِ.هـ

      وقال المارديني الشافعي{الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات ص246}:
      لَا يَجوزُ للعامي أَن يُقَلّدَ كل أحد، بلْ لمَنْ يكونُ أَهلا للتقليدِ.هـ

      وقال ابن النجار الحنبلي{مختصر التحرير شرح الكوكب المنير ج4 ص544}:
      "وَيَلْزَمُ وَلِيَّ الأَمْرِ" عِنْدَ الأَكْثَرِ "مَنْعُ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِعِلْمٍ، أَوْ جُهِلَ حَالُهُ" مِنْ الْفُتْيَا.
      قَالَ رَبِيعَةُ: بَعْضُ مَنْ يُفْتِي أَحَقُّ بِالسِّجْنِ مِنْ السُّرَّاقِ.انتهى
      وَلأَنَّ الأَصْلَ، وَالظَّاهِرَ الْجَهْلُ، فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مِنْهُ.هـ

      ونقل العطار عن البدخشي{حاشية العطار على شرح الجلال المحلى على جمع الجوامع ج2 ص435}:
      وَأَمَّا فِي الْإِفْتَاءِ بِالْمَعْنَى الْمُتَعَارَفِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَظُنَّ الْمُسْتَفْتِي عِلْمَ الْمُفْتِي وَعَدَالَتَهُ إمَّا بِالْأَخْبَارِ أَوْ بِأَنْ رَوَاهُ مُنْتَصِبًا لِلْفَتْوَى، وَالنَّاسُ مُتَّفِقُونَ عَلَى سُؤَالِهِ وَتَعْظِيمِهِ فَإِذَا ظَنَّ عَدَمَ عِلْمِهِ أَوْ عَدَمَ عَدَالَتِهِ أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَا يَسْتَفْتِيهِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ الِاسْتِفْتَاءِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ شَرْطٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَيَلْحَقُ بِغَيْرِ الْعَالِمِ كَالشَّاهِدِ الْمَجْهُولِ عَدَالَتُهُ وَالرَّاوِي كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْعِلْمِ مَجْهُولَ الْعَدَالَةِ فَقِيلَ بِالِامْتِنَاعِ لِعَيْنِ مَا ذُكِرَ فِي مَجْهُولِ الْعِلْمِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَدَالَةِ لِلْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَجْهٌ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ الْعَدَالَةُ فَيَلْحَقُ الْعَالِمُ الْمُجْتَهِدُ الْمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ.هـ

      وقال الشوكاني{إرشاد الفحول ج2 ص1102}:
      إِذَا تَقَرَّرَ لَكَ أَنَّ الْعَامِّيَّ يَسْأَلُ الْعَالِمَ، وَالْمُقَصِّرَ يَسْأَلُ الْكَامِلَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ الْمَعْرُوفِينَ بِالدِّينِ، وَكَمَالِ الْوَرَعِ، عَنِ الْعَالِمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، الْعَارِفِ بِمَا فِيهِمَا، الْمُطَّلِعِ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ في فهمهما، مِنَ الْعُلُومِ الْآلِيَّةِ، حَتَّى يَدُلُّوهُ عَلَيْهِ، وَيُرْشِدُوهُ إِلَيْهِ، فَيَسْأَلُهُ عَنْ حَادِثَتِهِ طَالِبًا مِنْهُ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ فِيهَا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، أَوْ مَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ الْحَقَّ مِنْ مَعْدِنِهِ، وَيَسْتَفِيدُ الْحُكْمَ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَيَسْتَرِيحُ مِنَ الرَّأْيِ الَّذِي لَا يَأْمَنُ الْمُتَمَسِّكُ بِهِ أَنْ يَقَعَ فِي الْخَطَأِ، الْمُخَالِفِ لِلشَّرْعِ، الْمُبَايِنِ لِلْحَقِّ.هـ

      فإن قال قائل قد توافق فتوى المجهول حكم الشرع في تلك النازلة وقد يكون في نفسه عالما لكنه يتخفى لأسباب أمنية ونحو ذلك.

      أقول أما قولك "قد توافق فتواه حكم الشرع"هذا لا يدركه إلا أهل العلم,وبالتالي عليك أن تسأل عالما هل وافقت فتوى هذا المجهول حكم الله تعالى أم لا,وبالتالي رجعنا إلى أصل المسألة وهو الرجوع إلى عالم معتبر معلوم العين.

      وأما قولك قد يكون عالما في نفسه,فنقول أن "قد" في هذا الباب لا تنفع فلا يعقل أن نحكم لمجهول بأنه أهل للفتوى والاجتهاد إلا إذا شهد له العلماء بذلك,ووجب عليك حينها الرجوع إلى الأصل وهو سؤال أهل العلم المعتبرين المعروفين بأعيانهم,وفي الأمة علماء ربانيون مخلصون-نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا- يصدعون بالحق ولا يخافون في الله لومة لائم ولا يتخفون وراء الكنى والألقاب,وهؤلاء الذين ننصح الشباب بالرجوع إليهم والأخذ بأقوالهم من غير تعصب أو تقديس.
      أسأل الله الكريم أن يوفقنا لما فيه خير,وأن يصلح حال المسلمين عموما والمجاهدين خصوصا.
      والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

      أبو الوفاء التونسي
      12 جمادى الثاني 1435
      12-4-2014